التأمين الفلاحي.. أكثر من ضرورة أمام تعدد المخاطر

منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، أصبح الجفاف ظاهرة طبيعية تعود بشكل دوري وبوتيرة مرتفعة، إذ يبين تقرير منشور على موقع التنمية المستدامة للأمم المتحدة، أن معدل سنوات الجفاف يزداد في المغرب في كل عشرية، فمثلا وصلت إلى 4 سنوات جفاف ما بين 1996 و2006، مقابل سنة جافة واحدة لكل عشرية ما بين 1940 و1979.
وبعد معاناة الفلاحة المغربية مع هذه الظاهرة وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد الوطني، الذي يعتمد بشكل كبير على حصيلة الموسم الفلاحي، أو على الأوضاع الاجتماعية للفلاحين وعائلاتهم، أحدثت الدولة تأمينا ضد آثار الجفاف، وهو منتوج جديد لم يكن المزارعون المغاربة يعرفونه أويدركون أهميته على نشاطهم الفلاحي.
فتأثير الجفاف على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب لا يحتاج إلى تبيان. فالفلاحة ظلت الدعامة الرئيسية للاقتصاد الوطني، فهي تمثل حسب أرقام رسمية 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتشغل من 40 إلى 43 في المائة من اليد العاملة.

البنك الدولي يؤكد ضرورة تدبير مخاطر الكوارث على الفلاحة

في هذا الإطار، أكد البنك الدولي، في تقرير له عن سنة 2016، أن الجفاف ضرب نصف محصول الحبوب بالمغرب، مضيفا أنه سيشرع في مواصلة عمله في المغرب بشأن إدارة مخاطر الكوارث، مع إنشاء أنظمة الإنذار المبكر والوقاية من السيول، والاستعانة بالتأمين على مخاطر الكوارث الطبيعية. وأوضح البنك أن هذا هو “الواقع الجديد للطقس الجائح الذي سببه تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومع ارتفاع درجات الحرارة عالمياً، فإنها ستشهد ارتفاعا أكبر في المنطقة، وستشتد الظروف المناخية في المنطقة التي هي بالفعل الأشد حرارة وجفافاً على وجه الأرض”. وأشار البنك، أن نصيب الفرد حاليا، لا يتجاوز أكثر من 1000 متر مكعب من موارد المياه المتجددة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالمقارنة بنحو 4500 متر مكعب للفرد في بلدان شرق آسيا، و9000 متر مكعب في الولايات المتحدة، موضحا أن تغير المناخ سيفاقم من سوء الوضع، إذ سيزيد تراجع معدلات هطول المطر وطول نوبات الجفاف من الأضرار، وستسعى المنطقة جاهدة لتلبية الطلب الأساسي على المياه. وأكد التقرير، أنه مع ارتفاع الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، يتوقع أن ينحسر هطول المطر بما يتراوح بين 20 و40 في المائة.
وسيكون لزيادة ندرة المياه تداعياتها الاقتصادية، مع توقعات بأن تؤدي إلى انخفاض النمو من 6 إلى 14 في المائة بحلول عام 2050. بيد أن التأثير سيتباين حيث تشتد حدة المعاناة للبلدان الأفقر والأكثر اعتمادا على الزراعة. فالمجتمعات الأشد فقرا ليس لديها سوى القليل من الموارد التي تجابه بها تداعيات تغير المناخ ومن ثم ستكون الأكثر تضررا. وسيؤدي انكماش الزراعة إلى زيادة البطالة في القرى، مما يدفع أعداداً كبيرة من البشر إلى الهجرة للمدن المكتظة بالسكان. وستشهد المناطق الحضرية موجات أشد حرارة، فضلا عن تلوث الهواء، والأتربة الناجمة عن تدهور التربة والتصحر، كما سيتسبب ارتفاع مستوى سطح البحر في تزايد الفيضانات بالمناطق الساحلية التي تشهد توسعا حضريا سريعا وبدلتا الأنهار، وسيؤدي ارتفاع مستوى مياه البحار إلى تسرب المياه المالحة إلى مكامن المياه الجوفية في المناطق الساحلية، مما يقلص كميات المياه الصالحة للشرب والري.

خيارات التأمين الفلاحي

في السياق ذاته، يستفاد من دراسة أجراها مكتب دولي لفائدة وزارة الفلاحة والصيد البحري حول التأمين الفلاحي بالمغرب، أن المنتوجات التأمينية الجديدة تغطي قيمة تزيد على 12 مليار درهم من المنتوجات الفلاحية مع مضاعفة هذه القيمة لتصل إلى 23 مليار درهم بحلول سنة 2020، هذا بالإضافة إلى تقليص نسبة المخاطر إلى 10 في المائة.
 وحسب ذات المصدر، فالمنتوجات التأمينية الجديدة ستمكن الفلاحين المنخرطين من ثلاثة خيارات تأمينية وذلك حسب القطاعات. ويبقى الخيار الأول متمثلا في التأمين على الجفاف والتأمين متعدد المخاطر بالنسبة للقطاعات النباتية، ويمنح هذا المنتوج إمكانية التأمين ضد أكثر من خطر. كما يتمثل الخيار الثاني فيما اصطلح عليه بـ “التأمين المقياسي” الذي يعتمد على تقليص تكلفة المخاطر بناء على معاينة الواقع وليس على الخسائر التي تكبدها الفلاح المؤمن. أما الخيار التأميني الثالث، فيتمثل في توسيع نطاق التأمين الخاص بالماشية ليشمل المخاطر الفلاحية والأمراض الفتاكة.
 ويشكل الجفاف، حسب الدراسة ذاتها، الخطر الرئيسي الذي يهدد الفلاحة المغربية، بينما تتمثل بقية المخاطر، في الأمراض الفتاكة بنحو 21 في المائة، متبوعة برياح الشركي بنسبة 10 في المائة ودرجات الحرارة المرتفعة بـ 8 في المائة، بالإضافة إلى قلة الموارد المائية والفيضانات والحرائق.  
الدراسة ذاتها، أشارت إلى حوالي 40 خطرا يهدد الفلاحة المغربية بمختلف سلاسلها، صنفتها إلى مخاطر مناخية تتمثل أساسا في الجفاف والفيضانات ودرجة الحرارة المفرطة، ومخاطر صحية هي الأمراض التي تهدد المزروعات ومختلف الأشجار والنباتات، بالإضافة إلى مخاطر مناخية تبلغ مستويات قياسية في المناطق التي تعاني التلوث الصناعي والتعرية بجميع أنواعها.
وكانت الدولة قد خصصت في إطار مخطط المغرب الأخضر ما يقارب 66 مليار درهم للفترة 2009-2015. إضافة إلى ذلك، استفاد مخطط المغرب الأخضر من مساهمات مقدمة من صندوق الحسن الثاني “800 مليون درهم في أربع سنوات”، وكذا صندوق التنمية القروية. كما قامت الأبناك الوطنية في إطار هذه السياسة الاستثمارية، بتطوير طرق تمويل ملائمة لحاجيات الفلاحين. إضافة إلى ذلك، بلغت مساهمات صناديق الدعم الأجنبية ما يناهز 12.3 مليار درهم.
عبد الحق ديلالي

******

قطاع الفلاحة بالمغرب عنصر أساسي في استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية

أكد المشاركون، خلال لقاء نظم الجمعة المنصرم، بفاس، أن قطاع الفلاحة بالمغرب يشكل عنصرا أساسيا في استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية باعتباره يلعب دورا محوريا وأساسيا في ضمان الأمن الغذائي للمواطنين واستقرار الساكنة القروية .
وأوضح العديد من الخبراء والباحثين والمهنيين المغاربة والأجانب خلال هذا اللقاء الذي نظمته جمعية «إس أو إس المغرب للمنتجات المحلية» المنضوية تحت لواء الائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة أن القطاع الفلاحي الذي يساهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي والتجاري بالمغرب يقدم مجموعة من الخدمات منها على الخصوص صيانة الطبيعة والمحافظة على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي كما يوفر المواد الأولية للصناعات الغذائية .
وأضاف المتدخلون خلال هذا الملتقى الذي نظم بشراكة وتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة « الفاو» وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، استعدادا للمعرض الدولي للفلاحة في نسخته الثانية عشرة،  أن القطاع الفلاحي بالمغرب يستفيد إلى جانب غنى وتنوع المنظومة الايكولوجية والبيئية من الوضعية الجغرافية المناسبة من خلال قربه من السوق الأوروبية بالإضافة إلى ارتفاع مؤشرات الاستهلاك القوية بالأسواق الوطنية .
وأشاروا إلى أن الإنتاج الفلاحي ومستوى عيش الساكنة بمختلف جهات المغرب أضحى يعاني من تأثيرات التغيرات المناخية التي يرتقب أن تتفاقم مع مرور الوقت وتختلف من منطقة الى أخرى ما قد ينتج عنه ارتفاع في أثمنة المواد الغذائية ويكون لها بالتالي تأثير وانعكاس سلبي على القدرة الشرائية للمواطنين.
وقال جورج هاج ممثل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة « الفاو «بالمغرب إن المنظمة استثمرت في مختلف المجالات التي تساهم في تعزيز الأمن الغذائي وتشجيع التأقلم مع التغيرات المناخية والحد من تأثيراتها السلبية .
وأكد أن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة تلعب دورا مهما ومحوريا في توجيه المنظومة الغذائية والقطاع الفلاحي في البلدان الأكثر عرضة للتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية من خلال إيلاء المزيد من الاهتمام والرعاية للفلاحين الصغار .
وحسب المسؤول فإن المبادرة الجديدة « من أجل تكييف الفلاحة بإفريقيا « التي أطلقها المغرب شكلت دعما مهما لتكييف الفلاحة الافريقية، وجعلها في خدمة التنمية والأمن الغذائي.
وأوضح أن منظمة الأغذية الزراعة تدعم الاستراتيجية التي تنفذها وزارة الفلاحة والصيد البحري من أجل تشجيع المنتجات المحلية منذ انطلاق مخطط المغرب الأخضر سنة 2008 .
ومن جهتها أكدت السيدة مونية بنغازي رئيسة جمعي « إس أو إس المغرب للمنتجات المحلية « على ضرورة دعم التنظيمات الفلاحية القروية من أجل تسهيل تسويق منتجاتها وخلق فضاءات لتبادل التجارب والخبرات وتعزيز تثمين المنتجات المحلية .
وأضافت أن هذه الجمعية التي تنشط في مجال دعم ومساندة التنظيمات الفلاحية تعمل بشراكة وتعاون مع العديد من الشركاء من أجل المساهمة في الحفاظ على الأمن الغذائي وحماية البيئة ومحاربة الفقر وخلق قيمة مضافة للقطاع الفلاحي بالجهة.

************

جرد موجز لأهم منجزات مخطط المغرب الأخضر

باعتباره استراتيجية طموحة لتنمية القطاع الفلاحي، أطلق مخطط المغرب الأخضر سنة 2008، ووقع التفكير في هذا المشروع على أساس أن تتمكن كل مجموعة من السكان القرويين، كيف ما كان عمرها وجنسها أو مكان وجودها، من أجل أن تجد لها مكانا وتصبح متحكمة في مصيرها لتضمن أخيرا هي بدورها تجديد القطاع ومستقبله.
فخلال الخمس سنوات الأولى التي شهدت تفعيل المخطط الأخضر المهيكل، أعطيت الأولوية للإنتاج بهدف الرفع من مردودية الزراعات المغربية واستقرارها، مع الحرص على الرفع من مداخيل الفاعلين الأكثر هشاشة عبر برامج إعادة تحويل الزراعات المنصوص عليها في الركيزة الثانية من المخطط.
والواقع أنه لا يمكن إلا التأكيد على أنه وفي منتصف تفعيله، تمكن مخطط المغرب الأخضر من خلق دينامية لا مثيل لها في القطاع الفلاحي، رافعا بذلك رتبة المملكة إلى ثالث مصدر للمنتجات الفلاحية ـ الغذائية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والرتبة الرابعة كأكبر مصدر للمنتجات الفلاحية ـ الغذائية بالقارة الإفريقية.
وشهدت شروط حياة ومداخيل الفلاحين بدورها تحسنا ملموسا تميز بتخفيض نسبة السكان الذين يعانون سوء التغذية، الذين مروا من 7.1 في المائة في 1990، إلى 4.9 في المائة في 2015.
هذا، مع الاختفاء شبه الكامل لنسبة السكان الذين يعانون الجوع في المناطق القروية، التي تراجعت بأربع نقاط لتمثل اليوم 0.5 في المائة، من السكان القرويين في مقابل 4.6 في المائة في 1990.
وعلى بعد خمس سنوات من انتهائه، يبدأ مخطط المغرب الأخضر اليوم مرحلة جديدة تهدف إلى ضمان استمرارية دينامية قوية وضخ نفس جديد في الفلاحة الوطنية.
وسيسمح الحرص على استراتيجية مخطط المغرب الأخضر بالنسبة لمغرب، بأن يرسي بشكل دائم فلاحة مستقبلية ترتكز على خمسة معايير رئيسية، ستسمح بنجاح الفلاحة المستقبلية والمساهمة بالتالي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة، وتتعلق هذه المعايير بجودة الأداء، والنزعة الإنسانية والإدماجية، والتنافسية الدولية، والاستمرارية وحماية البيئة، وتأسيس فلاحة ضامنة للوفرة الغذائية بأجود المنتوجات.
ومن شأن هذه الركائز الخمس أن تجعل فلاحة المستقبل فلاحة قادرة على أن تلعب دور المحرك والدعامة الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.

منجزات تشيد أسس فلاحة المستقبل

منذ الإعلان عن المخطط الأخضر، حقق المغرب منجزات مهمة في المجال الفلاحي، ودينامية لا مثيل لها في خلق القيمة المضافة للقطاع، حيث سجل معدل النمو السنوي ارتفاعا قدره زائد 7.6 في المائة، بالنسبة للفترة ما بين 2008 و2013، في مقابل معدل وسطي قدره زائد 4.4 في المائة بالنسبة لباقي الاقتصاد الوطني.
فقد أصبحت الفلاحة محرك التنمية الاقتصادية والاجتماعية بدينامية غير مسبوقة تعكسها نتائج منتصف مسار مخطط المغرب الأخضر، بناتج داخلي خام قدره 109.9 ملايير درهم برسم سنة 2013، حيث يلعب القطاع الفلاحي كامل دوره كمحرك للاقتصاد الوطني، مع مشاركة فعالة في الإدماج الاجتماعي للسكان القرويين في وضعية صعبة.
وتمكن أكثر من 500 ألف شخص من الاستفادة من المساعدات والمصاحبة في إطار إنعاش أوراش الركيزة الثانية من مخطط المغرب الأخضر التي تنص على تأسيس فلاحة تضامنية تدمج السكان القرويين، كما شهد الناتج الخام الفلاحي “لكل شخص” ارتفاعا قدره 48 في المائة في الوسط القروي.
يضاف لهذه النتائج الجاذبية الجديدة التي أصبحت منبعا للتنمية والاستثمار بفضل تضاعف الاستثمار الفلاحي بـ 1.7 في المائة ما بين 2008 و2014، وارتفاع الصادرات الفلاحية الغذائية بنسبة 34 في المائة منذ 2008.
كم ساهم مخطط المغرب الأخضر في تثبيت علامة المغرب الأخضر في مجال التصدير ما مكن المملكة حاليا من تبوء مرتبة أول مصدر عالمي لـ “الكبار” والفاصوليا الخضراء وزيوت أركان، وثالث مصدر عالمي لمعلبات الزيتون، ورابع مصدر عالمي للكليمونتين والطماطم.
ونجحت الفلاحة الوطنية، أيضا، بفضل مجهودات مخطط المغرب الأخضر، في التخفيض من تبعيتها وهشاشتها أمام التقلبات المناخية، خاصة عبر الرفع من الزراعات ذات القيمة المضافة العالية بنسبة 37 في المائة، وقيمة مضافة فلاحية مثالية مع ارتفاع قدره 3500.00 درهم للهكتار في ما يتعلق بالمساحات المسقية.

 سنة مفصلية

تتميز الأربعة أشهر الأولى من سنة 2017 بإطلاق مبادرات كبرى تتعلق بعصرنة القطاع الفلاحي بهدف تهيئ فلاحة الغد.
وستسمح هذه السنة المفصلية على الخصوص من تعزيز تدبير الموارد المائية والسقي، بتخصيص ما لا يقل عن 2.7 مليار درهم كاستثمار للحفاظ على الفرشة المائية لـ “شتوكة آيت باها”، كما سيستفيد أيضا 4800 فلاح من مخطط حماية أراضيهم السقوية في سهل “سايس”، بالإضافة إلى تحسين تتبع مسار المنتجات الفلاحية وجودتها وضمانها إذ سيستفيد 3 ملايين رأس من الأبقار والإبل من تتبع كامل لمسارها.

Related posts

Top