“التعويم” يغضب الجواهري

بنبرة حادة تحدث عبد اللطيف الجواهري، عن النقاش الذي صاحب إقرار المغرب لإصلاح نظام الصرف، وقال الجواهري إن الحديث عن التعويم الذي ملاء فضاءات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الاعلام، أمر غير دقيق على اعتبار أنه لا وجود لشيء اسمه التعويم، والمغرب لم يقم به وإنما قام ب ” تليين الدرهم”. وشدد الجواهري، الذي كان يتحدث في ندوة صحفية مشتركة بين بنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية أول أمس الخميس بمقر بنك المغرب بالرباط، على ضرورة تدقيق المصطلحات، حتى تكون الصورة واضحة لدى الرأي العام.
وخلال الندوة الصحفية، تحدث محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية وعبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب، بخطاب يحمل تطمينا كبيرا، حيث أكدا على أن التأثيرات المرتقبة متحكم فيها، وأن الاصلاح له ايجابيات كثيرة على الاقتصاد الوطني حيث سيعزز قدرته على امتصاص الصدمات الخارجية، كما أنه سينعكس ايجابا على النمو الاقتصادي. وقبيل هذا اللقاء، خرج أحمد لحليمي المندوب السامي في مقابلة مع وكالة رويترز، يحذر فيها من التأثيرات السلبية لهذا الاصلاح، حيث أكد أنه سيؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي إلى 2.8 في المائة خلال السنة الجارية في مقابل 4 في المائة التي تحقق السنة الماضية.

التليين والتعويم

أكد عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب، أن الاصلاح الذي اتخذه المغرب بخصوص عملته الوطنية، ليس “تعويما” كما تم تداوله على نطاق واسع، وإنما هو ” تليين الدرهم”، وأوضح الجواهري، أن نظام سعر الصرف الثابت ا ينقسم إلى فئتين، الفئة الأولى تتعلق بتثبيت قوي وهو ما يعني أنه لا وجود لعملة رسمية قائمة في حد ذاتها والتعامل بعملة أجنبية معينة كالدولار أو اليورو مثلا، ثم ربط العملة الوطنية بعملة أجنبية بسعر صرف ثابت. أما الفئة الثانية فتتعلق بتثبيت مرن ويعني ربط العملة الوطنية بعملة أجنبية أو سلة عملات، مع تحديد نطاق تقلب يقل عن 2 في المائة، ووجود تدخلات مباشرة وغير مباشرة في السوق من قبل البنك المركزي. وضمن هذه الفئة أيضا، يوجد نوع آخر من التثبيت المرن ومن خصائصه أن يفوق نطاق تقلب سعر صرف العملة 2 في المائة، وعدم الاعلان عن نوع الصرف المعتمد، مع وجود تدخلات مباشرة أو غير مباشرة في السوق من طرف البنك المركزي. وبحسب والي البنك المركزي، فإن المغرب يوجد ضمن هذه الفئة، حيث إن بنك المغرب سيواصل تدخلاته في السوق لتوفير السيولة اللازمة، كما أنه حدد نطاق التقلب في حدود 2.5 في المائة ارتفاعا وانخفاضا، وأضاف أنه بالرغم من المغرب غير ملزم بإعلان نوع نظام الصرف بحكم أن نطاق التقلب يفوق 2 في المائة، فإنه أعلنه. وأكد الجواهري أن إصلاح نظام الصرف سيمر بمراحل متتالية، مشيرا إلى أنه قبل الانتقال إلى المرحلة الموالية من الاصلاح، لابد من مراعاة الشروط المطلوبة للانتقال من مرحلة إلى أخرى، مشددا إلى أنه لا يمكن تنفيذ هذا الانتقال إلا حين تتوفر شروطه.

انعكاسات “التليين”

شدد والي البنك المركزي أن انعكاسات إصلاح نظام الصرف ستكون ايجابية على النمو الاقتصادي بنسبة تقارب 0.2 في المائة، أما فيما يرتبط بالتضخم فتوقع والي بنك المغرب أن يشهد بعض الارتفاع دون أن تتجاوز هذه النسبة 0.4 في المائة وهو ما يعني بحسب الجواهري أن معدل التضخم لن تتجاوز 1.9 في المائة استنادا إلى توقعات السنة الجارية بخصوص التضخم الذي يرتقب ألا يتجاوز نحو 1.5 في المائة. وأكد أنه على مستوى أسعار بعض المواد مثل المحروقات، لن تكون هناك تغييرات كبيرة، حيث إنه وإن انخفضت قيمة الدرهم بنسبة قصوى المحددة في 2.5 في المائة، فإن زيادة أسعار الغازوال لن تتجاوز 1.6 في المائة، وأورد الجواهري مثالا على ذلك، إذ أنه إذا كان سعر الغازوال هو 9.6 دراهم للتر الواحد فإن الزيادة التي ستلحقه لن تتجاوز 0.15 درهم، ما يعني أن سعر سيرتفع إلى 9.75 درهم للتر الواحد. وردا على قراءات وتحليلات الخبراء ومؤسسات دولية متخصصة، قال الجواهري، إن الخبراء والمؤسسات المالية المتخصصة، لها الحرية في أن تقول ما تشاء حول انعكاسات هذا القرار، ولكن المؤكد، بحسب الجواهري، هو أن بنك المغرب ووزارة المالية، لم يتخذا القرار إلا بناء على أسس ومعطيات استحضرت كل الجوانب التي يمكن أن يلحقها التأثير المفترض. وقال إنه من غير المنطقي ألا يستحضر البنك المركزي، التأثيرات المفترضة على القدرة الشرائية للمواطنين، وعلى الاستثمارات الأجنبية والوطنية، ومختلف الجوانب الأخرى.
وقال إنه من غير المنطقي جعل هامش تقلب سعر الدرهم في حدود 2.5 في المائة صعودا وهبوطا، شماعة يعلق عليها ارتفاع اسعار المواد، مؤكدا أنه إذا ارتفعت الأسعار فليس بالضرورة بسبب “تليين” الدرهم، وإنما بسبب تقلبات أسعار المواد في السوق الدولي. 

تحدي المضاربة

شدد محمد بوسعيد ان نظام الصرف الجديد الذي طبقه المغرب ليس بتعويم، وأوضح خلال ندوة صحفية مشتركة بين وزارة الاقتصاد وبنك المغرب، أن كل ما في الأمر هو إدخال مرونة على نظام الصرف الثابت المعتمد من قبل، وذلك في حدود هامش تقلبا ب 2.5 في المائة ارتفاعا وانخفاضا. وأكد بوسعيد أن قرار الانتقال من نظام الصرف الثابت إلى نظام الصرف المرن، قرار إرادي، اتخذه المغرب بكل إرادته ولم تكن هناك إملاءات خارجية من أي جهة كانت. وبرر الانتقال إلى نظام الصرف الجديد، بضرورة مواكبة السياسة النقدية للسياسة الاقتصادية والسياسات الأخرى، بما يعزز التنافسية الاقتصادية وتقوية مناعته وجاذبية البلاد. وقال بوسعيد إن الاصلاح الجديد الذي طبقه المغرب، إصلاح وقائي وليس علاجي، مؤكدا أن المغرب لا يعيش أزمة حتى يطبق التعويم، وأضاف أن قيمة الدرهم في مستوى مواز لمستوى أسس الاقتصاد المغربي.
وأكد على أنه تم الاشتغال بكل شفافية مع مختلف الفاعلين بخصوص هذا الاصلاح، مشيرا إلى أن مجموعة من الاجراءات المواكبة تم اتخاذها، ومنها التتبع اليومي للأسواق، وتتبع لاستهداف التضخم، زيادة على أن بنك المغرب سيواصل تدخلاته في السوق، واستهداف التضخم. وقال إن المشكل الوحيد الذي يعد من بين أبرز المخاطر، هو المضاربة، غير أن أكد السلطات المالية اتخذت كافة التدابير للتصدي لهذا المشكل.

قيمة الدرهم

أوضح بوسعيد أن قيمة الدرهم لن يمسها أي قرار قد يهم تخفيض قيمته، مشيرا إلى قيمته السوقية توازي قيمته الفعلية، وأضاف أن معاملات السوق هي الحكم، حيث إن الأيام الأولى لدخول نظام الصرف الجديد حيز التنفيذ أظهر أن الأمور سارت بشكل عادي، ولم يكن هناك اي ارتباك أو تقلبات على مستوى أسعار الصرف. وبقي تقلب سعر العملة في نطاق نسب المعدل القديم المحدد في 0.3 في المائة، وهو ما يؤكد حسب وزير الاقتصاد والمالية ثقة الأسواق في العملة الوطنية. وذكر أنه في سنة 2017 شهدت قيمة العملة الوطنية ارتفاعا بنسبة تقارب 6 في المائة بالمقارنة مع الدولار، وانخفاضا بنسبة تقارب 5. في المائة بالمقارنة مع اليورو.

دوافع الإصلاح

أوضحت المعطيات التي تم تقديمها في وثيقة لبنك المغرب، أن دوافع إصلاح نظام الصرف، ترتبط بدوافع أملاها المحيط الداخلي وأخرى أملاها المحيط الخارجي، فعلى مستوى المحيط الداخلي، تحسنت جميع مؤشرات التوازنات الماكرو اقتصادية خلال السنوات العشرة الأخيرة، حيث وبحسب وثيقة بنك المغرب، تم التحكم في التضخم في مستوى يقل عن 2 في المائة وعجز الميزانية في نسبة ناقص 3.6 في المائة وكذا عجز تجاري في حدود ناقص 4.3 في المائة. وعلاوة على ذلك تم تسجيل ارتفاع مستوى احتياطات الصرف إلى ما يعادل 5 أشهر و 27 يوما من الواردات في المتوسط إلى جانب متانة القطاع البنكي وقدرته على مواجهة الصدمات التي أكدها تقرير برنامج تقييم القطاع المالي لسنة 2015. وبالإضافة إلى ذلك، اختار المغرب الانخراط في مسار العولمة من خلال ابرام 56 اتفاقية للتبادل الحر، وإضفاء مزيد من المرونة على قانون الصرف بالنسبة للمقيمين. كما وضع سياسات قطاعية طويلة الأمد توفر رؤية واضحة للمستثمرين المغاربة والأجانب مما يزيد من جاذبية البلد، وفق الوثيقة ذاتها. هذا زيادة إلى اعتماد المجمع الشريف للفوسفاط لاستراتيجية جديدة تهدف إلى تقوية دوره على الساحة الدولية كصانع للسوق، وكذا تطور الصادرات المرتبطة بالمهن العالمية الجديدة للمغرب، إلى جانب جعل القطب المالي للدار البيضاء مركزا ماليا اقليميا.
أما على مستوى المحيط الخارجي، أوردت الوثيقة أن الفترة الأخيرة تميزت بالأزمة المالية التي اندلعت في سنة 2007 ، وما نتج عنها من تداعيات لا زالت آثارها مستمرة، وما تلى ذك من زيادة حدة تقلبات الأسواق، ما استدعى نهج سياسيات صرف تنافسية. وإلى جانب ذلك، تزايد حجم التدفقات المالية العابرة للحدود وتصاعدت حدة تقلبها، وكذا تشكيل تكتلات ومناطق اقتصادية كبرى. وأكدت الوثيقة أنه أمام هذه التحولات، تبين أنه من الأنسب التوجه نحو اعتماد نظام صرف يكون أكثر ملاءمة مع هذه التطورات.

تباطؤ النمو الاقتصادي

توقع أحمد لحليمي المندوب السامي للتخطيط، أن يعرف نمو الاقتصاد الوطني تباطؤا إلى 2.8 في المائة خلال السنة الجارية، وذلك بعد حقق النمو خلال السنة الماضية نسبة ب4 في المائة. وقال لحليمي في مقابلة مع وكالة رويترز إن تراجع الانتاج الفلاحي وضعف أداء القطاع الصناعي سيؤدي إلى تباطؤ النمو. وأضاف أن المغرب يتوقع جمع محصول يتراوح بين 7 ملايين إلى 7.5 مليون طن من القمح خلال هذه السنة، رغم تأثر قطاع الزراعة بقلة الأمطار. وأضاف أن من المتوقع أن يرتفع عدد السياح الأجانب الوافدين على المغرب. وأكد من جانب أخر أن إصلاح نظام الصرف الذي اعتمدته الحكومة، سيكون له تأثير سلبي على الاقتصادي الوطني، حيث أوضح أن التضخم السنوي سيرتفع إلى حوالي 1.6 في المائة في 2018، مع صعود أسعار النفط. وقال إن تقلب سعر الدرهم سيؤدي إلى التضخم لأن الطلب على المواد الأولية سيعرف ارتفاعا، وهو ما سيجعل المغرب مضطرا لزيادة الانفاق العام على واردات القمح وسلع أساسية أخرى وقطع الغيار. وعاب لحليمي على الحكومة ضعف التواصل في هذا الجانب، حي أكد أن الحكومة المغربية تحتاج إلى شرح فوائد ومخاطر النظام الجديد للصرف المرن الذي سيذكى التضخم. وأضاف أن الحكومة تحتاج إلى أن تشرح للمغاربة فوائد ومخاطر تغييرات العملة. مشيرا إلى كان بالإمكان أن يكون هناك حوارا وطنيا لتفسير ما هي الدوافع وراء هذا القرار وما هي الفوائد. وأكد أنه هناك حاجة إلى معرفة التفاصيل.

<حسن أنفلوس

Related posts

Top