البعد الموضوعاتي في المجموعة القصصية «ماذا تحكي أيها البحر؟»

عبدالإله ستيتو

إن استراتيجية الكتابة في المجموعة القصصية “ماذا تحكي أيها البحر…؟” للقاصة المغربية فاطمة الزهراء لمرابط، تندرج ضمن المتن النسائي؛ لأن جل نصوصها التسعة عشر باستثناء البعض منها، حاولت أن تتحرر من استيهامات الرجل وتكسير النظرة الذكورية التي تجعل من المرأة موضوعا مفعولا فيه بدل أن تكون موضوعا فاعلا فيه. هذا ما يميز الكتابات الجادة للأدب النسائي إن صح التعبير، لكون هذا الأدب منتميا إلى المرأة المبدعة، والكتابة عندها على حد تعبير الأستاذة زهور كرام “فضاء لامتداد الجسد وتحريره من مختلف أشكال التربص والمصادرة والملاحقة.”
 بهذا الاستهلال سنحاول رصد طبيعة الكتابة في المجموعة القصصية لدى الكاتبة من خلال سجلات الكلام، وأبرزها سجل الصور النمطية المحاصرة للمرأة في المجتمع الذكوري. ويتبدى هذا السجل من خلال تيمات أساسية ونحصرها إجمالا في تيمة التشييء، تيمة التحرش، تيمة الغدر، وتيمة التعنيف.
 فتيمة التشييء تتجلى في القصة الموسومة “أنت القصيدة”، فشاعر الساردة لم يسلم من النظرة الدونية للمرأة، رغم حسه المرهف وشاعرية الكلام. فهو في بحثه عن القصيدة في جماليتها بشكل دائم ومتجدد إنما يبحث عن المرأة المتعة وليس المرأة الإنسانة؛ وبهذا يسقط الشاعر المثقف المفترض فيه أن ينضم إلى صوت المرأة في ثقافة المجتمع الذكوري ويصبح هو بدوره صوتا معاكسا لصوت المرأة، وبهذا السلوك يتقاطع مع الإنسان العادي حيث ستبرز الساردة على لسان بطلها الحاج الطاهر تيمة أخرى تعاني منها المرأة في المجتمع؛ وهي التحرش بها ومضايقتها في تصرفاتها من خلال قصة “معاكسة”، فغريزة الرجل الحيوانية دفعت البطل إلى ملاحقة المرأة ومضايقتها بنظراته؛ بحواره الداخلي النابع من خزان موروثه الثقافي. إنها أي الغريزة لم تشفع له وهو المرتبط ارتباطا شرعيا بمؤسسة الزواج والبالغ من العمر عتيا، دفعت به دفعا إلى التضحية بثروته قصد الحصول عليها أي المرأة/ اللذة. هذه الحالة تم تركيبها في قالب سردي مكثف، اعتمد عل التخييل كواقع نفسي لما يعيشه الرجل في علاقته بالمرأة والقبض على ذاتها.
  أما تيمة الغدر فتتبدى في قصة “S.MS” وبدون سابق إنذار وفي كلمتين “أنت طالق” كرسالة قصيرة طالعة من جهازها المحمول؛ تخبرها بهجرها وطردها وتهميشها. إذن هذا السلوك نابع من عقلية لا تقدر ولا تحترم لا مؤسسة الزواج ولا المرأة؛ حيث تركها وراء الباب مجردة من كل مستلزمات الحياة؛ فجأة يولد السرد بطلا مساعدا لإخراجها من هذه الوضعية ويمنحها آلية للدفاع عن نفسها وكرامتها اتجاه الرجل الجاحد فتصبح هي سيدة البيت والرجل هو المطرود.
  بالنسبة لتيمة التعنيف الممارس على المرأة داخل المجتمع، فتطالعنا القصة الموسومة بالعبارة المسكوكة “أيام الباكور” لتظهر لنا أن الأيام الجميلة تمر بسرعة؛ فالساردة هنا هي تلك المرأة الحالمة بالرجل “النموذج” التي ظنت أنها عثرت عليه، وهو امتداد لفكر متحرر ومتنور، ظلت تتقاسمه معه من أيام الجامعة مصدر إشعاع وتنوير، إلا أنها تفاجأ مباشرة بعد زواجها أن أحلامها تبخرت مع الهواء؛ وأن هذا الرجل/ النموذج ما هو إلا نسخة للرجل الشرقي، سهر، ومجون ولا مبالاة بالمرأة في كينونتها. ودلالة العنوان رمز لفض هذا النوع من العلاقة وفشل قيم الحب والفكر؛ والسبب دائما هو طبيعة الفحل، وثقافته الميالة إلى تدمير الأنثى /المرأة وذلك بتعنيفها رمزيا وماديا. لكن الساردة قررت عدم الصمت على هذا السلوك فتمردت عليه  للدفاع عن ذاتها؛ فهددته بالسجن إن هو تجرأ على لمسها؛ وهنا يتدخل وعي الساردة القاصة لمعالجة الوضع من الزاوية الحقوقية، بعيدا عن الثنائية المفتعلة في المجتمع صراع رجل امرأة.
  كل هذه التيمات وتيمات أخرى تم تشييدها في قالب فني تخييلي اعتمدت فيه الساردة على المزج بين اللغة العالمة ولغة الساحة العامة، حيث نهلت من المعجم الشعبي الأقدر على إيصال المشهد السردي بحركية وحيوية، خصوصا حينما تعلق الأمر بالعبارات الجاهزة أو المسكوكة؛ فاعتماد الساردة عليها إنما هو اجتراح لواقع مليء بالسياقات الثقافية المركبة. أما تركيب جمل المجموعة فهي قصيرة في مجملها تميل إلى الاقتصاد والاختزال، هدفها البساطة، غايتها إيصال الفكرة بوضوح ومباشرة؛ من هنا كان الاحتفاء ببلاغة السرد على حساب اللغة الشعرية.
 ــ هامش:                                                                      
“ماذا تحكي أيها البحر..”، مجموعة قصصية صادرة عن منشورات “الراصد الوطني للنشر والقراءة” سنة 2014.

Related posts

Top