التعليم الأولي.. دعامة أساسية لتقليص نسب الفشل الدراسي

جلالة الملك محمد السادس أهمية كبرى للتعليم الأولي، إذ يعتبره جلالته بمثابة الأساس الذي ينبغي أن ينطلق منه أي إصلاح للنظام التعليمي، اعتبارا للإمكانيات التي يوفرها للأطفال في اكتساب العديد من الكفاءات الذاتية والقدرات المعرفية.
وليست هذه العناية الملكية السامية إزاء قطاع التعليم وليدة اليوم، إذ شدد جلالته على أهميتها منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين. وهكذا فقد جدد جلالة الملك التأكيد في خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 2000 على” قرارنا السامي بإعلان العشرية القادمة عشرية خاصة بالتربية والتكوين وثاني أولوية وطنية بعد الوحدة الترابية”.
وتكرست هذه العناية الملكية أيضا بمناسبة إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في 18 ماي 2005 التي كانت تهدف أيضا إلى التصدي للعجز الاجتماعي الذي تعرفه الأحياء الحضرية الفقيرة والجماعات القروية الأشد خصاصا، وذلك عبر توسيع دائرة الولوج إلى التجهيزات والخدمات الاجتماعية الأساسية، لاسيما في مجال التعليم.
وبفضل أسلوبها التشاركي ومقاربتها المندمجة وحكامتها الجيدة استطاعت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تعتبر ورشا ملكيا هاما، إطلاق مجموعة من المشاريع التي تشجع على ولوج الأطفال للتعليم والنهوض بالتعليم الأولي، كما هو الشأن بالنسبة للمركز التربوي للتعليم الأولي الذي دشنه جلالة الملك في 23 شتنبر 2015 بحي بني مكادة بطنجة.
ويندرج هذا المركز التربوي للتعليم الأولي، ضمن مخطط واسع يشمل إحداث 23 مركزا تربويا للتعليم الأولي بمدينة طنجة لوحدها، وذلك على مستوى مقاطعات بني مكادة، وطنجة المدينة، ومغوغة، والسواني.
وتعيد المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الرامية إلى تعزيز المكاسب المسجلة منذ إطلاق المبادرة سنة 2005، توجيه برامجها حول النهوض بالرأسمال البشري، مخصصة برنامجها الرابع الذي يهم “الدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة”، لدعم تعميم التعليم الأولي لاسيما بالمناطق القروية المهمشة.
ويروم هذا البرنامج الرابع مواكبة الفرد منذ الطفولة وطيلة مراحل الحياة. ويساهم تأثير التعليم الأولي لاسيما على الهدر المدرسي، وولوج المدرسة الابتدائية والتحسين الشامل للمسار الدراسي، بشكل مثالي في تحسين المؤشر الوطني للرأسمال البشري، من خلال رفع متوسط مدة التمدرس، الذي يشكل جزء مهما في مؤشر الرأسمال البشري.
ولهذه الغاية، تقدم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية دعما للبرنامج الوطني لتعميم وتطوير التعليم الأولي الذي يروم تعميم هذا التعليم في أفق الدخول المدرسي لـ2027-2028، وذلك وفقا للاتفاقية الموقعة أمام جلالة الملك محمد السادس في 19 شتنبر 2018، بين وزارتي الداخلية والتربية الوطنية.
وهكذا تشارك المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إحداث العديد من وحدات التعليم الأولي، سواء على المستوى الحضري أو القروي، وتكوين وتأطير جمعيات على المستوى المحلي عبر مؤسسات شريكة، ووضع آليات لمتابعة وتقييم للجودة، وإرساء نموذج للتدبير والتمويل المستدام بتنسيق مع مختلف الفاعلين.
كما يتم يوميا بث برنامج تلفزي تعليمي لأطفال التعليم الأولي على القناة التلفزية الوطنية الرابعة (الثقافية). وينشط هذا البرنامج، الذي يعد ثمرة شراكة بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والمؤسسة المغربية للنهوض بالتعليم الأولي، مربون متخصصون في التعليم الأولي، بهدف ضمان الاستمرارية البيداغوجية وتوفير لحظات من الترفيه التعليمي للأطفال وأولياء أمورهم.
ويشكل تخليد اليوم العالمي للتعليم في 24 يناير الجاري، الذي سيحمل شعار “إنعاش وتحفيز التعليم من جديد لجيل كوفيد-19” مناسبة لتسليط الضوء على أهمية التعليم الأولي والجهود المبذولة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للنهوض بالتعليم وتحقيق المساواة بين الجنسين وكسر دائرة الفقر.
الرأسمال البشري
وفي إطار سعيها لبناء مستقبل يرقى إلى طموحات المواطنين، وضعت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية قضية التربية في صلب انشغالات مرحلتها الثالثة، والتي تولي مكانة متميزة للرأسمال البشري للأجيال الصاعدة.
فبالنظر إلى أهمية التعليم الأولي في تطوير المهارات الشخصية والمعرفية للفرد، وتقليص نسب الفشل الدراسي، وتشجيع التنشئة الاجتماعية للطفل فضلا عن النهوض بتمدرس الأطفال، جعلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من التربية أحد حقول تدخلها التي تكتسي أولوية ضمن مرحلتها الثالثة.
يطمح هذا البرنامج، المتعلق بالدفع بالتنمية البشرية للأجيال الصاعدة، على الخصوص، إلى تعزيز البنيات التحتية والخدمات التربوية الأساسية، وذلك أساسا بفضل النقل المدرسي، وتمكين الفئات المستهدفة من مواصلة المسار الدراسي في ظروف جيدة.
ومن بين المبادرات التي قامت بها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على مستوى جهة الرباط – سلا – القنيطرة خلال 2020، هناك عملية تسليم حافلات للنقل المدرسي لفائدة ست جماعات ترابية تابعة لعمالة الصخيرات-تمارة، في إطار برنامج مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة 2019.
هذه العملية اندرجت في إطار اتفاقية شراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية. وقد استفادت من هذه الحافلات الجماعات الترابية لكل من “الصباح”، و”الصخيرات”، و”عين عتيق”، و”مرس الخير”، و”المنزه”، و”أم عزة”.
كما تم في فبراير 2020، تسليم ما مجموعه 19 حافلة للنقل المدرسي لعدد من الجماعات القروية بإقليم القنيطرة، استفادت منها كل من جماعات وادي المخازن وبني مالك وعرباوة وقرية بن عودة وسيدي الطيبي وسيدي علال التازي وسوق الثلاثاء الغرب وسيدي محمد لحمر وبحارة ولاد عياد وسيدي بوبكر الحاج والشوافع ولالة ميمونة والمناصرة والمكرن وسيدي محمد بن منصور وولاد سلامة وعامر السفلية.
من جانب آخر، ودائما في سياق تنفيذ مرحلتها الثالثة، أطلقت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في نونبر الماضي، مشاريع تروم دعم التعليم الأولي بالوسط القروي بإقليم سيدي قاسم. وتم، في هذا الصدد، توفير أربع حافلات مدرسية لفائدة جماعات تكنة وبني وال وسيدي أحمد بن عيسى وارميلات، بهدف محاربة الهدر المدرسي بالمناطق القروية. وقد تطلب اقتناء هذه الحافلات الأربع غلافا ماليا ناهز مليوني درهم.
كما تم، بالمناسبة، تدشين وحدتين للتعليم الأولي على مستوى تعاونية الفلاح بجماعة الشبانات ودوار سيدي محمد الشلح (جماعة سلفات) نواحي سيدي قاسم. ويهدف هذا المشروع الذي يمتد على مدى أربع سنوات (2019-2023)، إلى إنجاز أزيد من 270 وحدة لمرحلة التعليم الأولي.
مجموع هذه المنجزات التي تقوم بها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تندرج في سياق الأهداف المحددة في إطار اليوم الدولي للتربية، الذي يتم الاحتفاء به هذه السنة تحت شعار “إنعاش التعليم وتنشيطه لدى جيل جائحة “كوفيد-19”. ويهدف هذا اليوم الدولي، الذي يتم تخليده في 24 يناير من كل سنة، إلى تعزيز التعليم عبر العالم والتوعية بالدور الذي يضطلع به في تحقيق السلام والتنمية.
يشار إلى أن المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تمتد للفترة ما بين 2019 و2023 بمبلغ إجمالي يناهز 18 مليار درهم، تروم تعزيز المكتسبات المحققة خلال المرحلتين السابقتين من المبادرة، والدفع بالتنمية البشرية للأجيال الصاعدة، ودعم الفئات في وضعية هشاشة.
ويطمح البرنامج الرابع ضمن هذه المرحلة إلى تعميم التعليم الأولي في المناطق القروية والنائية، وتشجيع النجاح الدراسي ومكافحة أبرز أسباب الفشل الدراسي.
ففي ما يتعلق بتعميم التعليم الأولي في المناطق القروية والنائية، عرفت سنة 2019 إحداث 1217 وحدة للتعليم الأولي (تم استكمال الأشغال بنسبة 100 بالمائة في 2019)، استفاد منها أزيد من 33 ألف طفل يؤطرهم 1780 من المربين والمربيات.
أما في إطار المحور المتعلق بتشجيع النجاح الدراسي ومكافحة أبرز أسباب الهدر المدرسي، شهدت سنة 2019 بناء وتأهيل 126 من دور الطالب والطالبة لفائدة 8300 من التلاميذ، واقتناء 400 حافلة لدعم النقل المدرسي لفائدة 21 ألف و700 من التلاميذ، وتوزيع 4.5 مليون حقيبة في إطار المبادرة الملكية (مليون محفظة) برسم السنة الدراسية 2019 – 2020.

Related posts

Top