التغير المناخي في المغرب .. مدينة الدار البيضاء نموذجا

كما تفاجأ سكان منطقة دار بوعزة خلال السنة الفارطة بتراجع مستوى مياه “ضاية دار بوعزة” بمستويات غير مسبوقة، تفاجأ هذا الأسبوع أحد ائتلافات الجمعيات البيئية (متأخرا جدا) من تدمير “ممنهج وتجفيف مستمر” لمياهها تقوم به “قلة من الخواص”، تدمير طال آخر بحيرة طبيعية تقع على الشريط الساحلي الرابط بين الدار البيضاء والوليدية، ولسنوات طوال تميزت بتهافت جمعيات المجتمع المدني البيئي على المشاركة في المؤتمرات أكثر من اعتناق قضايا البيئة الحقيقية والترافع الحقيقي من أجلها، وحتى قبل من أن تصل قضية تحفيظ ضاية دار بوعزة إلى ردهات المحاكم ويصبح مصيرها مشاريع سكنية، حيث سيزيد غياب هذه الضاية من تعميق جراح المنظومات البيئية بالمغرب والزيادة في حدة تغير المناخ بجهة الدار البيضاء.
ويعاني المغرب، كباقي بلدان العالم، من آثار تغير المناخ، ولعل هذا هو السبب الوحيد، الذي جعله يعكف على الانضمام إلى الوعي العالمي بهذه الإشكالية المناخية والتوقيع على الاتفاقيات البيئية الدولية ذات الصلة، حيث حرص المغرب من خلال التوقيع على اتفاقية (رامسار) سنة 1982، على تنفيذ مخططاته الاستراتيجية وذلك بالانخراط في سياسة المحافظة والتنمية المستدامة للمناطق الرطبة عن طريق تضمينها في المخطط المديري للمناطق المحمية وتجهيزها بالآليات والأدوات اللازمة لتحقيق التدبير المستدام لهذه المناطق.
ويتوفر المغرب على حوالي 300 موقع ذي أهمية إيكولوجية وبيولوجية تمتد على مساحة تقدر بـ400 ألف هكتار، وتتميز بتنوعها وشساعة مساحتها، منها عدة مناطق رطبة تتعرض للتدهور البيئي الممنهج والتجفيف المباشر مثل بحيرة الوليدية بإقليم الجديدة، وبحيرة دار بوعزة بالدار البيضاء.
ويعد المغرب من أكثر الدول تأثرا بالإجهاد المائي حسب تقرير الأمم المتحدة الذي نشر في شهر مارس من العام الماضي، حيث صنف التقرير المغرب من بين 31 دولة تواجه المزيد من الإجهاد المائي، هذه الموارد المائية المغربية التي تم تقييمها في عام 2018 عند 650 متر مكعب للفرد، ومع تغير المناخ أثرت ديناميات الضغط على الموارد الطبيعية بشكل عام و على مرونة النظم البيئية بسبب ندرة الموارد المائية التي تناقصت من 2560 متر مكعب لكل فرد في عام 1960 إلى 730 متر مكعب لكل فرد في عام 2020، وستنخفض إلى أقل من 500 متر مكعب للفرد بحلول عام 2030.

المخطط المائي 2020-2027

ومع ذلك، فإن الإجهاد المائي يهدد توفر الموارد المائية وخاصة المياه الصالحة للشرب، لهذا أطلق المغرب مخططه الوطني للماء 2020-2027 ويعمل حاليا على اثني عشر مشروعا موزع في جميع أنحاء المغرب.
في أكادير، من المتوقع أن تصل محطة تحلية مياه البحر، التي هي قيد الإنشاء حاليا، إلى قدرة إجمالية تبلغ 275 ألف متر مكعب في اليوم منها 125 ألف متر مكعب في اليوم مخصصة للري و150 ألف متر مكعب في اليوم لـلمياه الصالحة للشرب من أجل تلبية احتياجات الاستهلاك اليومي للجماعة الترابية أكادير والجماعات الترابية المجاورة.
مدينة العيون معنية هي الأخرى بمشروع محطة تحلية مياه البحر الثانية بسعة 300 لتر في الثانية وسيتم إضافتها إلى قدرة مركبة تبلغ 300 لتر في الثانية لتصل إلى قدرة إجمالية 26 ألف متر مكعب في اليوم ومن المقرر دخول الخدمة في عام 2021.
في طرفاية مشروع تحلية مياه البحر الجاري بسعة أقل تصل إلى 15 لترا في الثانية أو بسعة 1300 متر مكعب في اليوم، في حين تضم المدينة حوالي 8000 نسمة فقط.

تنزيل المخطط الوطني للماء بمدينة الدار البيضاء

كما ستستفيد مدينة الدار البيضاء الكبرى من مثل هذه المشاريع لتغطية ضغوطها المائية فيما يتعلق بمياه الشرب، التي تم تخصيصها بميزانية تزيد عن 115 مليار درهم، ويهدف المخطط الوطني للماء الجديد إلى التخفيف من آثار الإجهاد المائي وتعزيز استجابة أفضل للاحتياجات.
في مدينة الدار البيضاء، تم التخطيط لسلسلة من المشاريع لتنويع مصادر المياه وترشيد استخدامها في عام 2021، بما في ذلك بناء سدود جديدة، وترشيد استغلال الموارد المائية، وتحسين نظام الري في الميدان الزراعي … الكثير من التدابير منصوص عليها في المخطط الوطني الجديد للماء 2020-2027 بما في ذلك محطة تحلية مياه البحر الجديدة التي يشملها البرنامج بسعة 75 مليون متر مكعب في السنة وتبلغ تكلفتها بـأربع مليارات درهم.
وبما أن ملاعب الغولف لن يتم ريها بعد ذلك إلا بالمياه المستعملة التي تمت معالجتها، فعلى مستوى مدينة الدار البيضاء تمت برمجة أربعة مشاريع لمعالجة مياه الصرف الصحي لتغطية احتياجات ملاعب الغولف وستتيح هذه الموارد أيضا ري جميع المساحات الخضراء على مستوى مدينة الدار البيضاء.

جهود المغرب في محاربة تغير المناخ

انخرط المغرب طوعا في برنامج مكافحة الاحترار العالمي، فمنذ مشاركته في مؤتمر ريو عام 1992 عمل المغرب بلا كلل للإسهام في الجهد الدولي في مجال التنمية المستدامة ومكافحة آثار تغير المناخ.
ونظرا لتدهور النظم البيئية المغربية جراء تغير المناخ، أنتج المغرب خطته الوطنية للمناخ لعام 2030 مقابل التزاماته الدولية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، خطة وطنية تعطي الأولوية لضمان تكييف القطاعات والموارد الرئيسية مع تغير المناخ وبالتالي فإن جهود التكيف مع تغير المناخ ستركز على موارد المياه والقطاع الزراعي والموارد السمكية والنظم الإيكولوجية الحساسة والتنوع البيولوجي وكذا صحة ورفاهية المواطنين.
فيما يتعلق بالتخفيف سيتم ضمان الوفاء بالتزامات المغرب من خلال التدابير المتخذة في جميع القطاعات الاقتصادية، وستعزز خطة المناخ لعام 2030 أهداف التخفيف لجميع الاستراتيجيات وجميع خطط العمل القطاعية وتؤثر بشكل خاص في مجالات الطاقة والزراعة والنقل والنفايات والغابات والصناعة والإسكان.
وتولي خطة المناخ الوطنية اهتماما خاصا للجهات والأقاليم وتكرس أحد ركائزها الرئيسية لوضع ضرورات الإدارة المتكاملة لتغير المناخ في عمليات التخطيط والإدارة في الجهات، حيث تتعلق هذه الركيزة أيضا بتعميم المخططات المناخية الجهوية والمخططات المناخية للمدن، مع تحسين المعرفة الإقليمية بشأن تغير المناخ.
إن تحقيق أهداف المخطط الوطني للمناخ مشروط بتنفيذ تدابير الدعم في الجوانب البشرية والتكنولوجية والمالية، وتصاحب خطة المناخ لعام 2030 سلسلة من تدابير بناء القدرات المتعلقة بنظام المراقبة والرصد وإدارة التغيير مع السكان المغاربة.
كما تتناول خطة المناخ الوطنية المعوقات الرئيسية في تنفيذ سياسة المناخ وتحدد الاتجاهات الرئيسية التي يجب اتباعها لضمان تعبئة الأموال اللازمة لتنفيذ مشروعات التكيف والتخفيف، وبعد الانتهاء من عملية المصادقة والاعتماد، يجب أن تخضع الخطة المناخية الوطنية لبرنامج عمل منظم لتحديد الأولويات.

الدار البيضاء مدينة تتهددها الكوارث الطبيعية

كشفت دراسة أجرتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن مدينة الدار البيضاء مهددة بمخاطر الفيضانات والغمر الساحلي “تسونامي”، وتؤكد الدراسة أن الدار البيضاء هي رابع أكثر المدن تهديدا في منطقة البحر الأبيض المتوسط حيث تتعرض لخطر الفيضانات الناجمة عن العواصف.
“الاحترار العالمي وارتفاع منسوب مياه البحر وانهيار التربة” من بين العوامل التي تسبب التقلبات المناخية التي تهدد الدار البيضاء، حيث يتضرر 33000 نسمة من بين 3138000 نسمة من الفيضانات التي تحدث في فترة هطول قوي للأمطار.
في نوفمبر 2010، بلغت ذروة هطول الأمطار حوالي 178 مم أغرقت مدينة الدار البيضاء في الماء وفي الظلام كذلك. ويبقى الدليل الوحيد ضعف البنيات التحتية للمدينة، إضافة لكون المدينة بنيت على المجرى الطبيعي لوادي بوسكورة، لذا تبقى الدار البيضاء مدينة مهددة باستمرار بمخاطر الفيضان.

مشاريع تكيف الدار البيضاء مع تغير المناخ

أهمها معالجة مياه الأمطار وجعل مدينة الدار البيضاء محمية من الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة عبر إنجاز مشروع تحويل وادي بوسكورة بميزانية عالمية تبلغ 855 مليون درهم، وهو من أهم مشاريع البنية التحتية في الدار البيضاء حاليا، وهو أحد المشاريع الهيكلية للعاصمة ويهدف إلى تزويد الدار البيضاء بهيكل تحت الأرض يسمح بتجفيف مياه وادي بوسكورة وتصريفها مباشرة إلى البحر.
ولتحويل مياه الفيضانات تم نهج خيار توسيع المجرى المائي في نفق تحت الأرض عبر المدينة لإخلائه على مستوى الشاطئ، ومن المفترض أن يحمي هذا المشروع الدار البيضاء من الفيضانات هذه المدينة التي بنيت على الضفاف القديمة لوادي بوسكورة وأحيانا تغمرها السيول الشديدة لهذا النهر، والمدينة الآن في مأمن من هذا النوع من الكوارث الطبيعية من مثيل فيضانات 30 نوفمبر 2010 وهو تاريخ الفيضانات الأخيرة الناجمة عن الأمطار الغزيرة وتغير المناخ حيث تم تسجيل أضرار كبيرة على طول المسار الأصلي للوادي.
وعلى المستوى الجيولوجي، فموقع الدار البيضاء ينتمي إلى الجزء الساحلي من منطقة ميسيطا المغربية التي تعتبر منطقة زلزالية بنسبة قليلة جديدة.
إن رسم خرائط المخاطر الساحلية، التي تم تحديدها من خلال مواجهة التحديات والحساسيات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للساحل ومخاطر التآكل أو الغمر، تكشف عن خطر التآكل الساحلي والغمر البحري الذي يقع أساسا بين الطرف الشرقي من الدار البيضاء ومحطة المحمدية لتوليد الطاقة الحرارية، على بعد حوالي عشرة كيلومترات من الشواطئ.
وما لا شك فيه أن مخاطر فيضانات الأنهار أو الجريان السطحي هي التي تشكل المخاطر الطبيعية الرئيسية فمستوى الحماية في الدار البيضاء منخفض وهو ما يعادل فترة عودة لا تتجاوز 5 سنوات في المناطق الحضرية.
ويؤدي التطور المتسارع للتمدن في اتجاه التيار في القطاعات الحضرية الحالية إلى ظهور نقاط تجاوز جديدة بسبب عدم كفاية جامعي المصب لاستيعاب التدفقات الإضافية، وتجاهل مبادئ التخطيط يتم احترامها للحد من التدفقات المصب من المناطق الحضرية الجديدة.
السرير الطبيعي لوادي بوسكورة يعبر المنطقة الحضرية بالدار البيضاء وهو متحضر بالكامل، يتم تقليل حجم التدفق في عبوره للتكتل المدني إلى حد كبير، حيث تبلغ سعة المجمع 2 متر مكعب في الثانية.
وفي حالة هطول أمطار غزيرة كما هو الحال في عام 1996، تحدث الفيضانات في وسط المدينة، وتؤدي الصعوبات في تقدير التدفقات المميزة لوادي بوسكورة إلى نطاقات تقدير واسعة إلى حد ما، اعتمادا على هطول الأمطار الذي يتم أخذه بعين الاعتبار وطريقة التقييم.
كما تسبب واد المالح في فيضانات كارثية في نوفمبر 2002 في مدينة المحمديةـ تفاقمت هذه الفيضانات بسبب العديد من العوامل مثل احتلال السرير الرئيسي للواد ووجود عوائق في التدفق المائي وعدم كفاية أقسام العبور الهيدروليكية.

مخاطر نقص المياه منخفضة للغاية

في الوضع الحالي وبفضل برنامج السدود المهم الذي نفذته السلطات المغربية لعدة عقود، فإن إمدادات المياه في الدار البيضاء الكبرى يتم ضمانها من خلال اثنين من الموارد الرئيسية: سد سيدي محمد بن عبد الله على وادي أبي رقراق، والذي يوفر 38٪ من احتياجات البيضاويين؛ وسد المسيرة على نهر أم الربيع، وبالنسبة للباقي، فإن توافر المياه السطحية التي تنظمها السدود يحد من حالات الجفاف.
تغير المناخ حساس بالفعل

شهدت مدينة الدار البيضاء ظاهرة الاحترار المناخي على مدى العقود الخمسة الماضية، حيث على أساس سنوي ارتفع متوسط ​​درجة الحرارة خلال الفترة 1961-2008، بمعدل 0.3 درجة مئوية لكل عقد في الدار البيضاء أما من حيث هطول الأمطار، فتظهر المدينة المغربية اتجاها تنازليا واضحا من حيث التراكمات السنوية بتسجيل انخفاض بنحو 2.8 ميلمتر سنويا.

التوقعات المستقبلية لعام 2030

تم تقييم هذه التوقعات باستخدام نماذج ديناميكية صغيرة الحجم في العديد من سيناريوهات تطور انبعاثات الغازات الدفيئة، وتوقع أن ترتفع درجة حرارة مدينة الدار البيضاء من 0.8 إلى 1.3 درجة مئوية في أفق 2030، مصحوبة بـزيادة طفيفة في عدد أيام موجات الحر الصيفية، ومن المفترض أن ينخفض ​​إجمالي هطول الأمطار السنوي بنسبة 6 إلى 20٪، وتلك الخاصة بفصل الشتاء من 15 إلى 35٪.

توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ

وبصرف النظر عن المخاطر والمخاطر الزلزالية، فإن المخاطر الطبيعية الأخرى ستتأثر بتغير المناخ حيث ستتأثر ظروف التآكل والغمر الساحلي بشكل خاص بارتفاع مستوى سطح البحر بشكل غير مباشر بسبب الاحترار العالمي، من خلال ظاهرة التمدد الحراري للمسطحات المائية وذوبان القمم الجليدية القطبية.
وبناء على تحليل نقدي لتوقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يتوقع ارتفاع إجمالي في مستوى سطح البحر نحو 20 سنتمتر بحلول عام 2030، فرضية من المستحيل تأكيدها على الساحل الأطلسي للمغرب في غياب بيانات مقياس المد على مدى فترة طويلة.
وعلى الرغم من العديد من مشاريع حماية السواحل فإن ارتفاع مستوى سطح البحر سيعيد تنشيط أو تضخيم عملية التآكل الساحلي، وبالتالي انخفاض الخط الساحلي، حيث من المرجح أن تنخفض الشواطئ الرملية التي لا تزال في حالتها الطبيعية بمتوسط ​​10 إلى 15 مترا بحلول عام 2030.
ومن المتوقع أن تبرز في المناطق الحضرية الجدران الواقية لحماية المساكن التي تم تشييدها بالقرب من الشاطئ والتي من المرتقب أن تتعرض لأضرار كبيرة في حالة العواصف المرتبطة بارتفاع مستوى المياه إلى ما يفوق ثلاثة أمتار بسواحل الدار البيضاء، بالإضافة إلى أن أهم التطورات الشاطئية في المناطق الحضرية معرضة للخطر وستعاني من أضرار كبيرة، لأن عرض الشاطئ غير كاف لامتصاص التأثيرات المحتملة.
بينما سيتم غمر الشواطئ الرملية التي بقيت في حالتها الطبيعية تماما حيث من المنتظر أن تظهر انخفاضا كبيرا، ومع ذلك يجب أن تكون قابلة لإعادة البناء جزئيا خلال فترات الطقس الجيد، وتقريباً بالكامل عندما يتكون الشاطئ الخلفي من الكثبان الرملية.
في منطقة الدار البيضاء ستظل الخطوط الساحلية معرضة لخطر كبير من التآكل أو الغمر متطابقة تقريبا مع الوضع الحالي، وعلى بعد حوالي 40 كم من الخط الساحلي، ومع ذلك فإن ارتفاع مستوى سطح البحر سيزيد بشكل طفيف من خطر غمر أدنى للأرض، ولا سيما على مستوى منافذ الوديان الرئيسية
فيما يتعلق بمخاطر فيضانات الأنهار أو الجريان السطحي لمياه الامطار في الدار البيضاء أدى أخذ حساب طقس المغرب لتغير المناخ خلال الفترة 1960-2004 بالفعل إلى ابراز زيادة في التدفقات العشرية للأنهار والمجاري المائية بحوالي 20 ٪.
ومع ذلك، يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة تدفقات الفيضانات بنحو 15٪، الأمر الذي سيقلل من مستوى الحماية من حوالي 20 إلى 15 سنة، ومع ذلك هناك قدر كبير من عدم اليقين فيما يتعلق بتقدير تدفقات الوديان بالبيضاء.
وتهدف المشاريع المخطط لها ولا سيما السدود الموجودة في وادي المالح وروافده إلى الحد من تدفق الفيضانات عند مدخل مدينة المحمدية، ويمكن أن يؤدي تأثير تغير المناخ إلى زيادة بنسبة 15٪ في تدفقات الفيضانات باستثناء تأثير السدود.
يمكن أن يكون تأثير تغير المناخ كبيرا على توافر مورد سد سيدي محمد بن عبد الله على نهر أبي رقراق، حيث يمكن لمتوسط ​​التدفقات الداخلة أن ينخفض ​​مابين 30٪ و40٪، إلا أن المعلومات المتاحة غير كافية لإجراء تقييم أكثر دقة لتخصيص الاحتياجات من الموارد المائية للدار البيضاء الكبرى، والتي يجب أن تأخذ في الاعتبار الاحتياجات المتغيرة للمنطقة بأكملها التي يقدمها سد سيدي محمد بن عبد الله.

ظهور نقاط ضعف جديدة بحلول عام 2030

يتوزع سكان منطقة الدار البيضاء الكبرى بين 3325000 نسمة في المناطق الحضرية و305000 في المناطق القروية، وقد زاد عددهم بأكثر من 504000 شخص خلال فترة التوطين 1994-2004، مع نمو سنوي مستدام ظهر بشكل طفيف مقارنة بالفترة السابقة.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد الأسر نما بمعدل ضعفي سرعة نمو السكان، مما أدى إلى ضغط حضري قوي للغاية، على حساب المناطق الخضراء والغابات الحضرية والساحل.
وتعتبر أهم المخاطر الطبيعية التي تهدد مدينة الدار البيضاء حاليا هي الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية والمبنية من مواد رديئة الجودة. أما فيما يخص المخاطر المتعلقة بالتآكل والانغماس البحري، فإن أقوى تهديد هو الواجهة البحرية الحضرية المتاخمة للشاطئ بين الدار البيضاء والمحمدية، ولنتذكر أن مخاطر التسونامي تبقى دوما قائمة الاحتمال.

المخطط المديري للتهيئة الحضرية للدار البيضاء

يتوقع المخطط المديري للتهيئة الحضرية لمدينة الدار البيضاء أن يبلغ عدد سكان 5.1 مليون عام 2030 وهو ما يعادل معدل نمو سنوي قدره 1.3٪، في حين ستصبح احتياجات الإسكان الناتجة عن التوقعات الديموغرافية كبيرة، ولتلبية هذه الاحتياجات والناجمة فقط عن نمو عدد الأسر سيكون من الضروري بناء ما بين 24000 و28000 مسكن سنويا.
من ناحية أخرى، سيؤدي تعزيز التوسع الحضري وتطوير المشاريع الكبيرة على طول الخط الساحلي إلى حدوث تضارب في الاستخدام ويتعارض مع التدابير الوقائية والحمائية المرتبطة بتغير المناخ، ولا سيما فيما يتعلق بظاهرتي التآكل والتسونامي وارتفاع مستوى سطح البحر.
هذه المخاطر ستكون درجتها أكثر أهمية في المواقع الحساسة مثل مصفاة لاسامير والمركز الصناعي وميناء المحمدية مواقع جد حساسة تقع أيضا عند مصب وادي المالح، وبالتالي فهي تقع تحت تهديد الفيضان النهري الاستثنائي في المناطق الحضرية، وعلى الرغم من الزيادة المحتملة بنسبة 15 إلى 20٪ في تدفقات مياه الفيضانات، يجب تجويد برامج صرف مياه الأمطار سيما مشروع المجمع الغربي الكبير للفيضانات في بوسكورة، ومع ذلك، يفترض أن يؤخذ في الاعتبار عدم تفاقم تدفقات المصب عند تخطيط التنمية الحضرية والسيطرة على استخدام الأراضي في السهول الفيضية.

الأضرار التي يمكن تقييمها

تم اقتراح منهجية علمية لتقييم تكلفة الكوارث الطبيعية وتغير المناخ بحلول عام 2030، ويشمل التقييم جميع الأضرار المتعلقة بالزلازل والفيضانات والعواصف بما فيها التآكل الساحلي والغمر البحري، والحد من موارد المياه.
ويتم التمييز بين التكاليف المباشرة المتمثلة في الأضرار والتكاليف غير المباشرة المتمثلة في الخسائر الاقتصادية. ويتم التعبير عن النتائج بمتوسط ​​التكاليف السنوية مراعاة تغير المناخ التي تقدر بـحوالي 1162 مليون درهم بحلول عام 2030، ويمثل هذا 222 درهم لكل فرد سنويا أو 0.26٪ من الناتج المحلي الإجمالي لمدينة الدار البيضاء الكبرى في أفق عام 2030.
وتقدر القيمة المالية للكوارث التي تم النظر فيها خلال الفترة 2010-2030 بحوالي 11 مليار درهم في عام 2010 بالشروط الثابتة، والتي تمثل حوالي 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدار البيضاء الكبرى حيث تمثل التكاليف غير المباشرة حوالي 20٪ من إجمالي التكاليف غالبيتها تم تحصيلها بسبب الفيضانات، علاوة على ذلك تعتبر الحصة المنسوبة إلى تغير المناخ ضئيلة 94٪ منها بسبب الفيضانات و6٪ بسبب العواصف.

المخطط الجهوي للمناخ

يتقدم المغرب بخطى ثابتة في تنزيل المخططات الجهوية والإقليمية لمحاربة تغير المناخ، حيث تم اختيار جهة سوس ماسة ومراكش اسفي في البداية للعمل كرواد في التخطيط الجهوي للمناخ بالإضافة إلى البرامج ذاتية التمويل الجاري تنفيذها، والتي تقدمت من خلالها الجهتان المذكورتان بمشاريع كبيرة وبطلب الحصول على تمويلات مالية من الجهات المانحة الدولية بما فيها الصندوق الأخضر للمناخ، في انتظار الشروع في إنجاز المخطط الجهوي للمناخ لجهة الدار البيضاء سطات، وخاصة مخطط المناخ لمدينة الدار البيضاء الكبرى تماشيا مع النموذج التنموي الجديد الذي تطمح المملكة الى تنزيله على أرض الواقع نموذج تنموي يحترم الموارد البشرية والطبيعية عبر إنجاز مشاريع مهيكلة تهم الطاقات النظيفة، وتوفير المياه والإدارة المستدامة للنفايات الصلبة والسائلة.
وترتبط المجالات الرئيسية للمخططات المناخية الجهوية ومخططات المدن للمناخ بالطاقة المستهلكة وتخطيط المدن والقرى والمراكز الحضرية والنقل المستدام والنفايات والزراعة وإدارة الغابات والتنوع البيولوجي والصحة، في أفق تعزيز وتنفيذ إجراءات التنمية المحلية المكيفة مع السياق المستقبلي فيما يتعلق بتغير المناخ مع تشجيع استخدام التكنولوجيات النظيفة للمساعدة في الحد من تغير المناخ وآثاره المحتملة عبر تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة للمدن الأكثر تلويثا وفي مقدمتها الدار البيضاء.

محمد بن عبو (

***

اعطاء الانطلاقة الرسمية لمشروع التعمير التشاركي من أجل تهيئة مستدامة

أعطى الائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، الانطلاقة الرسمية لمشروع التعمير التشاركي من أجل تهيئة مستدامة لمدينة الدار البيضاء، وذلك خلال لقاء تفاعلي عن بعد، تم تنظيمه أمس الخميس ، بمشاركة عدد من الفاعلين والمهتمين بمجال التعمير وجماليته .
وتكمن الأهداف العامة للمشروع، المرتقب تنزيله بتعاون مع عدد من الشركاء وبتمويل من الاتحاد الاوروبي في إطار برنامج ” مشاركة مواطنة “، في المساهمة في تحسين البيئة المعيشية لساكنة مدينة الدار البيضاء من خلال العمل على تعزيز التخطيط التشاركي للمدن الذي يحترم البيئة وصحة ورفاهية المواطنين .
أما بشأن أهداف المشروع الخاصة، فتتمثل في تعبئة وتعزيز قدرات هيئات المجتمع المدني في مجال التعمير التشاركي المستدام، بناء على مقترحات عملية للارتقاء بالتعمير من أجل التحكم في توسع المدينة وتحسين جودة الهواء، والنقل ونسبة المساحات الخضراء، وبلورة وتنفيذ خطة للتواصل والحوار والترافع .
وركزت مختلف التدخلات خلال هذا اللقاء التفاعلي، على الدور المحوري الذي يمكن أن يضطلع به مختلف المتدخلين من جامعات ومجتمع مدني وإعلام وهيئات منتخبة الى جانب صناع القرار، من أجل الإسهام كل من موقعه في بناء مدينة تستجيب للحاجيات المعبر عنها من قبل المواطنين، والتي تعكس تصوراتهم وتطلعاتهم المستقبلية .
واكدوا في هذا الصدد على ضرورة التصدي للمضاربات العقارية وللتوسع العمراني الممتد على حساب المجالين الفلاحي أو الشاطئي، مع التفكير في تهيئة المجال الترابي وفق مقاربة تشاركية تراعى فيها شروط الكرامة والتنمية المستدامة ، أخذا بعين الاعتبار أفضل النماذج العمرانية الناجحة على الصعيد الدولي ، وكذا الخبرات الطويلة التي راكمتها الكفاءات المغربية العاملة في هذا المجال، دون إغفال الموروث التاريخي .
وعن سبب اختيار مدينة الدار البيضاء كنموذج لتجسيد هذا المشروع للتعمير التشاركي، فإنه يعزى حسب المتدخلين، لكونها أهم قطب اقتصادي بالمغرب، حيث تضم أكثر من 55 في المائة من الوحدات الإنتاجية الوطنية وأكثر من 30 في المائة من شبكة الوكالات البنكية، كما تشغل ما يزيد عن 39 في المائة من الساكنة النشيطة.
وبالرغم من هذا الغنى والدينامية والتموضع الوطني والإفريقي في مجالي المال والأعمال، تبقى العاصمة الاقتصادية، كما قالوا، بعيدة كل البعد عن طموحات الساكنة من حيث التوفر على الشروط والمعايير الأساسية التي سطرتها الأمم المتحدة للمدن المستدامة، وفي مقدمتها النجاعة الاقتصادية والإنصاف الاجتماعي والتوازن البيئي .
وبناء على ذلك، خلصوا إلى أن مدينة الدار البيضاء تواجه حاليا العديد من التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي أثرت سلبا على الصحة والقدرة الشرائية للمواطنين، وعلى جودة الحياة وقيم العيش المشترك، وحرمت المواطن البيضاوي من عدد من حقوقه .
وأعربوا عن اعتقادهم بأن أي مشروع عمراني للمدن لا يمكن أن يتأسس بشكل مستدام إلا بمشاركة مختلف الفاعلين والساكنة المحلية، مشيرين إلى أهمية الاستفادة من الذكاءات المتعددة لمدينة الدار البيضاء، التي تتوفر على آلاف الجمعيات ومئات المؤسسات العالمية، وما يفوق 150 ألف طالب جامعي ومدارس عليا في الهندسة والتعمير والفن .
وتجدر الإشارة إلى أن هذا اللقاء ستليه سلسلة من اللقاءات ذات الطابع الموضوعاتي من أجل الوقوف على حاجيات الساكنة، وكذا اقتراح جملة من الحلول الجوهرية التي يتم صياغتها في شكل توصيات لإنارة الطريق أمام الجهات المعنية بالتنمية الحضرية، وصناع القرار، حتى يأخذوها بعين الاعتبار في خططهم وسياساتهم المعتمدة لتطوير المدينة.

Related posts

Top