التزاحم مع الكتب

الكاتب الحقيقي، المسكون بهاجس الكتابة، حتى عندما لا تكون لديه رغبة في ذلك، يكتب، بدون أن يحتاج إلى التفكير كثيرا، هذا يحدث في الغالب حين الرغبة في كتابة نص إبداعي: قصيدة، قصة، رسالة بريدية.. على ذكر الرسالة البريدية، تجده لا يزال متشبثا بكتابتها على الورق وإرسالها في ظرف، يفضل أن يكون الظرف أصفر، لأن له جاذبية، له عتاقة.
حين يريد أن يكتب نصا إبداعيا، لا يواجه أي إشكال أو ما يسمى بعقدة البياض؛ إذ بمجرد ما يضع القلم على الورق، يشرع هذا الأخير في الركض بسرعة، مثل تلك السرعة التي تميز خيول السباق. في أحد الأيام، كان يشاهد في التلفزة سباق الخيل، وانتهى من الكتابة في الوقت ذاته الذي وصلت فيه الخيول إلى خط النهاية، لم تكن المسافة طويلة، ربما استغرقت خمس دقائق أو أقل بقليل، إذن سيكون قد كتب النص في هذه المدة بالذات.
هذا النص الذي كتبه على إيقاع سباق الخيل، لم يحتفظ به، قد يكون ضاع، قد يكون موجودا بين الأوراق المبعثرة في مكتبته، لم يحدث أن بحث عنه، هناك أشياء كثيرة يكتبها ولا يعود للبحث عنها، مع أنه لا يمكن له الاطمئنان عليها، ما دامت أنها لم تنشر بعد.
لا يذكر عنوان النص، رغم أنه هو من كتبه، كان قد وضع له عنوانا، هو متأكد من ذلك، لا يمكن له أن يقوم بإتمام نص ما بدون أن يضع له عنوانا، دائما يأتي العنوان أثناء الخوض في الكتابة، أحيانا يفكر فيه قبل أن يكون قد شرع في الكتابة أصلا، لكنه لا يضعه أبدا قبل أن يكون قد خط فقرة أو فقرتين على الأقل، سبق له أن جرب وضع العنوان قبل كل شيء، ولكنه أحس بنوع من الاحتباس.
العنوان هو سجن، المبدع يحتاج إلى الحرية دائما، ليست هناك أنواع كثيرة من الحرية، هناك حرية واحدة، هي الحرية.
عندما يقرر أن لا يكتب، فإن الكتابة تلح عليه للقيام بذلك، قد يشعر بوجع في الدماغ، الشيء الوحيد الذي يمكن أن يشكل بديلا للكتابة في هذه الحالة، هو القيام بجولة في سوق الكتب.
قال لأحد الكتبيين، وكان المكان الذي يعرض فيه الكتب ضيقا جدا:

– واش عرفت أشنو أفضل شيء في حانوتك؟

كان الكتبي المسكين يعتقد أنه سيذكر له أحد عناوين الكتب التي يعرضها، لكنه فاجأه بالقول إن أفضل ما لديه في الحانوت هو أن الزائر يجد نفسه يتزاحم مع الكتب، لطالما نتزاحم مع الناس في الشوارع وفي كل مكان، ولكن هذه هي الفرصة الوحيدة التي يتاح فيها للإنسان أن يتزاحم مع الكتب، ما أجمل التزاحم مع الكتب، يدفع الكتب بيده، بذراعه، يخشى سقوطها، يلتصق بها، يحاذيها، يقف أمامها، يدفعها، يمسكها.. هناك بعض الكتب معروضة على الأرض.. ولكن الشيء الذي لا يطاق هو دفع الكتب بالأرجل، الكتاب كائن حي، ليست الكتب الدينية والمقدسة هي وحدها ما لا يجب الدوس عليه بالأرجل، بل أي كتاب كيفما كان، علينا أن نعامله معاملة حسنة.

الوسوم , ,

Related posts

Top