التحدي الاجتماعي 

من المؤكد أن كل اتفاق اجتماعي وكل إجراء من شأنه التخفيف، ولو نسبيا، من حدة الظروف الاجتماعية لفئات واسعة من شعبنا، لا يمكن إلا الترحيب به، واعتباره مبدئيا خطوة إيجابية، وهو ما ينطبق على الاتفاق الثلاثي الذي جرى التوقيع عليه نهاية الأسبوع المنصرم بين الحكومة وأرباب العمل ومركزيات نقابية، ولكن، في نفس الوقت، لا يمكن القفز على كون ما تضمنته قائمة الإجراءات المتفق عليها كان هزيلا بالفعل، ولا يوازي حجم انتظارات الطبقة العاملة والموظفين والفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا.
هذه الخلاصة لم تسجلها فقط قوى المعارضة، ولكنها وردت في تصريحات وبلاغات المركزيات النقابية الموقعة على الاتفاق الثلاثي، وذلك يوما واحدا فقط بعد التقاط صور التوقيع.
لقد خلدت نقابة الاتحاد المغربي للشغل فاتح ماي تحت شعار: «أوقفوا مسلسل الهجوم على القدرة الشرائية للطبقة العاملة وعموم الجماهير الشعبية»، وسجلت أن الحكومة تقف موقف المتفرج أمام أثر ارتفاع أسعار المحروقات، ونددت بلهيب الأسعار الذي تعرفه المنتوجات الغذائية، وخصوصا الأساسية منها.
ولفتت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، من جهتها، إلى أن الوضع في المغرب يحتاج حوارا وطنيا شاملا واجتماعيا ومسؤولا وممأسسا ومستداما ومنتجا لتعاقدات اجتماعية تستجيب للمطالب العادلة والمشروعة للطبقة العاملة.
أما زعيم نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، وهو في نفس الوقت رئيس مجلس المستشارين، فلم يتردد في التوجه إلى أرباب العمل والباطرونا بالقول: «لي بغا سيدي علي بوغانم خاصو يبغيه بقلالشو».
وهذه النبرة الغاضبة أو الاحتجاحية، كما تضمنتها تصريحات وبلاغات المركزيات النقابية التي اتفقت مع الحكومة، تؤكد، بالفعل، أن ما أعلن عنه من نتائج  يعتبر هزيلا، ولن يساهم في تحسين الأوضاع الاجتماعية لشعبنا في المدى القريب.
لسنا هواة المصفوفات البلاغية الغارقة في العدمية والسواد، ولسنا سعاة تصيد الأخطاء لتسجيل الأهداف، ولكن الحرص على مصلحة شعبنا واستقرار بلادنا يفرض التأكيد على أن ما ينقص حكومتنا الحالية هو… «الجدية»، أي المعقول.
لقد واصلت الحكومة التفرج على معاناة شعبنا من الارتفاع الصاروخي لأسعار المحروقات وما ينتج عن ذلك من غلاء في مواد وخدمات أخرى، ولم تتدخل بحزم وصرامة ضد اللوبيات الانتفاعية على هذا الصعيد، ومن أجل تنفيذ إجراءات عملية وملموسة للتخفيف من حدة الغلاء.
حكومة «الكفاءات» عندنا لم تستطع إبداع أي إجراءات استباقية للتصدي لتردي الأوضاع المعيشية لفئات واسعة من شعبنا، ولم تدرك أن نجاح ورش الحماية الاجتماعية يفرض، قبل كل شيء، التغيير الجذري لمقاربتها بشأن المسألة الاجتماعية، أي اعتماد خطة استراتيجية شاملة والتقائية تضع الإنسان في قلب كامل الانشغال التنموي.
اليوم، بإمكان الحكومة إعمال بعض التدارك، وذلك من خلال بلورة ميثاق اجتماعي متقدم، ومعالجة ملفات عالقة في الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، وأيضا بلورة منظومة متكاملة وشجاعة لدعم المقاولات الوطنية الجادة بغاية صيانة مناصب الشغل وتحقيق الانتعاش والاستمرار، وتسريع دينامية إصلاح أنظمة التقاعد وواقع صناديق الضمان الاجتماعي ومشكلات الصحة العمومية، وكذلك، استثمار ما تم إقراره من مأسسة للحوار الاجتماعي بغاية تجويد الإجراءات المعلن عنها، وتجسيد احترام الحكومة وأرباب العمل لالتزاماتهم الموقع عليها، وبالتالي بناء دينامية تشاركية بين مختلف الفرقاء لتمتين الاستقرار الاجتماعي المنتج، والعمل بالتدريج لتطوير منجز الحكومة على الصعيد الاجتماعي لمصلحة شعبنا أولا.
بقي أن نشير إلى أن الاتفاق الثلاثي بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل، بقدر ما يعيد للواجهة موضوع المسألة الاجتماعية في بلادنا، وأهمية الانكباب على تحسين أوضاع شعبنا وظروفهم المعيشية، فهو، كذلك، يلفت انتباهنا إلى خفوت الصوت النقابي النضالي، وضعف مستويات التنقيب، بشكل عام، ومن ثم حاجة البلاد إلى مركزيات نقابية قوية ومناضلة وممتلكة للمصداقية والجاذبية، وهذا تحد جوهري مطروح على القيادات النقابية أولا، كما يطرح على الدولة من حيث أهمية احترام الحريات النقابية، وتفادي الاحتقان والتضييق، وبالتالي توسيع الانفتاح الديمقراطي والتعددية…
كل فاتح ماي وشعبنا مستمر في نضاله من أجل الديمقراطية والتقدم والمساواة والعدالة الاجتماعية.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top