البرغواطيون.. الجزء الأول

المصادر النصية العربية المتعلقة بتاريخهم

“البرغواطيون.. الجزء الأول – المصادر النصية العربية المتعلقة بتاريخهم”.. ذلك هو عنوان الكتاب الذي ألفه الكاتب الباحث د. عبد الله بونفور، على شكل نصوص اختارها وترجمها (إلى الفرنسية) وقدمها مصحوبة بتعاليق وحواشي، والكتاب صادر عن مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء.

البرغواطيون، إمارة أو مملكة برغواطة: لغز في تاريخ المغرب الوسيط

وهي حقبة تاريخية ليست بالقصيرة دامت طوال أربعة قرون على الأرجح (من القرن الثامن الميلادي إلى القرن الحادي عشر) وامتدت على طول سهول الساحل الأطلسي بالمغرب أو تامسنا… لكن هذه الفترة التاريخية لم تحظ باهتمام كثير من المؤرخين مقارنة مع ما حظيت به حقب إمارات وممالك حكمت المغرب من قبيل دول الأغالبة والأدارسة والمرابطين والموحدين، إلخ… وظل تاريخها يشوبه الغموض وينتمي إلى ما يسمى بالمواضيع الهامشية، ويكاد يجهله معظم التلاميذ والطلبة… وجاءت أخبار برغواطة متفرقة في بعض المؤلفات تنتمي إلى أجناس من الكتابة مختلفة (جغرافيا، تراجم، تصوف، تاريخ، مفاخر، فرق…)

فقرر الباحث د. بونفور، من خلال هذا المؤلف في جزئه الأول، أن يجمع تلك المتفرقات من النصوص مع ذكر عدد الكلمات التي خصصت لبرغواطة، والمؤلفات هي كالآتي:

كتاب صورة الأرض لابن حوقل (عدد الكلمات 493)، كتاب الفصل وكتاب الجمهرة لابن حزم (58)، كتاب المسالك والممالك للبكري (1907)، كتاب أخبار المهدي ابن تومرت للبيدق (266)، كتاب الاستبصار لمؤلف مجهول (859)، كتاب مفاخر البربر لمؤلف مجهول (760)، كتاب التشوف لابن الزيات التادلي (41)، كتاب البيان المغربي لابن عذاري (1720)، كتاب روض القرطاس لابن أبي زرع (805)، كتاب أعمال الأعلام لابن الخطيب (653)، كتاب العبر لابن خلدون (1288)، كتاب بيوتات فاس الكبرى لابن الأحمر (612)، كتاب الروض المعطار للحميري (13)، كتاب الحلل الموشية لمؤلف مجهول (18)، كتاب الاستقصا للناصري (1840)، كتاب علائق أسفي للكانوني العبدي (1351)، كتاب دولة الإسلام في الأندلس لعبد الله عنان (461).

يقوم الباحث بتقديم هذه النصوص وبذكر اسم المؤلف وعنوان الكتاب ودار النشر والترجمة الفرنسية إن وُجدت… وبالمقابل يقدم ترجمته الفرنسية لها، وبحواشيها يقدم وافراً من العمل الأكاديمي من شرح وتعليق ووضع للنصوص والأحداث في نسقها التاريخي، إضافة إلى تصليح أو تصحيح الأخطاء التي طالت الأسماء الأمازيغية في نقلها إلى العربية…

يستعمل الباحث في حديثه عن هذه النصوص “مفهوم” الوثائق عوض المصادر، إذ المصادر تقتضي أن تكون محررة من طرف فاعلي التاريخ المدروس، فلم يُعثر حتى الآن على نصوص كتبتها أياد من داخل دولة برغواطة، وهذا لا يعني أنها لم تُكتب، والنصوص التي بين أيدينا هي من خارج دولة برغواطة.

ويُلاحظ أن هذه النصوص التي تتناول برغواطة هي نصوص متأخرة، وأقربها مأخوذ من كتاب صورة الأرض لابن حوقل (القرن العاشر) وهو نص مهم لأن المؤلف عاصر فترة من فترات هذه الدولة وإن لم يقم بزيارة بلادهم إلا أنه سرد بعضاً من أخبارها. والنص الثاني الأقرب مأخوذ من كتاب المسالك والممالك للبكري (القرن الحادي عشر)، والبكري عاصر الأيام الأخيرة لهذه الدولة، “إن قبلنا بسحق المرابطين لها” وانقراضها على أيديهم.

من هذين المؤلفين نهل المتأخرون وتناقلوا أخبار برغواطة، ولو أن بعض المصادر (مفاخر البربر أو العبر على سبيل المثال) ذكرت وجود مؤلفات تطرقت لهذه الدولة لكنها في عداد المفقودات.

فماذا نستنتج من هذه النصوص؟

أصل برغواطة:

 “… إن يونس القائم بدين برغواطة أصله من شدونة من وادي بربط…”، يقول البكري. “…وسمى من اتبعه بربطي لما كان من بربط، ثم أحالوه بألسنتهم وردوه إلى لغتهم فقالوا: برغواطي.”؛ وهذا ابن حزم يقول: “بنو طريف من أشونة ومنهم كان الذي تنبأ ببرغواطة…”؛ وهذا ابن الخطيب يضيف: “ليس قبيل برغواطة لأب ولا يرجعون إلى أصل، وإنما هم أخلاط من قبائل شتى زناتية، اجتمعوا إلى صالح بن طريف القائم بتامسنا…”؛ أما ابن خلدون فيقول: “وكانت مواطنهم خصوصا من بين المصامدة في بسائط تامسنا وريف البحر المحيط من سلا وأزمور وأنفى وأسفي.”

التأسيس:

طريف الذي “كان من أصحاب ميسرة” ثم ابنه صالح (بن طريف) الذي يعتبر مؤسس الدولة. ويقدم البكري تسلسل أمرائهم حين يذكر سفارة من برغواطة إلى قرطبة ويقول: “قدم أبو صالح زمور[…] على الحكم المستنصر بالله [الخليفة الأموي بالأندلس سنة 963م] رسولا من قبل صاحب برغواطة أبي منصور بن عيسى بن أبي الأنصار عبد الله بن […] يحمد بن معاذ بن اليسع بن صالح بن طريف…”

صالح بن طريف أو ادعاء النبوة:

ابن خلدون: “وكان ظهور صالح هذا في خلافة هشام بن عبد الملك… …ثم انسلخ من آيات الله، وانتحل دعوى النبوة، وشرع لهم الديانة التي كانوا عليها من بعده […] وادعى أنه نزل عليه قرآن كان يتلو عليهم سورا منه، منها سورة الديك وسورة الجمل وسورة الفيل وسورة آدم وسورة نوح وكثير من الأنبياء…”

وشرع لهم ديانة تقر “بنبوة صالح بن طريف ومن تولى الأمر بعده من ولده، وأن الكلام الذي ألفه لهم وحي من الله تعالى لا يشكون فيه، تعالى الله عن ذلك، وصوم رجب وأكل رمضان وخمس صلوات في اليوم وخمس صلوات في الليلة […] وإحرامهم أن يضع إحدى يديه على الأخرى ويقول: ابسمن ياكش، تفسيره بسم الله، مقر ياكش، تفسيره الكبير الله…” (عن البكري). وتستفيض النصوص في ذكر قواعد ديانتهم لتشجبها وتقارنها بالإسلام السني المالكي في الغالب فتكفرها، إذ تجمع على رفضها القاطع لبرغواطة لادعائهم النبوة واستخراجهم لقوانين وسنن تنتمي إلى صنف السحر والحيل بل إلى الارتداد والكفر وهي “أمور غريبة ومضحكة” بل هي “كفر وارتداد” “وضلالة”. وما كانت هذه الدولة أن تبسط حكمها على ساكنة غرب المغرب الأقصى لولا “جهل وغفلة” هذه الساكنة.

النهاية:

تضطرب الروايات المتعلقة بانقراض هذه الدولة إذ تكلمت عن نهايتها على يد المرابطين (عبد الله بن ياسين وأبي بكر بن عمر)، إلا أن ابن أبي زرع وفي نفس كتابه روض القرطاس يتحدث عن عبد المؤمن الموحدي الذي خرج من مراكش “إلى غزو برغواطة فكانت بينه وبينهم حروب عظيمة هزم فيها عبد المؤمن، ثم كانت الكرة عليهم فأجاب فيهم السيف ولم يبق منهم إلا من لم يبلغ الحلم.”

فهذا الكتاب يجمع نصوصاً نعتبرها “مادة خاما” يقدمها المؤلف لأهل الدرس والتاريخ، ونحن بانتظار صدور الجزء الثاني الذي يتناول بالتحليل كل هذه النصوص على مستويات بحثية عدة، ويحمل العنوان الآتي: البرغواطيون ج2، اللغة، الدين، المجتمع، عن نفس دار النشر.  

بقلم: عبد اللطيف اغويرگات

Related posts

Top