التبرع بالأعضاء بعد الوفاة.. إنقاذ حياة

إن أي إنسان يتمنى أن يعيش حياة هنيئة خالية من الأمراض العضوية أو النفسية، وخاصة الأمراض المزمنة التي تكون سببا لتعاسته طول حياته، وأمراض مزمنة أخرى تكون سببا في فقدان حياته ونهايته. إن الإنسان نظرا لتركيبته البنيوية معرض لا محالة للإصابة بمختلف الأمراض في هذه الحياة سواء لأسباب وراثية، أو بفعل التقدم في العمر أو التعرض لحادثة أو ما شابه ذلك… وهذا ما يحتم عليه الخضوع لخيار زراعة أحد الأعضاء وإيجاد متبرع بأعضائه للقيام بهذه العملية الإنسانية النبيلة.
ولإنقاذ أشخاص هم في أمس الحاجة إلى أعضاء حيوية لاستمرار حياتهم، ظهرت زراعة الأعضاء البشرية، وشهد مجال طب زراعة الأعضاء تطورا مذهلا منذ سنة 1990. ومن أشهر عمليات زراعة الأعضاء التي عرفت نجاحا كبيرا نجد عمليات زرع الكبد، عمليات نقل أنسجة الدماغ، زرع الكلي، القلب، الرئة والبنكرياس، وزرع قرنية العين… وكلها أعضاء حيوية تصاب بأمراض مميتة، ومزمنة تستدعي منح متبرعين أعضائهم سواء كانوا على قيد الحياة أو عند وفاتهم. ويعتبر هذا النوع من التبرع صدقة جارية تساهم بشكل كبير وفعال في منح فرصة حياة لشخص في أمس الحاجة إلى زرع أحد الأعضاء لضمان أداء الجسم لوظائفه بسلاسة.
واشتهرت ثقافة التبرع بالأعضاء في الغرب، وذلك منذ أن تبرع أخ لأخيه بكليته سنة 1954، واستمرت هذه الثقافة منتشرة في الدول الغربية إلى يومنا هذا، في قصص مؤثرة تتواتر يوميا على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ومنها مثلا قصة تلك السيدة التي تبلغ من العمر 85 عاما وبادرت في سنة 2014 إلى التبرع لشخص غريب في بريطانيا بكليتها.
بالمقابل لا تزال ثقافة التبرع بالأعضاء في الدول العربية بصفة عامة وفي المغرب بصفة خاصة محدودة الانتشار ونادرة التطبيق، وذلك نظرا لانتشار ثقافة تكريم الجسد وضرورة العناية به والحفاظ عليه، سواء في الحياة أو حتى بعد الممات، من البتر والتمثيل، استشهادا بالحديث النبوي الشريف: “إكرام الميت دفنه”.
إلا أن السنوات الأخيرة، عرفت ثقافة التبرع بالأعضاء ببلادنا تطورا إيجابيا ملحوظا وإن كان محتشما، بفضل حملات التوعية والتحسيس التي أكدت عدم تعارض فكرة التبرع بالأعضاء مع التوابث الدينية. وفي هذا لصدد، طفت على السطح بشمال المغرب، مؤخرا، وتحديدا بمدينة طنجة مبادرات عدة تزعمها الشباب بالأساس، من بينها مبادرة شابة ناشطة فايسبوكية تدعى يسرى الماموني التي أعلنت عن تبرعها بجميع أعضائها بعد وفاتها، مؤكدة أن حافزها القوي للتبرع بأعضائها لمن يحتاج، هو أداء واجب إنساني لإنقاذ حياة البشر.
كما أن الفكرة استحوذت على فكر كل من كوثر الحفيان، الفاعلة الجمعوية بمدينة طنجة، وعبد السلام بلمختار، الطبيب العام بنفس المدينة، وكلاهما اتخذا قرارهما النهائي عن قناعة واقتناع وعن وعي تام وإدراكا بالقيمة السامية لسلوك التبرع، بحيث تقدما بطلب تسجيل تبرعهما في المحكمة الابتدائية بطنجة. ويقول مضمون الطلب أنهما يتبرعان بجميع أعضائهما أثناء وفاتهما لكل شخص يستحق أحد أعضائهما لمنحه حياة جديدة.
ومن ثمة يمكن القول بأن التبرع بحد ذاته عطاء غير مشترط، وهو سلوك إنساني مجاني تطوعي عن اختيار مرتبط بمسؤولية المتبرع، ويكون هنا العطاء في صيغة إهداء حياة وتمديد أمد العيش في سبيل خدمة الحياة البشرية. ويكون تبرعا نبيلا يوحي بالتعاطف الإنساني والتضامن والوقوف في الشدة وعند الحاجة مع المرضى… هذا هو الاعتقاد السائد لدى أغلبية المتبرعين بالأعضاء بغض النظر عن كرامة الجسد الذي سيكون بعد الممات عرضة للتحلل في نهاية المطاف، وسينتهي وجبة لديدان وحشرات الأرض، في حين أن التبرع بأعضائه هو الذي يجسد تكريما حقيقيا بما أنه سيمكن من إنقاذ حياة شخص ما وسيعود بالنفع على البشرية.

> طنجة – إيمان الحفيان

Related posts

Top