التقدم والاشتراكية ومنتدى المناصفة والمساواة يطلقان نداء لتحقيق المساواة الفعلية بين الجنسين

دعا نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، القوى التقدمية والديمقراطية والفاعلين داخل المجتمع المدني إلى إطلاق نقاش هادئ ورصين حول قضية المساواة بمختلف تمظهراتها، بما فيها مسألة الإرث، ذلك أن قضية المساواة توجد في قلب المعركة من أجل المجتمع الديمقراطي، حسب تعبير المسؤول السياسي.
وأكد بن عبد الله، خلال كلمته الافتتاحية للقاء الذي نظمه مساء يوم الجمعة بالرباط، حزب التقدم والاشتراكية ومنتدى المناصفة والمساواة، حول موضوع “المساواة بين مستلزمات التحديث ومضامين الفكر الديني”، على ملحاحية استعادة ذاك الزخم الذي تميزت به النقاشات الفكرية وجرأة الطرح لقضايا مفصلية، التي ارتكز عليها البعد الإصلاحي الذي عرفه المغرب خلال نهاية التسعينات وبداية الألفية الحالية، والذي كانت محصلته إقرار مدونة الأسرة وتحقيق مكاسب ارتبطت بوضعية المرأة سياسيا، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
وخلال هذا اللقاء الفكري، الذي سيرته، شرفات أفيلال عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، وشارك فيه كل من محمد الناوي المحامي بهيئة الدار البيضاء ومدير الدارسات والبحث والتوثيق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومحمد عبد الوهاب رفيقي أستاذ باحث في الفكر الإسلامي، لفت بن عبد الله، الانتباه إلى الوضع الحالي الذي بات يحتم إطلاق نقاش عميق حول الموضوع، بل يستلزم معركة فكرية، ذلك أن مسار المساواة لازال يراوح مكانه، رغم التقدم الحاصل على مستويات عديدة، والتي يأتي على رأسها مراجعة مدونة الأسرة، وتحقيق بعض المكاسب بارتباط بوضعية المٍرأة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، قائلا إن “الكل يقر اليوم أننا نكاد نراوح مكاننا بالنسبة للمكتسبات التي تحققت، وأن الأمر ربما مرتبط بالوضع الديمقراطي العام لبلادنا”، مشددا على أنه “يتعين أن نضع النضال من أجل حقوق المرأة والنضال من أجل المساواة في قلب المعركة من أجل المجتمع الديمقراطي الذي ننشده”.
وجدد التأكيد على أن المساواة تشكل أحد أركان الفكر الذي ينطلق منه التيار اليساري، وحزب التقدم والاشتراكية منذ نشأته في بداية الأربعينيات وهو يتطلع لمجتمع تسوده المساواة بين المرأة والرجل، معتبرا في إشارة للمساواة في الإرث كجزء من الإشكالية، “على أنه آن الأوان لطرح العديد من القضايا التي تتصف بكونها شائكة ومستفزة، والتي قد تثير نقاشا عميقا يصل حد الجدل أحيانا، منبها إلى أن الحزب لا يسعى إلى إثارة الجدل العقيم ، ولا خلق المواجهة مع أي كان أو إثارة البلبة في أي وسط كان، بل يطمح إلى النقاش الهادئ والرصين، ومقاربة الموضوع بالجرأة والعمق المطلوبين.
وبسط الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بعض الخطوات التي يلزم على قوى الصف الديمقراطي التقدمي خوضها، من أجل ربح المعركة الفكرية، والتي ترتبط أساسا بالعودة للقواعد، حيث وجه بهذا الخصوص، نداء إلى كل القوى الديمقراطية ولكل التقدميين لاستنهاض صفوفها واستعادة الوعي لشغل المساحات والفضاءات، وذلك لحصر التراجع الكبير الذي عرفه الفكر الديمقراطي الحداثي في المغرب، قائلا “إننا في أمس الحاجة لجعل هذا الفكر يشغل المساحات والفضاءات الضرورية”، منبها إلى أن ذلك لن يتم إلا بجرعة من الجرأة في طرح الكثير من القضايا التي أصبحت لها مكانة هامشية في كثير من النقاشات التي حتى عندما تثار ترتفع حولها ضجة دون فائدة ودون تحقيق تقدم في الملف قيد أنملة”.
وفي ذات الوقت دعا بن عبد الله، إلى “تضافر جهود كل النخب سواء داخل الهيئات السياسية أو الثقافية أو المدنية أو الإعلام، لتكون بمثابة اللوبي، أو القوة الضاغطة، والتي بإمكانها أن تدفع بمسألة المساواة عسى أن تكون قاعدة المساواة هي القاعدة الفاتحة بالنسبة لإقرار المجتمع الديمقراطي الذي ننشده في حزب التقدم والاشتراكية والذي نجد نفس المناشدة إليه لدى أطراف كثيرة، سياسية إعلامية فكرية، مدنية وإعلامية”، حسب قول الأمين العام لحزب الكتاب.
من جانبه، دعا محمد الناوي، محام بهيئة الدار البيضاء، ومدير الدراسات والبحث والتوثيق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي قارب المساواة من مرجعية حقوقية كونية، إلى فك الارتباط بين القانون والدين، قائلا إن “الدين دين وله مكانته نحن نحترم الدين والمتدينين والقانون قانون ونحن لدينا قوانين وضعية هناك، فلماذا كلما تعلق الأمر بالمرأة وضعنا قوانين بخلفية ومرجعية وسند ديني؟”.
وشدد في هذا الصدد على الحاجة الملحة لإجراء تغيير جذري لمدونة الأسرة، بحيث تتأسس على قيمة المساواة كما تصدرتها القوانين والاتفاقيات الدولية والنصوص الدستورية، وذلك عبر إقرار مدونة وضعية كما هو الشأن بالنسبة للقوانين الأخرى.
وقال الناوي إن “المدونة في صيغتها الحالية بالرغم من علاتها تمكنت من إحداث تغيير على العقليات لكن الوقت حان ليطالها تغيير جذري، ذلك أن حالة البؤس وجميع المعضلات التي تطبع العديد من مناحي الحياة ترتبط بالمدونة التي تنهل من المرجعية الدينية، وبسبب غياب المساواة كقيمة أخلاقية وفلسفية،  لذا يجب تغيير النظرة الحالية وفك الارتباط بين الدين والقانون.


ولفت موضحا أن الأمر لا يتعلق بالقضاء على الاختلاف، بل فقط من أجل جعل كل طرف يقف عند حدوده، وذلك دور القانون الذي ينبني على المساواة التي تتحقق من خلال شمول القاعدة القانونية المطبقة. وأشار إلى أوجه التمييز التي لازالت تنص عليها بشكل صريح مدونة الأسرة، ويتعلق الأمر بحالة الزواج من الأجنبي، حيث يختلف الأمر بين الرجل والمرأة من حيث الشروط، كما أن هناك تمييز في قضية الإرث على هذا المستوى، مشددا على أن القانون مهم وأساسي، لكنه يشكو من سكيزوفرينيا حقيقية بسبب تشبث بعض الجهات ببعض المقتضيات وخلفياتها ومصادرها، علما أن الأمر يتعلق بقانون دنيوي لقضايا دنيوية. وكذا الأمر بالنسبة للقانون الجنائي، يضيف المتحدث، إذ إن بعض فصول هذا القانون لازال يتمظهر فيها التمييز بشكل جلي، كما هو الحال بالنسبة للفصل 490 من القانون الجنائي الذي جرم العلاقات الرضائية بين الجنسين، باعتبارها فسادا، رغم أنه أصبح متجاوزا، وارتباطه بإشكاليات عديدة لاسيما في حالات وقوع الحمل.
واعتبر الناوي، أن فك الإشكالات التي ترتبط بالمساواة تتطلب تفاعل المجتمع بأكمله لحلها في إطار ديمقراطي، وذلك من أجل تمكين هذه النصوص القانونية من أن تتشرب مبدأ العدل والمساواة أساسا. وقال في هذا الصدد إنه “لا يكفي أن تكون لنا قوانين وعدالة، بل يجب أن تصدر روح العدل والمساواة والديمقراطية في القوانين، باعتبارها الضمانة الكفيلة بتحقيق نزع من المساواة ومواجهة المساواة”.
من جانبه، دعا الأستاذ الباحث في الفكر الإسلامي محمد عبد الوهاب رفيقي، إلى قراءة تاريخيانية للنصوص الدينية، والتي هي في الغالب حينما نزلت كانت مرتبطة بسياقات مكانية وزمنية معينة، مطالبا بتجاوز القراءة السلفية والمقاصدية في التعامل مع النصوص والتي فيها نوع من الانتقائية والانتهازية، إذ مثلا أصحاب القراءة المقاصدية يستعملونها لتقديم مخرج لممارسة العمل السياسي، في حين بالنسبة لوضعية المرأة يعتبرون أن النصوص قطعية ولا تحتاج إلى تأويل.
وأوضح بشأن دعوته لاعتماد القراءة التاريخانية للنصوص، التأكيد على أن السياق التاريخي والمكاني ينبغي أخذه بعين الاعتبار، فالإسلام حينما جاء اختار بالنظر للسياق المكاني والزمني حينها، وضع أحكام تتسم بكثير من التدرج والمرحلية لكون وضع المرأة كان أسوء بكثير قبل مجيء الإسلام، وهو بذلك أقر حقوقا للمرأة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، دون أن يحاول قلب نظام بني لعقود من الزمن.
وقال في هذا الصدد: “يتعين فصل الدين عن الأمور الدنيوية وفي رأيي يجب إعادة تصور للدين بحيث يوضع في مكانته ورمزيته والمساحة التي يشتغل فيها ألا وهي المتعلقة أساسا بالعلاقة بين الخالق والمخلوق”، فيما القضايا المتعلقة بتأطير المعاملات الدنيوية كيفما كان نوعها يعين أن تكون المرجع فيها هو المصلحة، ولاشيء غير المصلحة.
وأكد بدوره على ضرورة مراجعة مدونة الأسرة التي باتت المشكلة الأكبر لمقتضياتها أنها تنعكس انعكاسا سلبيا جدا على أذهان القائمين على تطبيقها، مشيرا إلى أن مطلب التغيير الجذري للمدونة يسري أيضا على تغيير تنظيم الإرث، خاصة وأن التعصيب المعمول به في الإرث حاليا هو نظام قبلي عرفي ليست له مرجعية دينية، ولا يتماشى مع الواقع الذي نعيشه اليوم من خروج المرأة إلى العمل.
هذا، ولفت رفيقي عند تشخصيه لمحصلة وضعية المرأة حاليا، الانتباه إلى أن المجتمع حاليا متأثر في وجدانه وثقافته بخلفية دينية معينة، والقوانين تكرس هذا المعطى الاجتماعي ولا تستطيع أن تتجاوز سقفا معينا خوفا من الاصطدام بالمجتمع، معتبرا أن الفقه التقليدي الديني هو العائق أمام تحقيق أي تقدم، مستدلا في ذلك بأنه كلما أثير الحديث عن الإرث وضرورة مراجعته، يظهر الحديث عن النصوص القطعية والدين والفقه وماذا يقول الدين والشريعة.
واعتبر الباحث الإسلامي أنه كان من المفروض أن تتواصل الثورة التي جاء بها الإسلام وانبثقت مع بروز عدة اجتهادات متعلقة بالمرأة وخروجها للحياة العامة، لكن هذا المسار انحصر وطبعه جمود تام نتيجة طبيعة الأنظمة السياسية التي تحالف معها الفقهاء ذوو الفكر الذكوري، مضيفا أنه رغم محاولات النهضة التي انطلقت بداية القرن التاسع عشر لم تفلح في تغيير أوضاع النساء.

< فنن العفاني

Related posts

Top