البنك الدولي: جائحة كورونا (كوفيد-19) ركودا اقتصاديا شديدا في منطقة الشرق

لقد أحدثت جائحة كورونا (كوفيد-19) ركودا اقتصاديا شديدا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ووفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينكمش اقتصاد المنطقة بنحو 33% في عام 2020، وهو أسوأ قليلا من المتوسط العالمي الذي تشير التنبؤات إلى أنه سيبلغ 3%. وداخل المنطقة، يوجد أيضا تباين إقليمي كبير، إذ تتراوح توقعات النمو الاقتصادي للبلدان من +2.2% في مصر إلى – 12% في لبنان (يعرض الشكل البياني أدناه أمثلة لذلك التباين). ومن الأهمية بمكان والمنطقة تتعافى من الركود الاقتصادي أن تراعي الحكومات في تعافيها الاقتصادي الاعتبارات البيئية (انظر مُدوَّنتنا السابقة).

كيف تبدو ملامح أي لخطة للتعافي الأخضر لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

يُمكننا التأسِّي بأوروبا. فقد تأثَّرت أوروبا بجائحة كورونا في مرحلة مبكرة، وعلى نطاق واسع، وكان رد فعل كثير من البلدان فرض تدابير إغلاق عام صارمة. ومنذ ذلك الحين، أعاد الكثير من البلدان فتح اقتصاداتها بعد تسجيل مستويات متدنية لحالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا، مما يبعث على التفاؤل. وبعد مرحلة الإغاثة الفورية، كان على القارة أن تختار أي سبل التعافي ستسلك. ووجدت القارة نفسها في مفترق طرق، مع مطالبة كثير من الأصوات بإلغاء الاتفاق الأخضر لأوروبا. ولكن، لحسن الحظ، قررت أوروبا أن تجعل الاتفاق الأخضر الأوروبي هو “إستراتيجية الاتحاد الأوروبي للتعافي.” وبحلول نهاية مايو/أيار 2020، أعلن الاتحاد الأوروبي خطته للتعافي لما بعد أزمة كورونا بتخصيص ما يعادل 750 مليار يورو (821 مليار دولار) على أن يتم تقديمها بشروط خضراء تراعي الاعتبارات البيئية، مع التركيز على استعادة خصوبة الأراضي، والتنوع الحيوي، وتقليص الانبعاثات الكربونية في القطاعات ذات الأولوية، وذلك ضمن جملة إستراتيجيات أخرى.
بالنسبة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثمَّة قطاعات مُعيَّنة يجب أن تكون لها الأولوية في “تبنِّي نُهُج التخضير أو الحفاظ على البيئة” مثل قطاعي النقل والطاقة. وفي هذه المنطقة، تُشكِّل الصناعات وحركة المرور المصادر الرئيسية للانبعاثات الضارة المُسبِّبة لتلوث الهواء على الصعيد المحلي (انظر كاراغوليان وآخرين، 2015). وتشمل أمثلة السياسات المُجرَّبة والمختبرة عالميا لمثل هذه القطاعات فرض معايير مستهدفة لكفاءة استخدام الطاقة، ومعايير كفاءة استخدام الطاقة للشركات، ومعايير كفاءة الوقود للمركبات، وتغيير نوع الوقود المستخدم، وتكنولوجيا الإنتاج، وتسعير التلوث/الكربون (أو إلغاء صنوف الدعم الضارة المرتبطة بالتلوث الكربوني). علاوةً على ذلك، تُبشِّر معايير كفاءة استخدام الطاقة للمباني، ومعايير الحد الأدنى للأداء للأجهزة مثل مُكيِّفات الهواء بالخير في المنطقة (انظر أودراغو 2020).

كيف تبدو ملامح أي خطة للتعافي الأخضر لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

لقد ثار الكثير من النقاش بشأن إيجاد مشروعات جاهزة للتنفيذ لتدعم على وجه السرعة مرحلة التعافي الاقتصادي من الجائحة، مشروعاتٍ قادرة على البدء بقوة، وتهيئة فرص عمل لكثير من الناس. ومن أمثلة هذه المشروعات التي تعمل على تخضير أنشطة ضارة بالبيئة توسيع نطاق مشروعات ناجحة للحد من التلوث، وإطلاق مشروعات جديدة مثل مشروع الحد من التلوث البيئي في مصر، ومشروع الحد من تلوث الهواء ومكافحة تغير المناخ في مصر. وثمة مثال آخر من مشروع يجري حاليا تنفيذه وقد يضيف قيمة إلى هذه المبادرة المهمة هو مشروع الحد من التلوث البيئي في لبنان.
يُقدِّم المشروع للشركات الصناعية شديدة التلويث قروضا بأسعار فائدة قريبة من الصفر لأجل سبع سنوات مع فترة سماح تصل إلى عامين. ويهدف التمويل المُيسَّر الذي يقدمه المشروع إلى مساندة مشروعات تغيير نوع الوقود، ورفع كفاءة استخدام الطاقة، وتكنولوجيا الإنتاج.
يساعد مشروع الحد من التلوث البيئي في مصر الصناعة على تحسين الأداء والامتثال للمعايير البيئية. وتستطيع الصناعات المؤهلة في القاهرة الكبرى والإسكندرية الاستفادة من التمويل في الاقتراض بأسعار فائدة قريبة من الصفر من أجل تغيير نوع الوقود، ورفع كفاءة استخدام الطاقة، وتكنولوجيا الإنتاج. وسيتيح توسيع نطاق هذه المشروعات الآن فرصة مثالية لتحقيق تعافٍ أخضر مراع للبيئة.
يهدف مشروع الحد من تلوث الهواء وتغير المناخ في القاهرة الكبرى بمصر الذي يجري إعداده إلى الحد من التلوث الذي يُسبِّبه قطاع النقل، وقطاع إدارة المُخلَّفات الصلبة، وهما أكبر مصدرين للانبعاثات الضارة في منطقة القاهرة الكبرى.
تكتسي التدابير المالية التنشيطية التي تهدف إلى مساندة المشروعات الخضراء أهمية كبيرة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يعتمد فيها معظم السكان على رأس المال الطبيعي. ويقتضي العمل من أجل تدابير تنشيطية خضراء تشمل الجميع أن يكون التمويل منخفض التكلفة متاحا للأنشطة الخضراء المراعية للاعتبارات البيئية، وأن تعود المنافع الناجمة عن هذه الاستثمارات بوجه خاص على شرائح السكان ذات الدخل المنخفض. ومع أن معظم سكان المنطقة يعيشون في مناطق حضرية (60%)، فإن معظم فقراء المنطقة يعيشون في مناطق ريفية. وفي مصر واليمن وتونس والمغرب، على سبيل المثال، يزيد عدد الفقراء المقيمين في مناطق ريفية عن عدد الفقراء الذين يعيشون في مناطق حضرية. واتضح أن أنشطة التخضير ترتبط بدرجة كبيرة بالحد من الفقر، وعلاوةً على ذلك، فإن التخضير يراعي مصالح الفقراء، وهو ما يعني أنه يعود بالنفع على المجتمعات الأفقر أكثر من غيرها (انظر هيجر وآخرين، 2020).
وثمة أمثلة للاستثمارات في ممارسات الإدارة المستدامة للأراضي، مثل المشروع الواعد (مشروع المنظومات الواحية وسبل كسب العيش بتونس) الذي ساعد الواحات التقليدية على التغلب على عوامل التصحُّر. وساعد هذا المشروع أيضا على إتاحة الفرص وتهيئة الوظائف لكثير من الشباب، وتحسين إنتاج هذه المنظومات البيئية، وإنتاج التمر والمربي والعسل، والسياحة البيئية، ومن ثم زيادة مستويات الدخل في المجتمعات الفقيرة.
وهناك مثال آخر للاستثمارات الخضراء عالية العائد هو مشروع الإدارة المتكاملة للأراضي في المناطق المتأخرة في تونس الذي اشتمل على تدخلات لإدارة الأراضي تراعي اعتبارات المناخ وذات أهمية بالغة لاسيما في سنوات الحر الشديد. وتعد تدخلات الإدارة المتكاملة للأراضي إستراتيجيات مهمة للتكيف مع تغير المناخ، علاوةً على ذلك فإنها تسهم إسهاما كبيرا في التخفيف من آثار غازات الدفيئة.
وختاما، توجد أيضا فرص مهمة لإدارة المناطق الساحلية، وخلق اقتصاد أزرق تتوفر له مقومات الاستدامة. وإلى جانب تحسين مستويات الاحتواء في البر، تسنح أيضا فرص تعود بالنفع على الجميع على سواحل البحر، وفي البحر. فعلى سبيل المثال، ساعد برنامج الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية في المغرب على زيادة دخول المجتمعات الساحلية ذات الدخل المحدود بمساندة سبلهم لكسب الرزق بأنشطة بديلة.
وتم بنجاح تنويع سبل كسب العيش لصائدي الأسماك لجعلهم أقدر على الصمود والتكيف مع الاحترار العالمي وما ينجم عنه من ارتفاع درجة حرارة المحيطات. فعلى سبيل المثال، تضررت الأرصدة السمكية شديدة التأثًّر بدرجات الحرارة من زيادة الحرارة، وهو ما خلَّف آثارا سلبية على أقوات المجتمعات الساحلية واستهلاكها. وتساعد مساندة أنشطة إضافية مثل زراعة الطحالب، والسياحة البيئية هذه المجتمعات على تنويع أنشطتها وأن تصبح أقدر على الصمود في وجه الصدمات المناخية. ويعد الحفاظ على سلامة النظم الإيكولوجية الساحلية والبحرية شبكة أمان، ويمكن أن يصبح مُحرِّكا للنمو لكثير من البلدان في المنطقة التي تمتلك سواحل متنوعة ومنتجة، ولها تاريخ طويل من الاعتماد المتبادل مع المحيط.

Related posts

Top