البيئة والتنمية المستدامة في العلوم الاجتماعية

نظمت برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مؤخرا، ندوة دولية حول موضوع “البيئة والتنمية المستدامة – أدوار جديدة وآفاق واعدة للعلوم الاجتماعية”، وذلك بشراكة بين نفس الكلية و”مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم”.
وقد تمحورت أشغال هاته الندوة بما عرفته من مداخلات لثلة من الأساتذة الباحثين، حول المسألة البيئية، كونها موضوعا للبحث والتمحيص في العلوم الاجتماعية، بكل ما يرافق ذلك من رهانات ابيستيمولوجية وميثودولوجية، إذ لا شك أن ملامسة العلوم الاجتماعية لموضوع البيئة سيعطيها زخما جديدا وسيفتح الباب على مصراعيه أمام آفاق واعدة للدراسة والمساءلة مع كل ما يمكن أن تجنيه العلوم الاجتماعية بدورها من حصيلة إيجابية كنتيجة عن هذا الاتصال، فموضوع البيئة كما هو جلي تقع في نقطة تماس وتلاقي بين العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية، مع ما يطرحه الأمر من تحديات على العلوم الاجتماعية في علاقتها مع موضوع البيئة و حتمية إنجاز ثورة ابيستيمولوجية ذات مستويات متعددة في هذا السياق. وقد استمرت الندوة على مدى يومين وعرفت غنى في المواضيع والنقاشات المعرفية بين الحاضرين انتهت باعتماد مجموعة من التوصيات.
ودعا المشاركون إلى ضرورة صياغة تعريف للبيئة انطلاقا من وضع نظرية متماسكة تستجيب لشروط العلمية (la scientificité) ، وليس انطلاقا من الوقوف على مختلف مظاهر التلوث الذي تشهده البيئة والعمل على معالجتها حالة بحالة، مما يقتضي تطوير استراتيجيات وطنية لحماية البيئة تأخذ في اعتبارها خصوصيات التراب وثقافة الساكنة.
وأوصى المشاركون كذلك بضرورة التمكين المؤسساتي والتنظيمي من أجل الحفاظ على كل تطور أو تقدم في مجال حماية البيئة وتثمين المكتسبات التي تتحقق في هذا المجال وتطويرها، مشيرين إلى حتمية تطوير التعاون بين مختلف العلوم والتخصصات؛ وذلك في إطار تثمين تداخل التخصصات وتعددها.
وطالبوا بالانكباب على سبر أغوار مبحث “العدالة البيئية” الذي يعتبر أقرب نسبيا إلى انشغالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، داعين كليات الآداب والعلوم الإنسانية إلى الاهتمام بهذا المبحث لاستدراك النقص والتأخر اللذين يطبعانه، وتوفير الدعم المؤسساتي واللوجيستي الكفيل بتثمين المنجزات في هذا المجال، وكذا تتبع الجهود المبذولة في إطار البحوث العلمية حول البيئة لاسيما تلك التي تنطلق من منظور متعدد ومتداخل التخصصات. كما دعوا إلى تطوير تداخل التخصصات في اتجاهين، الأول بين مختلف العلوم الإنسانية، والثاني بين العلوم الإنسانية وباقي العلوم؛ لاسيما البيولوجيا والجيولوجيا والإيكولوجيا، واقترحوا إحداث مسالك جامعية ممهننة في سلك الإجازة والماستر تعنى بميدان تدبير المجال وحماية البيئة والتنمية المستدامة في علاقته مع تخصصات العلوم الاجتماعية للبيئة. داعين سوسيولوجيي مؤسسات التعليم العالي إلى إنشاء قطب سوسيولوجي يعنى بتنسيق الأدوار والمهام وإقامة الدراسات والأبحاث في مجالات العلوم الاجتماعية في علاقاتها بالبيئة والتنمية.
وأوصى المشاركون مختلف القطاعات العاملة في مجال البيئة، سواء كانت تابعة لقطاعات حكومية أم مراكز أم منظمات مدنية، وسواء كانت وطنية أو دولية، بضرورة تطوير التنسيق فيما بينها، وبالعمل من لدن كل المعنيين بالمسألة البيئية –مؤسسات حكومية ومدنية –على تطوير الاهتمام بثلاث قضايا أساسية من المفروض أن تتبلور حولها استراتيجيات للعمل هي النزاعات المترتبة عن تداخل المصالح المرتبطة على نحو ما بالبيئة وتضاربها، والتكيف مع متطلبات البيئة، والعدالة البيئية.
وأكد المشاركون على دور الجمعيات النشيطة في مجال البيئة والتنمية المستدامة في تشخيص الوضعية البيئية المحلية والمساهمة في اقتراح الحلول البديلة لمختلف المعضلات البيئية المطروحة، كما نوهوا بأهمية الانخراط الجماعي المسؤول والواعي لمختلف تنظيمات المجتمع المدني في التعبئة الشاملة للمحافظة على التراث الثقافي والموارد الطبيعية والأنظمة الإيكولوجية التي تزخر بها بلادنا باعتبارها رافعة ركيزة للتنمية المستدامة، مع تمكين المجتمع المدني من الوسائل المعرفية والقانونية والتكوينية في مجال البيئة والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان حتى يكون ملما بقضاياها وتطورها السريع فيتمكن من التعريف بها والدفاع عنها.
وفي الجانب القانوني، دعا المشاركون إلى تفعيل الترسانة القانونية البيئية ومقتضيات القوانين الترابية وميثاق اللاتمركز الإداري والجهوية المتقدمة خدمة لأهداف التنمية المستدامة.، وكذا ترسيخ المقاربة التشاركية في مجال السياسة الترابية من خلال تفعيل الآليات القانونية والمؤسساتية للمجتمع المدني المنصوص عليها في الدستور والقوانين التنظيمية الترابية لتمكينه من المساهمة في صياغة وتنفيذ وتتبع السياسات الترابية وتقييمها.
كما أكدوا على ضرورة ربط جسور التواصل  بين الجامعة ومراكز البحث العلمي والفاعل السياسي والمدني للاشتغال على المواضيع والملفات البيئية والتنموية وتحديد المسؤوليات وضمان الانسجام والتنسيق بين مختلف التدخلات الترابية، وكذا ضرورة إحداث مراكز أبحاث ودراسات متخصصة في مجال العلوم الاجتماعية للبيئة ولما لا تكون هاته الأخيرة مراكز دراسات و أبحاث بين – قطاعية ، بشراكة بين  الكليات و الجامعات وجميع القطاعات المعنية والمهتمة سواء من قريب أو بعيد ، كل هذا من أجل الوصول لتنمية مستدامة ينشدها الجميع و تضمن جودة الحياة .
 

Related posts

Top