التعليم بالتناوب: بين تحقيق السلامة الصحية وهدر زمن التعلم

يعتبر التعليم بالتناوب أو ما عرف تحديدا بنمط التعليم بالتناوب أكبر مستجد شهده الموسم الدراسي 2020/2021 جراء الخوف من تفشي وباء covid-19 في الوسط المدرسي ومنه داخل فئات عريضة من المجتمع المغربي، وهو شكل أو تنظيم زمني لتنفيذ المنهاج الدراسي الرسمي يعتمد التدريس في جماعات صغيرة لا تصل إلى 20 فردا من خلال اعتماد نظام التفويج في كل فصل دراسي يتجاوز هذا العدد ولو بفردين أو ثلاثة، أو لكل فصل دراسي يشتغل أو يتعلم داخل حجرة دراسية لا يمكن معها تحقيق التباعد الجسدي المفروض في الإجراءات الاحترازية للتصدي لهذا الوباء. كما أن هذا النمط التربوي شكل من الأشكال التنفيذية للعمليات الإجرائية الرامية إلى تحقيق الوظائف الأساسية للمدرسة، يقوم على تقسيم الحصة الزمنية الأسبوعية، التي ينص عليها القانون وكل التدابير البيداغوجية والديداكتيكية المرافقة لتنزيل المنهاج الدراسي الرسمي، بنسبة %50 بين التعلم داخل أسوار المدرسة وتعليم أقصى ما قيل عنه أنه ذاتي أو خارج المؤسسة التعليمية، حيث لا يمكن بأي شكل من الأشكال تتبعه أو مراقبة محتوياته أو التحكم في إمكانيات وجوده لعدة أسباب أهمها غياب الوسائل التقنية الميسرة ثم افتقار العنصر البشري للقدرة (التكوين-التحفيز-الرغبة والدافعية) على مواكبة هذا الصنف من التعلمات من حيث المضمون والمحتوى ثم الوسائل والتقويم.
وبالرجوع إلى تنظيم الموسم الدراسي الحالي، من خلال المذكرة الوزارية رقم 39 الصادرة بتاريخ 28 غشت 2020 ولاسيما الملحق رقم 1 بمثابة إطار وطني مرجعي للنمط التربوي القائم على التناوب بين “التعليم الحضوري” و”التعلم الذاتي”، نجده يضع ضمن أهدافه توحيد الرؤى بين جميع المتدخلين في عملية التدريس بالتناوب، “حضوريا” أو في إطار التعلم الذاتي، بعيدا عن القرارات العشوائية المتعددة ثم اعتماد نفس المرجعيات من طرف كافة المساهمين وخصوصا المعنيين بعملية التدريس بالتناوب وفق إطار تعاقدي مضبوط لضمان تكافؤ الفرص بين مختلف المتعلمين المغاربة. كما يقدم هذا الإطار التعليم بالتناوب على أنه عمليات تدريس تقوم على التناوب بين الحضور إلى المؤسسة التعليمية والتعلم الذاتي بالبيت بنسبة نصف الحصة الأسبوعية اللازمة للتعلم حسب الإمكانيات المتاحة لكل مؤسسة ثم المرافق والتجهيزات المتوفرة، أخذا بعين الاعتبار خصوصيات المنطقة أو الإقليم أو الجهة المحتضنة لهذه المؤسسة. فمن خلال التعريف الأخير نلاحظ وجود اعتراف ضمني للوزارة الوصية على القطاع بوجود تباين كبير بين المؤسسات التعليمية في مستلزمات إنجاح هذا النمط التربوي، بل بين جهات ومناطق متعددة تعاني من الهشاشة والفقر ناهيك عن انعدام شبكة الهاتف أحيانا ثم الكهرباء والأنترنيت. وهذا في حد ذاته يضرب في مقتل الهدف الأكبر للنظام التعليمي المغربي وشعارات المواسم الدراسية الأخيرة الخاصة بإرساء مدرسة منصفة مواطنة ودامجة بشكل يوفر فرصة التعلم لكل طفل مغربي في ظروف مساعدة على تحقيق ارتقائه المعرفي والاجتماعي. فبالرغم من كون كل المتدخلين في الشأن التربوي على علم تام بكون الإمكانيات التقنية واللوجستيكية المتطورة تلعب دورا هاما في مواكبة وإرساء قاعدة أولية للتعلم الذاتي، وبكون هذه التقنيات والوسائل تنعدم لدى غالبية المتعلمين المغاربة، فقد تم اعتماد هذا النمط الذي سيشكل امتيازا كبيرا لمدارس النخبة ليس لكونها تشتغل بالتناوب بين الحضور والتعلم الذاتي فحسب، ولكن لكونها ستتمكن من إنهاء المقررات الدراسية أو بلوغ نسبة مهمة لن تستطيع المدارس العمومية بلوغها، ثم لقدرتها على إرساء نظام تربوي قادر على تنفيذ المنهاج والمقرر الدراسي بشكل عاد جدا يستفيد المتعلم من أغلب الحصص بموجبه حضوريا والباقي من خلال تعليم إلكتروني تزامني باستخدام منصات إلكترونية معدة ومهيئة بعناية. لهذا كان من الأجدر والأكثر نجاعة التوفيق بين عدم حضور المتعلم لجميع الحصص تفاديا لتفشي الوباء وضمان تعلم منصف لكل الأطفال المغاربة من خلال:
> الاستفادة من تجارب مدارس النخبة وخصوصا المنصات الإلكترونية وتوفير وسيلة مناسبة لكل طفل مغربي بدل تسخير كل الإمكانيات المادية لاقتناء المعقمات وأدوات التشوير التي أثبت الزمن وتطورات الوباء انعدام الجدوى من استخدامها.
> اعتماد حصة المواد الأساسية والأداتية وحصة المواد التكميلية ومواد التفتح التي يمكن التصرف في أحيازها الزمنية حسب الشعب والمسالك في التعليم التأهيلي، وحسب الأوزان والمعاملات في السلك الإعدادي، ثم التعلمات الأساسية والثانوية في التعليم الابتدائي.
> الانفتاح على الممارسين الميدانيين بالدرجة الأولى لبلورة إمكانيات وصياغة سيناريوهات تنفيذ المنهاج الدراسي حسب الخصوصية الجهوية والإقليمية وحسب تطورات الوباء في كل منطقة بدل إقرار نمط عمودي لا يراعي المعطيات الزمانية والمكانية المحلية وإثقاله بمعايير غالبا ما تكون مجحفة في حق أبناء الطبقة الكادحة.
فواقع الحال يؤكد بالملموس وجود تدريس حضوري لنصف الحيز الزمني المنصوص عليه في المنهاج الدراسي الرسمي، ولا وجود لأي تناوب على أرض الواقع مع تعليم أو تعلم آخر يستفيد منه المتعلم المغربي باستثناء مدارس النخبة التي تزاوج بين تعليم حضوري وآخر إلكتروني وليس ذاتي بنسب ترجح الحضوري عن الإلكتروني بشكل يتجاوز النصف في غالب الأحيان، وفي هذه الحالة لا يمكن اعتباره تناوبا لكون الحصص تنفذ بشكل مسترسل ولا يتم إعادتها حسب نظام الأفواج الذي يعتبر الغرض من اعتماده أساسا هو تفادي جمع أكثر من 20 متعلم داخل نفس الحجرة الدراسية فقط.
ونظرا لكون الهدف الأسمى من اعتماد الوزارة الوصية للتدريس بالتناوب هو تحقيق السلامة الصحية الفردية والجماعية، فمن اللازم الوقوف عند الدلالة المفاهيمية للصحة والسلامة أولا. فيمكن تحديد هذا المفهوم بداية بكونه حالة تمتع الإنسان بجميع العمليات الحيوية لوظائفه الجسمية مع كل ما يتطلبه عمل أعضاء الجسم من طاقة وعزم وقوة واستمتاع بالحياة والرفاهية العالية، كما لا يمكن إغفال كل الجوانب الخاصة بالصحة الجيدة والمتمثلة في الجانب الحسي والحركي والنفسي والروحي من خلال توفير عناصر محددة نجملها في تغذية متوازنة ورياضة ونوم وراحة ثم النظافة اللازمة للوقاية من الأمراض والتعفنات والأوبئة. فمن خلال التعريف السابق يمكن الخلوص لكون كل الأطفال أو على الأقل جل أطفالنا هم خارج دائرة الصحة والسلامة كما تحددها المنظمات الدولية المتخصصة لانخفاض منسوب المتعة والاستمتاع بالحياة والرفاهية في أحسن الأحوال. ورغم ذلك سنبقى في ارتباط وثيق بإقرار نمط التدريس بالتناوب ومختلف الإجراءات الاحترازية المعمول بها في ظل انتشار الوباء، لنثير الانتباه إلى كون اليوم المخصص لما عرف بالتعلم الذاتي في التدابير الوزارية، هو بمثابة يوم عطلة لدى المتعلمين المغاربة في المدارس العمومية خصوصا، ولدى معظم الآباء أيضا، ليتم استغلاله غالبا في اللعب ومجالسة الأقران خارج البيت، وخير دليل على ذلك هو ما باتت تعرفه الملاعب والساحات من نشاط رياضي وترفيهي خلال أوقات الدوام المدرسي. ثم اصطحاب الآباء لأبنائهم في نزهات وخرجات ثم أحيانا سفر وتنقل بين مدن متقاربة، خصوصا مع تراجع المطالبة بتراخيص التنقل على مستوى السدود الأمنية القارة، خلال أيام الأسبوع المختلفة بدل الاعتماد على نهاية الأسبوع فقط. فمن خلال ما نعيشه اليوم من تراجع الالتزام الصارم بالتدابير الاحترازية على علتها، أصبحت المدرسة بشكل خاص غير قادرة بمفردها على تحقيق السلامة الصحية، بل لا يمكنها حتى المساهمة في تحقيقها، ومنه فالتضحية بنصف الغلاف الزمني الخاص بالتعلمات يعد هدرا فقط للفرص المتاحة لمتعلمي المدارس العمومية في التعلم أولا وتحقيق الارتقاء المعرفي والاجتماعي إسوة بباقي المتعلمين في مدارس النخبة والمؤسسات الخاصة ذات الإمكانيات والبعثات الأجنبية في مرتبة ثانية.
فإذا كان إقرار نمط التدريس بالتناوب غير قادر على المساهمة في حفظ الصحة الفردية والجماعية للمتعلمين المغاربة، ولم تستطع الوزارة الوصية على القطاع توفير مستلزمات تنفيذه بالشكل المنصف للجميع والمحافظ على مكتسبات المؤسسات التعليمية من جهة ومن جهة أخرى مراعاة مكانة المتعلمين المغاربة في مؤسسات التعليم الجامعي الدولي ومؤسسات تكوين الأطر الوطنية والدولية. فلماذا الاستمرار في التشبث به لما يفوق نصف الموسم الدراسي الحالي؟ مع الأخذ بعين الاعتبار كون الوزارة لم تتخذ أية خطوة تسير في اتجاه التعديل أو ملائمة المنهاج الدراسي الحالي والمدة الزمنية المتاحة برسم هذا النمط التربوي، وهذا يشكل في حد ذاته هدرا كبيرا لزمن تعلمات يعد المتعلم المغربي في أمس الحاجة إليها لمجاراة الركب التعليمي الدولي والانخراط في اكتساب المهارات الأساسية للقرن الواحد والعشرين لتحقيق أهداف التنمية الشاملة.

بقلم: سعيد اخيطوش

Related posts

Top