التعاون الصيني العربي أمام اختبار تجاوز تأثيرات الوباء والتعافي الاقتصادي

يواجه التعاون الصيني العربي في الوقت الراهن اختبارا بالغ الصعوبة فرضه سياق تفشي وباء كوفيد-19، وما نتج عن اجراءات الحجر الصحي من تأثيرات طالت الأنشطة الاقتصادية والتبادلات التجارية والسياحية بين الجانبين، وكذا مشاريع مبادرة “الحزام والطريق” الصينية بالدول العربية، ما يفرض على الجانبين إيجاد السبل الكفيلة لرفع هذه التحديات وتحقيق الانتعاش الاقتصادي.
وكشفت أزمة الوباء عن الأساس المتين للعلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، وتجذر قيم التضامن والتعاون بين الجانبين، حيث أعربت البلدان العربية عن تضامنها مع الصين إبان تفشي فيروس كورونا بها في أواخر دجنبر الماضي، ولم تسارع إلى وقف رحلاتها الجوية معها، كما حرصت عدد من العواصم العربية على إرسال مساعدات طبية التي كانت الصين بحاجة إليها لمواجهة النقص الذي عانت منه في الأول.
وبالمثل حرصت الصين على دعم البلدان العربية لمكافحة تفشي الوباء عبر تقديم مساعدات طبية وتسهيل اقتناء مواد وأجهزة طبية من شركاتها بعد استعادة قدراتها في الإنتاج، وإرسال خبراء في مجال الصحة إلى مجموعة من الدول العربية، فضلا عن عقد عشرات اللقاءات عبر الفيديو لتقاسم المعلومات والتجارب التي راكمتها الصين بحكم أنها كانت أول بلد يشهد تفشي الوباء ويفرض إجراءات عزل غير مسبوقة، وأيضا كانت الأولى التي تمكنت من السيطرة على انتشار الفيروس واستئناف العمل والإنتاج.
وتأتي الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني- العربي، التي انطلقت اليوم الاثنين عبر الفيديو، بمشاركة وزراء خارجية الصين والدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، والأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، في ظرفية تسعى خلالها الصين والبلدان العربية إلى تجاوز تأثيرات الوباء وتسريع وتيرة التعافي الاقتصادي والبحث عن خطط وبرامج لتسهيل المبادلات التجارية ومواصلة مشاريع التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف.
وفي هذا الصدد، أبرزت وانغ جينيانغ الأستاذة الباحثة بمعهد دراسات غرب آسيا وافريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، أن انعقاد هذا الاجتماع الوزاري في هذه اللحظة له أهمية خاصة، حيث “تكافح شعوب الصين والعالم العربي ضد الجائحة بكل شجاعة، وتتكاتف وتتساند بروح الفريق الواحد”، مشيرة إلى أن الاجتماع سيسهم في تعزيز التعاون بين الجانبين في مجال مكافحة الفيروس، ومواصلة توطيد التضامن والتعاون لإقامة “مجتمع المستقبل المشترك للبشرية”.
وأضافت جينيانغ في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الصين والدول العربية تواجهان مسؤولية ملحة تتمثل في تحقيق الانتعاش الاقتصادي، وهو ما يتطلب إيجاد نقاط مشتركة للدفع بالتعاون، لافتة إلى أن التعاون الصيني العربي قد حقق نتائج ملموسة، حيث تم إقامة “شراكة استراتيجية” أو “شراكة استراتيجية شاملة” بين الصين و12 دولة عربية، وتوقيع مذكرات تفاهم بشأن الانضمام لمبادرة “الحزام والطريق” بين الصين و19 دولة عربية.
وأبرزت أن العالم العربي يحتل موقعا استراتيجيا ونقطة تقاطع بالنسبة لمبادرة “الحزام والطريق” التي لقيت ترحيبا من قبل الدول العربية منذ إطلاقها في 2013، مضيفة أن التعاون بين الصين والدول العربية أحرز نتائج مثمرة ما يمثل نموذجا للتعاون بين الصين والدول الأخرى.
وذكرت الباحثة أن الصين تعتبر ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية، فيما تعد هذه الأخيرة أكبر مصدر للنفط إلى الصين، مشيرة إلى أن التعاون بين الجانبين شهد توسعا ليطال مختلف المجالات الاقتصادية وحتى القطاعات الجديدة المتعلقة بالتكنولوجيا والابتكار، كالتعاون في مجال الفضاء بين الصين وبعض الدول العربية، وإقامة مختبر مشترك للطاقة القابلة للتجديد بين الصين ومصر، فضلا عن توقيع اتفاقيات في مجال الثقافة والسياحة، وإقامة المنتدى الصيني العربي الخاص بالصحة.
وبخصوص تأثير تصاعد التوترات بين الصين وبعض الدول الغربية على الشراكة الصينية العربية، قالت الباحثة الصينية “لا شك أن العلاقات بين الغرب والعالم العربي وثيقة لأسباب تاريخية ولحاجات الحاضر، لكن زيادة التبادلات المباشرة بين الصين والدول العربية، وتعمق التعارف والتفاهم، مكنت الشعوب العربية من الوقوف على نتائج التعاون مع الصين”، معتبرة أن “بعض الدول الغربية تقوم بالافتراء على الصين، لكن الكلمات الخاطئة لا تستطيع التأثير على العلاقات بين الصين والدول العربية، ونثق أن الشعوب العربية لها معرفة خاصة بالصين”.
وتراهن الصين على المشاريع المدرجة في إطار مبادرة “الحزام والطريق” لإعطاء دينامية جديدة لعلاقات التعاون مع شركائها وخاصة البلدان العربية. وتؤكد بكين أنه لم يتم إلغاء أي مشروع فى إطار المبادرة بسبب تفشى فيروس كورونا المستجد حول العالم، مشيرة فى الوقت نفسه إلى أن 20 في المائة فقط من هذه المشاريع تأثرت بشدة بسبب الفيروس.
وأوضح المدير العام لإدارة الشؤون الاقتصادية الدولية بوزارة الخارجية الصينية، وانغ شياو لونغ، في تصريحات صحفية مؤخرا، أنه تم إجراء مسح لبحث مدى تأثر مشاريع مبادرة “الحزام والطريق” بسبب تفشى كوفيد-19، وجاءت النتائج بأن 20 في المائة من هذه المشاريع تأثرت بشدة، وأن حوالى 40 في المائة من المشروعات تأثرت بشكل محدود، وأن ما بين 30 إلى 40 تأثرت بصورة محدودة للغاية.
وقال إن نتائج المسح كانت أفضل من المتوقع، مضيفا أن الصين لم تسمع عن إلغاء أي مشروعات كبرى في إطار المبادرة.
وأبرز المسؤول الصيني أن سبب التأثر الذى طال العمل بمشروعات المبادرة يعود إلى القيود المفروضة على السفر والتنقلات، ونقل السلع والبضائع، والتدابير الاحترازية المفروضة من جانب مختلف الدول بسبب فيروس كوفيد-19 ، معربا عن ثقته أنه مع تحسن الأوضاع المرتبطة بمكافحة الفيروس، ستعود المشاريع وسترتفع وتيرة تنفيذها.
وتتألف مبادرة “الحزام والطريق” من 2600 مشروع بتكلفة إجمالية تصل إلى 3,7 تريليون دولار، وتشارك فيها أكثر من 100 دولة بينها البلدان العربية، وتغطي المشاريع عدة مجالات منها البنيات التحتية والنقل والطاقة والتكنولوجيا.
وتجاوز حجم المبادلات التجارية بين الصين والدول العربية أكثر من 266 مليار دولار في عام 2019، بزيادة بلغت 9 في المائة على أساس سنوي، فيما وصل عدد السياح الصينيين الوافدين إلى الدول العربية إلى 4,53 مليون سائح بينما بلغ عدد السياح العرب القادمين إلى الصين 700 ألف سائح خلال نفس السنة.
وتأسس “منتدى التعاون الصيني- العربي”، الذي يعتبر أول إطار للتعاون المشترك بين الصين والدول العربية، في 30 يناير 2004، أثناء زيارة الرئيس الصيني السابق هو جين تاو إلى مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، حيث أعلن الأمين العام السابق للجامعة عمرو موسى، ووزير خارجية الصين السابق لي تشاو شينغ، “البيان المشترك” بشأن تأسيس هذا المنتدى بهدف تعزيز الحوار السياسي والنهوض بالتعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية وغيرها.

> خالد العيموني (و.م.ع)

Related posts

Top