التعليم وتحدي إنجاز الامتحانات…

تنظيم امتحانات الباكالوريا هذه السنة لم يكن عاديا أو تتويجا لموسم دراسي عادي، ولكن، على غرار السنة المنصرمة، جرى هذا الموعد الهام ضمن سياق تداعيات جائحة»كوفيد-19»، ما جعل النجاح في تنفيذه يعتبر تحديا حقيقيا للبلاد.
عدد منا ينسى هذه الطبيعة الاستثنائية، وأيضا الجدل الذي كان جرى في مختلف الأوساط العام الماضي، وكل هذا يجب أن نستحضره اليوم، ونسجل أن بلادنا، وبرغم كل الصعوبات والملاحظات، نجحت فعلا في ضمان استقرار المنظومة التعليمية الوطنية بشكل عام، وإنجاز مختلف الامتحانات الإشهادية، وأيضا استكمال المقررات، وهو ما تستحق الأطقم التربوية والإدارية وسلطات التربية والتعليم التنويه عليه، وبالتالي تثمين كامل هذا الجهد غير الهين.
لا يعني ما سبق أن الحالة وردية بالكامل، أو أن نظامنا التربوي لا يخلو من معضلات، ولكن نقصد هنا فقط أن السياق المجتمعي والعالمي الاستثنائي لم يقد إلى انهيار تام في المنظومة التعليمية أو في آلية الامتحانات، واستطاعت بلادنا تدبير هذه الظرفية القاسية بنجاح، ولم تفرط، في الآن نفسه، في التدابير الاحترازية والإجراءات التنظيمية الضرورية لتوفير كل شروط السلامة الصحية للتلاميذ والمدرسين، ولكل المتدخلين الآخرين في العملية التعليمية.
لم يكن هذا التحدي سهلا، ويمكن أن نستعرض كل المقارنات المتاحة اليوم عبر العالم، لندرك حجم الجهد المهني والتأطيري الذي بذل من لدن مصالح التربية والتعليم، وباقي الأجهزة ذات الصِّلة.
لا شك أن تدبير الامتحانات والعملية التدريسية ككل ضمن وضعية استثنائية، تقدم لنا كلنا دروسا جوهرية يجب الوقوف عندها لصياغة مداخل لمستقبل تعليمنا.
وبالإضافة إلى استثمار التقنيات الرقمية وتكنولوجيا التواصل، وتطوير تكوين المدرسين وكل المتدخلين، وأيضا تطوير المقررات والمناهج والأهداف، هناك أيضا تحدي ربط التعليم بالمجتمع وبتطلعاته التنموية، وتقوية إسهام المدرسة في الارتقاء الاجتماعي وتحقيق  المساواة وتكافؤ الفرص والانسجام الوطني وبناء الإنسان.
هي أسئلة إستراتيجية لا بد من الإنكباب عليها هنا والآن، وصياغة مداخل عملية وناجعة للجواب عليها، علاوة على أن»الباكالوريا»، باعتبارها شهادة وطنية تمثل منعطفا هاما في المسار  الدراسي والشخصي للتلميذات والتلاميذ، يجب أن تفتح أمامهم أفاق محفزة لمواصلة التحصيل العلمي ولتطوير المعارف والمهارات، كما أنها يجب أن تكتسب المصداقية العلمية والوطنية الضرورية، وأن تعكس المستوى العلمي والثقافي والمعرفي اللازم اليوم للنهوض بالمنظومة العامة لتعليمنا وتأهيلها لتحتضن انتظارات وتطلعات مجتمعنا وشعبنا من أجل التنمية والديمقراطية والتقدم والانفتاح.
إننا فعلا عندما نضع شهادة»الباكالوريا»ضمن هذا السقف الحاضن لتطلعات بلادنا، وعندما نسجل الجهد المهني والتأطيري الذي بذل هذه السنة، على غرار سابقتها، لتنفيذ الامتحانات المقررة، فإننا نأسف لما أقدمت بعض المواقع الإلكترونية العشوائية على الترويج له في الفترة الأخيرة، والسلوكات المستهترة واللاواعية المروجة للغش في الامتحان والتشجيع عليه والتطبيع معه، ونأسف أيضا للتركيز الباتولوجي على عينة من الفتيان يدافعون عن»حقهم»في الغش، ويعبرون عن مستويات معرفية لا تمثل كل التلميذات والتلاميذ المغاربة…
الأهم في هذه الفترة، أن بلادنا نجحت في تحدي تنظيم الامتحانات وإنجاز الموسم الدراسي وإكماله، وذلك بالرغم من الظرفية الوبائية الصعبة، والمطلوب اليوم استثمار كل دروس زمن الجائحة، والإنكباب على المعضلات الجوهرية والكبرى لمنظومتنا التعليمية والسعي لمعالجتها، والحرص على تثمين النجاح والتميز، والتحفيز على قيم العمل والجهد والمصداقية.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top