التربية البيئية من أجل التنمية المستدامة في زمن كورونا

يحتفل العالم هذا الأسبوع باليوم العالمي للبيئة، مناسبة تحتضن احتفالاتها الرسمية دولة كولومبيا، وهي فرصة للدولة المضيفة لإبراز مجهوداتها المبذولة في مواجهة التحديات المناخية.
الاحتفالية التي تشرف عليها هيئة الأمم المتحدة منذ مؤتمر استوكهولم العالمي المنعقد عام 1972، والذي كان من أهم مخرجاته إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تعد حدثا عالميا بامتياز تستعرض فيه المنظمات البيئية الدولية حصيلتها وتقاريرها السنوية في مجالات التربية البيئية والتنمية المستدامة. كما تعتبر منصة لتتويج سفراء برامج التربية البيئية ورواد برامج الصحفيين الشباب من أجل البيئة، وموعدا تنظيميا لهيكلة حركة الشباب من أجل المناخ العالمية التي ستتخذ من المغرب البلد الرائد في تحدي التغيرات المناخية كمنطلق لها عبر ربوع العالم.
وتهدف التربية البيئية، باعتبارها أحد أهم مجالات اشتغال المنظمات البيئية، إلى إبراز أهمية الترابط بين القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإيكولوجية في كل من المناطق الحضرية والقروية، مع إعطاء كل فرد الفرصة لاكتساب المعرفة والإحساس بالقيم والمواقف والاهتمام النشيط والمهارات اللازمة لحماية البيئة وتحسينها وغرس أنماط جديدة من السلوك لدى الأفراد والجماعات والمجتمع ككل، مع التركيز على التوعية والمعرفة والكفاءة و المشاركة.
وفي عام 1976 حدد مؤتمر الأمم المتحدة في بلغراد الغاية من التربية البيئية في “تنمية سكان العالم الواعين والملتزمين بالبيئة وبالمشاكل المرتبطة بها مع المعرفة والمهارات والمواقف والدوافع والالتزام بالعمل بشكل فردي وجماعي لحل المشاكل الحالية ومنع المشاكل المستقبلية”.
وترجع نشأة التربية البيئية بشكل خاص إلى الحركات الكشفية والمنظمات البيئية الدولية التي تشتغل على حماية الطبيعة، والتي أدخلت عليها مفاهيم المعرفة والمحافظة على الأوساط الطبيعية، وكذا نشر الوعي المتزايد بتداعيات التأثير البشري السلبي على النظم البيئية.
في عام 1971، اختصر الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة مفهوم “التربية البيئية” في كونها “عملية للتعرف على القيم وتوضيح المفاهيم التي تطور المهارات والمواقف اللازمة لفهم وتقدير العلاقات بين الناس وثقافتهم وسياقاتهم البيولوجية والفيزيائية وتنطوي التربية البيئية أيضًا على صنع القرار والتدريب الذاتي فيما يتعلق بجودة البيئة”.
في عام 1987، وعلى هامش مؤتمر موسكو حددت اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إطارًا مرجعيًا للتربية والتكوين البيئيين، في أفق تدريب سكان العالم الذين يدركون ويهتمون بالبيئة والمشاكل ذات الصلة والذين سيكون لديهم المعرفة والمهارات والحالة الذهنية والدوافع والشعور بالالتزام الذي سيسمح لهم بالعمل بشكل فردي وبشكل جماعي لحل المشاكل الحالية ومنع ظهور مشاكل جديدة.
منذ عام 1977 والتربية البيئية قائمة على “تعليمات عامة بشأن تعليم التلاميذ في المسائل البيئية”، قبل أن يتم استبدال هذا المفهوم بالتربية البيئية الموجهة من منظور التنمية المستدامة: “إن التربية البيئة من أجل التنمية المستدامة تعالج القضايا البيئية من خلال دمج العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية و هي جزء من هدف الإدارة المعقدة للكوكب و هي تقدم نهجا نظاميا يتم على جميع المستويات “.
في فرنسا، ساهمت وزارة التربية الوطنية في خلق حجرات التربية الخضراء والتربية البيئية البحرية بالإضافة إلى خلق شعبة دراسية تهتم بحماية الطبيعة خلال فترة ظهور التربية البيئية بشكلها الرسمي، كما شهدت فترة الثمانينيات من القرن الماضي اتساعا في مجالات اهتمام التربية البيئية وتدخلها، ولا سيما بعد إنشاء الشبكات الوطنية لمنظمات حماية الطبيعة ثم بعدها الشبكات الإقليمية للمنظمات البيئية.
في فترة التسعينات ظهر مفهوم التنمية المستدامة، وأدخل مصطلح “التربية البيئية والتنمية المستدامة” في نصوص وزارة التربية الوطنية الفرنسية في عام 2004، فمنذ المؤتمر الوطني الأول حول التربية البيئية في مدينة ليل الفرنسية عام 2000 بقيادة التحالف الفرنسي للتربية البيئية من أجل التنمية المستدامة كانت هناك تعبئة متزايدة لمختلف الجهات الفاعلة.
أربع سنوات على لقاء مونتريال التاريخي للتربية البيئية والذي جمع العديد من منظمات المجتمع المدني والفاعلين في مجال التربية البيئية، التأم أزيد من 3000 مشارك من جميع الدول الفرنكفونية في مدينة رامبوييه الفرنسية شهر نونبر 2001 في منتدى فرنكفوني للتربية البيئية، حيث قال روبير ليتزلر الخبير الكندي في مجال التربية البيئية من أجل التنمية المستدامة والمنسق الدولي لشبكة مدارس بلانتير: “إن التربية البيئية من منظور التنمية المستدامة هو التعليم الذي يضع القيم أولا، يجب أن تميل التسلسلات التعليمية التي نضعها إلى جعل الناس يدركون أن الأرض خير مشترك يجب علينا الاهتمام به، وأن جميع البشر متحدون مع بعضهم البعض مع هذه الأرض ومع كل من يعيش على بسيطتها، يجب أن يؤدي هذا التعليم إلى الاستقلال الذاتي الذي يسمح لكل شخص بالتفكير والبت والتصرف من تلقاء نفسه، يجب أن تؤدي إلى المسؤولية التي تضعنا في العمل، ويجب أن تجعل جميع المواطنين يحملون القيم الديمقراطية ويتم تعبئتهم دائما من أجل تنفيذها”.
وتهم التربية من أجل التنمية المستدامة جميع الفئات بغض النظر عن أعمارهم وبلدهم الأصلي ووظيفتهم في المجتمع، إنها تربية نظامية رسمية وغير رسمية ولا تسعى لتشكيل النخب، ولا يخلق نهجها الاستبعاد بأي شكل من الأشكال بل يثري نفسه بالتنوع، تجعلنا نفهم أن كل فرد يؤثر على البيئة، ويهدف إلى اعتماد السلوكيات اليومية اللازمة للقضاء على الفقر ولحماية أو استعادة أو تحسين نوعية بيئتنا، والتي يتم اختيارها بحرية من قبل أكبر عدد من الرواد.
التربية البيئية من أجل التنمية المستدامة هي موجهة نحو العمل، فهي تجلب الأفراد والجماعات للمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية لأرضهم وللكوكب، التربية على التنمية المستدامة هي مدرسة المشاركة.
في عام 2013، تم نشر مفهوم “التربية البيئية من اجل التنمية المستدامة” على نطاق واسع عبر العالم بالتوازي مع انعقاد المؤتمر العالمي للتربية البيئية بمدينة مراكش في نسخته السابعة والذي أشرفت على تنظيمه مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، والتي تشرف على تنزيل التربية البيئية والتنمية المستدامة عبر عدة برامج تربوية مندمجة من أهمها برنامج المدارس الإيكولوجية وبرنامج الصحفيين الشباب من أجل البيئة وكذا برنامج شواطئ نظيفة…
وعلى الصعيد الوطني ومنذ سنة 2012 وبفضل شبكة مدارس بلانتير فرع المغرب تم تسجيل ما يفوق عن 220 مؤسسة تعليمية مغربية حيث تمت توأمة العشرات منها مع نظيراتها بالبلدان الفرنكفونية كان أهمها التوأمة مع المدارس الكندية والفرنسية وفق ميثاق الانخراط بالشبكة الذي ينبثق من الرؤية الشاملة للتربية البيئية والتنمية المستدامة، في أفق تقاسم الخبرات والتجارب بين الفاعلين الفرنكفونيين في مجال التربية والتكوين من جهة وكذا لتفعيل تبادل الزيارات بين المؤسسات التعليمية المتوأمة فيما بينها.
وبحلول عام 2030، حددت الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة 17 هدفا استراتيجيا من أهداف التنمية المستدامة: “من أجل الكوكب والناس والازدهار والسلام والشراكات”، من أجل توحيد مسار جميع الفاعلين والمتدخلين في مجال التربية البيئية والتنمية المستدامة في المجتمع.
وسيكون شهر شتنبر المقبل لحظة للتعبئة الجماعية للتغلب على تحديات التنمية المستدامة، ومناسبة للاحتفال بالذكرى الخامسة لاعتماد هيئة الأمم المتحدة لخطة 2015-2030 لأهداف التنمية المستدامة.
و نظرا للحالة الصحية العالمية والمرتبطة بـفيروس كورونا، تم تأجيل أسبوع التنمية المستدامة الأوروبي الذي كان من المقرر عقده في الفترة الممتدة ما بين 30 ماي و 5 يونيو 2020، وسوف يتم عقده بشكل استثنائي من 18 شتنبر إلى 8 أكتوبر 2020 مع تسليط الضوء على الحدث خلال الفترة الممتدة ما بين 20 و 26 شتنبر 2020، وتعتبر هذه فرصة كبرى لتبادل الخبرات و التجارب والإجراءات الملموسة والمفيدة فيما يتعلق بمستقبل مستدام على المستوى الدولي.
ويهدف أسبوع التنمية المستدامة الأوروبي إلى تعزيز التنمية المستدامة، وزيادة الوعي بالتحديات التي تواجهها لأكبر عدد ممكن من الناس وتسهيل التعبئة الملموسة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر لخطة 2030
و في مقابل ذلك واستجابة لأزمة كورونا، اجتمع ائتلاف دولي غير مسبوق لإطلاق “مدرسة الأرض” التي توفر محتوى تعليمي مجاني عالي الجودة لمساعدة التلاميذ وأولياء الأمور و نساء ورجال التربية والتكوين حول العالم خلال مكوثهم حاليا في البيوت بفضل الحجر الصحي المفروض بسبب فيروس كورونا. وتأخذ مدرسة الأرض، التي دشنها برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومبادرة HYPERLINK “https://ed.ted.com/””طيد للتربية” التلاميذ في “مغامرة” مدتها 30 يوما عبر عالم الطبيعة و بشكل افتراضي.
ويشتمل محتوى “مدرسة الأرض” المنظم على مقاطع فيديو ومواد قرائية وأنشطة التي ستتم ترجمتها إلى 10 لغات لمساعدة التلاميذ على فهم البيئة مع التفكير في دورهم من أجل حماية البيئة، هذه هي أكبر مبادرة تعليمية للتربية البيئية والتنمية المستدامة عبر الإنترنت في تاريخ برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة اليونسكو، يتأثر أكثر من 1.5 مليار متعلم من جراء إHYPERLINK “https://en.unesco.org/covid19/educationresponse”غلاق المدارس بسبب فيروس كورونا، حيث تسبب الوباء في أزمة صحية واقتصادية وتعليمية. ففي عصر القيود المادية والاجتماعية، هناك حاجة قوية لمحو الأمية العلوم العالمية.
ولهذا اجتمع برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومبادرة “طيد للتربية” بالتنسيق مع ثلاثين متعاونا، بما في ذلك قناة HYPERLINK “https://www.nationalgeographic.org/”ناشيونال جيوغرافيك ومنظمة صندوق حماية الطبيعة HYPERLINK “https://en.unesco.org/covid19/educationresponse”ومنظمة اليونسكو معاً لإطلاق “مدرسة الأرض” خلال أسبوعين فقط، وبناء عليه تم تصميم الموقع الشبكي للأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و18 عاما، ويمتد على مدار 30 يوما دراسيا في الفترة ما بين HYPERLINK “https://www.earthday.org/actions/create-your-own-act-of-green/”يوم الأرض العالمي  HYPERLINK “https://www.worldenvironmentday.global/”ويوم البيئة العالمي في 5 يونيو 2020، والذي سيقام هذا العام تحت شعار “وقت الطبيعة” وستحتضن احتفالاته الرسمية كولومبيا.
وتقدم مبادرة طيد للتربية دروسا مجانية قائمة على الفيديو حول كل شيء بدءا من HYPERLINK “https://ed.ted.com/lessons/can-wildlife-adapt-to-climate-change-erin-eastwood”الحيوانات وتغير المناخ وصولا إلىHYPERLINK “https://ed.ted.com/lessons/could-underwater-farms-help-fight-climate-change-ayana-elizabeth-johnson-and-megan-davis” المزارع تحت الماء، إنها الذراع التعليمي لـ”طيد”، الذي يضم مكتبة مكونة من الآلاف من الدروس التفاعلية التي أنشأتها شبكة تضم 500.000 معلم من جميع أنحاء العالم لجميع الأعمار والمواضيع.
ولقد تم اختيار كل مغامرة بعناية من قبل لجنة من الممارسين والخبراء التي تستهدف مختلف الفئات العمرية، ويتكون كل منها من تجربة عملية واكتشاف للطبيعة، بالإضافة إلى المحتوى الخاص بمبادرة طيد للتربية، ستعرض “مدرسة الأرض” مقاطع فيديو من مؤسسات إعلامية بارزة بما في ذلك قناة ناشيونال جيوغرافيك وقناة PBS وقناة BBC بهدف تمكين التلاميذ المشاركين من أن يكونوا سفراء المناخ لرعاية لكوكبنا.
“إن ملايير الأطفال لم يلتحقوا بالمدارس بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، ولكن التعلم لا يمكن أن يتوقف” كما قالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن، “لقد كشفت أزمة فيروس كورونا مدى الترابط العميق بين جميع أشكال الحياة على هذا الكوكب، ويسعدني كذلك قيام برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى جانب مبادرة طيد للتربية والمتعاونين الآخرين، بإطلاق مبادرة “مدرسة الأرض”، إن التعلم عن العالم الطبيعي سيكون حاسماً لبناء مستقبل أفضل ومستدام للجميع”.
وقالت فيكي فيليبس، نائبة الرئيس التنفيذي وكبيرة مسؤولي التعليم في HYPERLINK “https://www.nationalgeographic.org/education/classroom-resources/learn-at-home/”الجمعية الجغرافية الوطنية: “تسلط هذه الأوقات غير المسبوقة الضوء على مدى أهمية التواصل مع العالم الطبيعي وفهم العلوم”، و تضيف “يسعدنا أن نتكاثف مع المنظمات الموثوقة، مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة و”مبادرة طيد للتربية” لتنمية روح الاستكشاف وبناء التعاطف مع الأرض، بغض النظر عن مكان الطلاب في العالم – حتى لو كانوا من داخل منازلهم، من النافذة، أو في نزهة قصيرة في الحي الذي يقطنون فيه”.
وقال لوجان سمالي، المدير المؤسس لمبادرة الشباب والتعليم في “مبادرة طيد”: “على الرغم من بقائهم في منازلهم، إلا أن هذا المشروع يظهر أنه لا يزال بإمكان الطلاب وأولياء الأمور و أطر التربية و التكوين في جميع أنحاء العالم المشاركة في التعلم القائم على العلم والمغامرات معا، “مدرسة الأرض” هي تعاون بين العديد من المعلمين الموهوبين والشركاء المذهلين من جميع أنحاء العالم، وهذا هو السبب في شعورنا بالفخر والحماس لرؤية المبادرة التي تغذي الفضول العالمي للتلميذات و التلاميذ و الطلبة المقيمين في المنزل، وجميعهم هم الرعاة البيئيون المستقبليون لكوكبنا” ويضيف: “إن هذه المنصة هي بوابة لبعض الدروس الأكثر إلهاما حول الطبيعة والبيئة، وكل درس يأتي مع أنشطة عملية وممتعة يمكن للطلاب التفاعل معها ومشاركتها”.
و لقد تم تنسيق الدورات التكوينية عن بعد والدروس النظرية من قبل فريق من خبراء التربية البيئية من بينهم الدكتورة كاثلين أوشر، وجيسي أوليفر وجوليان فوس، الذين عملوا مع أكثر من مائة خبير مساهم في إنشاء منصة “مدرسة الأرض”، وتدعم المبادرة الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة وعقد التسليم وستساهم في  إنجاح رؤية و رسالة HYPERLINK “https://en.unesco.org/covid19/educationresponse/globalcoalition”تحالف التعليم العالمي الذي أطلقته اليونسكو شهر مارس الماضي لعقد الحكومات وشركاء التكنولوجيا والقادة في مجال التعليم للحفاظ على تعلم التلاميذ، وكجزء من هذا التحالف، سوف يستكشف برنامج الأمم المتحدة للبيئة كيف يمكن تعديل هذا المحتوى ومشاركته مع الأطفال الذين لا يستطيعون الوصول إلى الإنترنت.
عشرات الخبراء والاعلاميين وافقوا على دعم هذه المبادرة التربوية التي تحيي التربية البيئية و التنمية المستدامة في زمن كورونا حيث نجد من بين المتعاونين كلا من : قناة “بي بي سي”،  واتفاقيات بازل وروتردام واستكهولم ومنظمة حفظ الطبيعة الدولية، اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج الأمم المتحدة للبيئة، اليونسكو، الاتفاقية الاطار لهيئة الأمم المتحدة المتعلقة بتغير المناخ، منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، جامعة بنسلفانيا، الرابطة العالمية للمرشدات وفتيات الكشافة، المنظمة العالمية للحركة الكشفية، والصندوق العالمي للطبيعة…
ويعد برنامج الأمم المتحدة للبيئة الصوت العالمي الرائد في مجال البيئة، فهو يوفر القيادة ويشجع إقامة الشراكات في مجال حماية البيئة عن طريق إلهام وإعلام وتمكين الأمم والشعوب لتحسين ظروف عيشهم دون المساس بأجيال المستقبل.
المغرب وبرنامج
” ماما الطبيعة”

في المغرب تستمر مؤسسة زاكورة للتربية البيئية في تنزيل برنامجها الرائد بامتياز: “ماما الطبيعة” في إطار الشراكة التي تجمعها مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، عبر التنسيق مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين عبر الولوج للمنصة الرقمية الغنية بمجموعة من الموارد والمعارف التي تفيد التلميذات والتلاميذ وكذا الأطر التربوية في تكوينهم الافتراضي عن بعد، حيث يتسلم المنشطون التربويون حقيبة تربوية غنية بالوسائل اللازمة لتنشيط الورشات التكوينية لفائدة التلميذات والتلاميذ الذين يتوصلون بدبلوم “سفير المناخ” بعد استكمال جميع مراحل التكوين.
وفي هذا الإطار تنظم جمعية مغرب أصدقاء البيئة كذلك، عبر شبكة فروعها الوطنية، ورشات تكوينية عن بعد في زمن كورونا لفائدة تلميذات وتلاميذ المؤسسات الابتدائية حول برنامج التربية البيئية “ماما الطبيعة”، وذلك في إطار الشراكة المبرمة بين جمعية مغرب أصدقاء البيئة ومؤسسة زاكورة للتربية البيئية لضمان استمرار العملية التعليمية التعلمية في زمن الحجر الصحي الذي فرضته الأزمة الصحية لجائحة كورونا.
ويركز برنامج “ماما الطبيعة” على مواضيع بيئية هامة، منها التنوع البيولوجي والماء والطاقة وتدبير النفايات والمحافظة على البيئة، حيث تسعى الأنشطة المقترحة في هذا البرنامج إلى معرفة مكونات البيئة والعلاقات فيما بينها وأهمية كل مكون في النظم البيئية، وكذا معرفة الأخطار المحدقة بالبيئة وكيفية الحد منها أو تجنبها مع اتخاذ القرارات الصائبة على أساس المعرفة البيئية، مع تنمية السلوكيات السليمة اتجاه البيئة مع القيام بمبادرات إيجابية تجاه البيئة والعمل على نشر السلوك البيئي و المشاركة في مشاريع مجتمعية هادفة.
يرتكز برنامج التربية البيئية “ماما الطبيعة” على أنشطة معرفية استكشافية وتطبيقية لكي ينخرط فيها التلميذ بشكل موسع وينمي كفاياته من أجل التمكن من المقاربات والطرائق البيداغوجية الملائمة لتسيير أنشطة التربية البيئية مع إدماج تكنولوجيا المعلومات ولاتصالات في التربية البيئية وإنجاز سيناريوهات بيداغوجية لأنشطة التربية البيئية وإنجاز وتتبع مشاريع التربية البيئية.
وتأتي هذه المبادرات الافتراضية التربوية بامتياز في المغرب أو في فرنسا أو عبر ربوع العالم في هذه الأوقات الحرجة من انتشار الوباء، وقد أصابتنا التخمة من شتى المعلومات حول الفيروسات وطبيعة انتقالها وعدوانيتها اتجاهنا، وبالتالي التدابير التي كان ينبغي اتخاذها أو التي يجب اتخاذها من الآن فصاعدا للتعامل معها، كما يتيح هذا الوباء فرصة للتراجع والبدء في التفكير في قيمنا، وعمل أنظمتنا الاقتصادية والاجتماعية. عملية التفكير هذه يشاركنا فيها الفلاسفة وعلماء الاجتماع وعلماء النفس.
إنها ليست بالمسألة الجديدة، ولكنها تأخذ راحة خاصة في هذا الوقت من الأزمة الصحية، إنها تؤثر على علاقاتنا مع بقية العالم ويتم تجميعها في مفهوم موحد: “صحة واحدة” الذي يؤكد على حقيقة موحدة هي أن صحة الإنسان وصحة الحيوان وصحة النظام البيئي مهملة منذ فترة طويلة وترتبط فيما بينها ارتباطا وثيقا، من جهة أولى فلا جدوى من القضاء على البنغولين أو الخفافيش حيث تنتشر الفيروسات في هذه العائلة وفي جميع أشكال التنوع البيولوجي للثدييات المليئة بالناقلين الصحيين بما أن الحيوانات متورطة إلى حد كبير في ظهور أوبئة جديدة، فقد يميل المرء إلى التفكير في أن التنوع البيولوجي يمثل خطرا محتملا لأنه يضم العديد من مسببات الأمراض.
ومن جهة ثانية فظروف الصيد الجائر هي التي يجب استهدافها، وهذا يحيلنا إلى مسألة جد هامة حيث يعتبر البانجولين من أكثر الأنواع التي تتعرض للصيد الجائر، ويمنع تداولها بشكل صارم، ومع ذلك يتم حجز أكثر من 20 طنا كل عام في جميع أنحاء العالم، مما يبشر بإجمالي حركة المرور، ويوضح بشكل خاص سبب تهديد أنواع البنغولين، وما يحدث بالنسبة للبنغولين الماليزي، الذي يصنف بأنه مهدد بالانقراض.
إن معرفة وفهم تاريخ الأوبئة وآليات التطور، من الجزيء إلى النظم البيئية البشرية، مهم جدا لخدمة مجتمعاتنا من أجل مساعدتها أيضا على ضمان حمايتها تحسبا للأزمات التي لا تغادر الإنسانية أبدا، ولن تغادر أبدا، إلا من خلال تطبيق الأنظمة العلمية والطبية والتعليمية والاجتماعية والسياسية التي ستسمح بأفضل منفذ للخروج من الأزمة وأفضل توقع على المدى البعيد.
وفي الأخير يجب على الجميع رؤية نتائج أفعالهم السلبية على البيئة، وكذا قراءة واقتناص الفرص التي تفرضها البيئة أو تقدمها، على التوالي. والأكثر من ذلك، توفر الرؤية البيئية الأدوات ذات الصلة لأنها تسمح بالتفكير في التعقيد، والتفكير في المنطق النظامي والتطوري. ويبقى الدرس المستفاد من ذلك هو أننا أصبحنا نشكل بيئة لمسببات الأمراض لدينا، لذا يجب أن نفكر في أنفسنا على هذا النحو لعرقلة هذه المسببات حتى نتمكن من توقع ما سيكون الوباء التالي وتحديد زمان ومكان وقوعه.
نحن نعتمد كليا على الموارد الطبيعية للهواء والماء والغذاء والعديد من المنتجات مباشرة من الطبيعة وضرورية لبقائنا، لذا فإن التأثير المتزايد للبشر على النظم البيئية والحياة البرية والذي تعززه آثار تغير المناخ يزيد بشكل كبير من تعرضنا للمخاطر الصحية، فنحن نواجه الآن أزمة في النظام البيئي ووباء كورونا المستجد هو مثال على ذلك، لذلك من الضروري توفير حماية أفضل للمساحات الطبيعية البكر ووضع حد للاستهلاك والتجارة غير المشروعين للأنواع البرية واستعادة توازن النظم البيئية المتضررة ووقف تغير المناخ. و لن يتأتى هذا إلا بإدماج التربية البيئية و التنمية المستدامة في جميع أسلاك و مسارات التكوين التعليمي و الأكاديمي حفاظا على زرقة سماء كوكب الأرض. و لن يتأتى هذا إلا بتعزيز التجربة الغنية لشبكة مدارس “بلانتير المغرب” في توأمة المدارس المغربية عبر الانفتاح على العالم، تجربة تسمح للأطفال والشباب في المدارس والجامعات، من مختلف البلدان الفرنكفونية، بإقامة صداقات تواصلية فيما بينهم خصوصا في عصر غزارة وسائل التواصل الاجتماعي و عذوبة تقاسم المعلومة وليونتها، حيث يسهل بناء جسر بين القارات الخمس لتنمية مشاعر المشاركة والاحترام عبر الانتماء إلى مستقبل مشترك، تجربة جديدة لتقاسم الخبرات في مجال التربية البيئية والتربية على التغيرات المناخية، بقيادة حركة الشباب من أجل المناخ العالمية.

> محمد بنعبو (*)

(*) المنسق الوطني لشبكة مدارس “بلانتير المغرب”.

Related posts

Top