التفرغ

يشكل التفرغ للإنتاج الأدبي والفكري أهمية كبيرة؛ بالنظر لما يتطلبه ذلك من مجهود ووقت وبحث وتركيز وصفاء ذهني ووو.. وقد فطنت بعض البلدان إلى ذلك، وقررت تخصيص منح لكل من تتوفر فيه الشروط ولديه مشروع جدير بأن يخرج إلى حيز الوجود.
وطبعا فإن بلدنا انخرط بدوره في هذا الجانب الذي يخدم الحركة الثقافية، حركة النشر بالخصوص.
غير أنه من الملاحظ أن هذا الحدث بالرغم من أهميته، لا يبدو أن له صدى قويا في ساحتنا الثقافية على الأقل. كما أن المشاريع المستفيدة من منح الدعم التي من المفروض أن يكون قد تم إنجازها بالفعل، لا تنال ما تستحقه من اهتمام، ولا يكاد أحد يعرف عناوينها بالضبط، ومن جهتهم فإن المستفيدين لا يلفتون الانتباه إليها.
لا نكاد نتبين ما إذا كان المستفيد أهلا للاستفادة أم أنه فقط يتمتع بحظوة خاصة من طرف الجهة المانحة، وهو ما يفسر استفادته من كافة المبادرات والمشاريع التي ترعاها هذه الجهة أو تلك.
بعض البلدان التي لها تجربة عريقة في مجال تفرغ المبدعين والمفكرين، تحرص مؤسساتها المسؤولة عن ذلك، على نشر أسماء المستفيدين من منح التفرغ، ولا تلبث في كل مرة تذكر بشروط الاستفادة.
وهناك بعض المستفيدين الذين يقومون بالكتابة عن هذه التجربة والظروف والحيثيات التي كان لها إسهام في حصولهم على المنحة، إما بتزكية فلان أو علان الذي عادة ما يحظى بصيت محترم وثقة كبيرة من لدن لجنة المنح.
فمن الطرائف التي يحكيها بهذا الخصوص أحد الأدباء المستفيدين من منحة التفرغ، أنه كان قد تقدم بمشروع إنجاز مجموعة قصصية، غير أنه تم نشر الخبر باعتباره حصل على التفرغ لكي يكتب رواية، وعندما قال لهم إنه لا يكتب روايات ولكن قصصا قصيرة، علم أن التفرغ لا يمنح إلا لكتابة الرواية أو المسرحية الطويلة أو البحث، فما كان منه إلا أن أذعن لذلك، وهو ما يفسر السبب الذي حدا به إلى كتابة روايته اليتيمة.
لا شك أن بعض الإشكاليات تطرح بخصوص الظروف التي يخرج فيها الإنتاج المستفيد من منحة التفرغ، سواء كان هذا الإنتاج إبداعا أم فكرا، سيما وأنه قد يكون مرهونا بسفر إلى منطقة ما سواء داخل البلد أو خارجه، كما يكون محصورا في حيز زمني محدد لا يسمح بخرقه، علما بأن الممارسة الإبداعية أو الفكرية، تخضع لظروف خاصة، اعتبارا لأنها مرتبطة بالحالة النفسية والمزاجية للممارس، وبما يمكن تسميته بزمن الكتابة، زمن الخلق والإبداع.
رغم كل ذلك، لم يتم في حدود اطلاعي، تنظيم لقاءات حول هذه الإشكالية بالذات، سواء من طرف المؤسسة المعنية، أو منظمات المجتمع المدني ذات الصلة بالشأن الثقافي.
يظل التفرغ بالرغم من كل شيء، يكتسي أهمية كبيرة، خصوصا بالنسبة للذين يحملون في دواخلهم بذرة مشاريع جادة وقيمة ولا تسمح لهم ظروف عملهم الذي يعد مصدر عيشهم الوحيد؛ برعاية تلك البذرة.. ذلك المشروع.

عبد العالي بركات

[email protected]

الوسوم
Top