التزام المغرب في مواجهة تحديات حرائق الغابات وتغير المناخ

أطلق قطاع المياه والغابات ومحاربة التصحر مؤخرا حملة وطنية للوقاية ومحاربة الحرائق بالغابات المغربية عبر تعبئة جميع الإمكانيات المادية والبشرية، حملة تهدف الى التنظيم المحكم خلال الموسم الصيفي، الذي يصنف ب” فترة المخاطر الكبرى”، من أجل رصد وتقليص عدد النقط التي تندلع بها الحرائق وتخفيض المساحات المتضررة منها واعتماد منهجيات التدخل حسب الظروف المناخية، حيث تم وضع تدابير جديدة لإدارة العمليات الرامية الى المحافظة على الغابات من الحرائق بناء على استغلال التجارب المكتسبة في هذا المجال، وتماشيا مع التحديات الراهنة.
ويعتبر التحسيس والتوعية عاملين أساسيين لمحاربة الحرائق. وفي هذا الإطار تم إطلاق برنامج تحسيسي حول مخاطر الحرائق عبر وسائل الاعلام، من أجل خلق دينامية كفيلة بتعزيز الوعي البيئي ومن أجل تبني المواطن لتدابير ومواقف بيئية ” مسؤولة” تجاه الغابة والمحافظة عليها من مختلف الكوارث خاصة الحرائق.
وتمثل النار الخطر الطبيعي الأول للغابات في دول حوض البحر الأبيض المتوسط عامة و بالمغرب خاصة، فهي تدمر الأشجار أكثر من أي كارثة طبيعية أخرى، وخلال العقدين الأخيرين انخفضت مساحة الغابات المحروقة بنسبة 13٪ بمعدل 2928 هكتار في السنة، ومع ذلك يصل عدد حرائق الغابات بحوض البحر الأبيض المتوسط إلى حوالي 50000 حريق في السنة، حصدت منها حوالي 841 هكتار عام 2018 من غابات المغرب.
ويعتبر المغرب أقل البلدان المتوسطية تأثرا بالحرائق في عام 2017 مقارنة بالبرتغال وإسبانيا وفرنسا والجزائر، حيث تضررت 2414 هكتارا من الغابات بسبب الحرائق بالمغرب مقابل تضرر 215000 هكتارا بالبرتغال، وتضرر 106000 هكتار من الغابات بإسبانيا و54000 هكتارا من الغابات بالجزائر و 11000 هكتارا من الغابات في فرنسا.
المركز الوطني لإدارة مخاطر المناخ الغابوية بالمغرب
يعتبر المركز الوطني لإدارة مخاطر المناخ الغابوية نموذجا قياسيا للتكيف مع تغير المناخ حيث يعتمد على ثلاث ركائز: نقل التكنولوجيا والتكيف وبناء القدرات، و هو تتويج لعملية طويلة تهدف إلى حماية النظم البيئية للغابات التي تخضع لضغوط هيكلية بسبب الأنشطة البشرية وخاصة تربية الحيوانات وكذلك التعديلات والتغيرات المرتبطة بشكل رئيسي بالمناخ.
ويهدف المركز الوطني لإدارة مخاطر المناخ الغابوية الذي تم تأسيسه عام 2016 إلى تطوير الخبرة الوطنية في إدارة مخاطر حرائق الغابات، هذا المركز الذي سيعزز الإطار المؤسساتي للتكيف مع تغير المناخ سيكون مسؤولا عن إنشاء برامج الوقاية والإشراف عليها ومراقبتها على المستوى الوطني ضد حرائق الغابات ومخاطر الصحة النباتية ومسؤولا كذلك عن تحسين فعالية وكفاءة عمليات التنسيق بين مختلف الشركاء من أجل الحصول على معلومات في الوقت الحقيقي حول الحرائق وصحة الغابات عبر آلية التنسيق مع الإدارات والمؤسسات المعنية مع إعطاء الأولوية لحوادث حرائق الغابات من أجل اتخاذ قرارات أفضل بشأن تعبئة الموارد الكافية وتخصيصها.
كما سيخصص المركز لتبادل الخبرات والتجارب ولنشر المعلومات بين الدول المتوسطية، حيث سبق للفريقين البرتغالي والتونسي زيارة المركز الوطني عام 2019 للاستفادة من الخبرة المغربية في مجال مكافحة الحريق خاصة بالنسبة لسيولة المعلومات والتنسيق الجيد بين المركز وموقع الحريق.
أسباب حرائق الغابات طبيعية و بشرية
وعلى عكس مناطق أخرى من العالم حيث تكون نسبة عالية من الحرائق ذات المصدر الطبيعي، يتميز حوض البحر الأبيض المتوسط بانتشار الحرائق التي من صنع الإنسان وتمثل الأسباب الطبيعية نسبا جد صغيرة، وتختلف الأسباب من بلد إلى آخر، حيث أن بعضها مرتبط بالمنشآت الثابتة كخطوط الكهرباء ومطارح النفايات متوسط المراقبة. والبعض الآخر مرتبط مباشرة بالأنشطة البشرية كأفران الفحم المعدلة بشكل سيئ والحرائق غير المتحكم فيها والمدخنين وحرائق المخيمات والحرائق التي ينتجها الرعاة، فالقائمة طويلة جدا ولا يمكن تلخيصها في حالات قليلة. ومع ذلك، يبدو أن هذه الحرائق غير المقصودة ترتبط ارتباطا مباشرا بالأنشطة الزراعية.
ومن المفارقات أن السبب الأساسي لحرائق الغابات يرتبط بارتفاع مستوى المعيشة، ففي دول غرب أوروبا أدى انتقال السكان من البوادي إلى المناطق الحضرية إلى تباطؤ كبير في معدل النمو السكاني وبالتالي التخلي عن الأراضي الصالحة للزراعة وفقدان الاهتمام بموارد الغابات كمصدر للطاقة، وقد أدى ذلك إلى الزيادة في هجرة السكان المسؤولين عن حماية الغابات.
كيفية التقليل من حرائق الغابات
إن معرفة أسباب حرائق الغابات شرط أساسي لتنفيذ الحلول المناسبة، وفي هذا الصدد تم تطوير تقنية جديدة في البرتغال بعد زيادة وقوع الحرائق حيث أنشأت السلطات البرتغالية ألوية بحث تتكون من حراس الغابات الذين كلفوا بتحديد أسباب كل حريق، وتم تطوير الأساليب العلمية للتحقيق تدريجيا. وفي غضون بضع سنوات انخفضت الحرائق غير المعروفة الأصل من 80 بالمائة إلى أقل من 20 بالمائة، حيث أشارت هذه التجربة كذلك إلى أن الغالبية العظمى من الحرائق ترجع إلى الإهمال.
واعتمدت جميع دول البحر الأبيض المتوسط ​​تقريبا تدابير لزيادة الوعي العام حول حرائق الغابات مع التركيز في جميع الحالات تقريبا، على الحرائق العرضية، حيث يعتبر السكان المستهدفين هم الجمهور البالغ في المناطق المعرضة للخطر، المقيمين أو السياح، وتخصص برامج محددة أيضا للشباب المتمدرس بالمؤسسات التعليمية.
ويتم استخدام جميع تقنيات الاتصال الجماهيري الحالية للوصول إلى عامة الناس: الإشهارات التلفزيونية والملصقات والإعلانات الإذاعية: في إسبانيا وفي المناطق القروية يتم تنظيم العروض المسرحية أيضا حول عواقب حرائق الغابات. وتطورت هذه الرسائل حيث كانت في البداية عبارة عن ملصقات مخيفة إلى حد ما، ثم تم التركيز على المخاطر البيئية للحرائق، في حين أصبحت الرسائل في الوقت الحالي أكثر فائدة في حالة نشوب حريق.
وتفرض معظم البلدان عقوبات متفاوتة وغالبا ما تكون أشد على الحرائق التي تسببها عمدا، بعض الدول مثل البرتغال شددت العقوبات بعد تعرضها لموجة من هجمات الحرق العمد للغابات، ومع ذلك يمكن ملاحظة أنه كلما كانت العقوبات التي ينص عليها القانون أثقل كلما كان من الصعب إثبات أنها عملية إحراق متعمدة، وكلما صعبت عن المحاكم عملية إدانة الحرائق.
ترقب أحوال الطقس
تستخدم التنبؤات الجوية لتعبئة الموارد الضرورية مسبقا في حالة نشوب حريق، من وجهة النظر هذه غالبا ما يستخدم نهج الولايات المتحدة الأمريكية كنموذج. كما بذلت البلدان جهودا كبيرة لتجهيز محطات مراقبة الطقس لتسجيل درجات الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح واتجاهها، وتستخدم العديد من البلدان أبراج المراقبة للمراقبة وتستخدم الطائرات الخاصة في كثير من البلدان لمراقبة المناطق الغابوية، وفي بعض الحالات يتم استكمال الفحص البصري بأنظمة الأشعة تحت الحمراء الآلية. ومن المثير للاهتمام ملاحظة أنه وفقا للإحصاءات، وعلى الرغم من جميع أنظمة المراقبة المعقدة، فإن أول من يبلغ عن الحرائق غالبا ما يكون من السكان المحليين.
وتتبع إدارة الغابات ضد الحرائق تقريبا نفس الاتجاهات في جميع أنحاء دول حوض البحر الأبيض المتوسط، ​​وتتجه نحو إنشاء الخنادق وفواصل الحرائق واحتياطات المياه، وغالبا ما تكون هذه الأعمال جزءا من مشاريع الإدارة اليومية، وتعتبر صيانة هذه الأنظمة قضية مهمة، ليس أقلها أنه غالبا ما يحدث أن السلطات التي أنشأت هذه الأنظمة وصيانتها ليست هي نفسها، ففي كثير من الأحيان لا تأخذ هذه البنيات التحتية التي يعود تصميمها في بعض الأحيان إلى عدة سنوات في الاعتبار وسائل التدخل الحديثة.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لا سيما في دول جنوب أوروبا، فإن هذه الظاهرة بعيدة عن الاستقرار، حيث أنها تبدو في ارتفاع في معظم بلدان الحوض الابيض المتوسط.
حرائق الغابات في زمن كورونا
في الوقت الذي ينشغل العالم بـفيروس كورونا المستجد عن حرائق الغابات، تلتهم النيران حوالي خمسة ملايين هكتار ونصف، وتتسبب فى انبعاث 182مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون بالتوازي مع ارتفاع درجة حرارة المنطقة القطبية مرتين أسرع وتسجيل 4000 حريق بالبرازيل فى النصف الأول من عام 2020.
وأصبحت حرائق الغابات من الجيل السادس هي “الوضع الطبيعى الجديد”، لأنها تحدث فى جميع أنحاء العالم وفى أماكن لا يمكن تصورها، وتتسبب فى تدمير النظم البيئية الفريدة ذات القيمة البيئية التى لا تحصى لصحة الكوكب بأكمله، مثل الأمازون، وكل هذا فى ظل انشغال العالم بوباء كورونا.
لقد أصبحت العديد من الدول غافلة عن دراما حرائق الغابات بسبب الانشغال بأزمة كورونا، فمنذ عدة سنوات مضت سجلت بالقطب الشمالي العديد من الحرائق، حيث تم تسجيل درجة حرارة قياسية تبلغ 38 درجة مئوية، وذلك بعد احتراق ملايين الهكتارات، ما تسبب فى انبعاث مئات ملايين الاطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوى، حيث تسخن المنطقة القطبية الشمالية مرتين أسرع من بقية الكوكب، ونتيجة لذلك تتولد حرائق شديدة الكثافة.
أدت حرائق الغابات عبر العالم إلى انبعاث 7800 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون عام 2019، وهو ما يعادل حوالي 25 ضعف إجمالى انبعاثات إسبانيا فى عام واحد، واتسم عام 2019 بنشاط استثنائي من حيث شدة الانبعاثات، وإن الجمع بين موجات الحرارة الطويلة والجفاف المتراكم والرطوبة المنخفضة جنبا إلى جنب مع النباتات الجافة جدا والغابات غير المدارة يولد حرائق أكثر سرعة وضراوة من أي وقت مضى.
 علاوة على ذلك، تم تمديد فترات الخطر -حالة حرائق غابات أستراليا لعام 2019 كنموذج- حيث بلغت “العواصف النارية” أكثر من 1000 درجة مئوية، ما أسفر عن مقتل العشرات من الأشخاص وأكثر من مليار حيوان. على العكس من ذلك فالحرائق فى غابات الأمازون أو إندونيسيا لها خلفية اجتماعية واقتصادية واضحة تتجلى في إزالة الغابات وأيضا يعتبر التغيير في استخدام الأراضي هو أصل هذه الحرائق، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى النظام الغذائي السائد وغير المستدام ما تسبب فى إزالة ثلاثة أرباع الغابات في العالم.
الأوبئة و حرائق الغابات
 كما أن هنالك علاقة مباشرة بين الحرائق وإزالة الغابات والأوبئة، حيث إن تدمير الغابات وخاصة الغابات الاستوائية منها مثل غابات الأمازون وإندونيسيا وحوض الكونغو، يجعل من الممكن للبشر أن يتواصلوا مباشرة مع مجموعات من الحيوانات البرية التى تحمل مسببات الأمراض، ولذلك اتفقت هيئة الأمم المتحدة والصندوق العالمي لحماية لطبيعة على مفهوم أن “الغابات المحمية جيدا تصبح أفضل لقاح ضد الأمراض الحيوانية المنشأ” مثل فيروس كورونا المستجد.
و يعتبر الحد من تغير المناخ أو التخفيف من حدته هو العلاج الوحيد لهذه الحالة الوبائية الطارئة العالمية والخطيرة، حيث يجب أن تركز سياسات مكافحة الحرائق على الوقاية الشاملة، لأن حرائق المستقبل يجب أن تعتمد على تدابير الوقاية التى يتم تطبيقها من الآن فصاعدا، ولذلك فمن الخطأ الاستمرار فى الاعتماد على سياسات الإطفاء التقليدية لإخماد الحرائق لأنها أثبتت عدم فعاليتها فى مواجهة الأحداث الكبيرة، فاليوم أصبحت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لمكافحة تغير المناخ العالمي والحد من إزالة الغابات وتدهور ها في المناطق الاستوائية خصوصا، وعبر العالم عموما.

< محمد بن عبو

Related posts

Top