التقدم والاشتراكية يدعو إلى دعم دينامية الشبكات العاملة في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وإشاعة القيم التي يرتكز عليها

في إطار التحضير للجنة المركزية في دورتها الثامنة، والتي ستنعقد على مدى يومين بداية الشهر المقبل، نظم حزب التقدم والاشتراكية ورشة للتفكير حول موضوع “الحزب وقضايا الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، أطرها إلى جانب أعضاء الديوان السياسي للحزب، ثلة من الخبراء والفاعلين المدنيين في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
في بداية هذه الورشة التي أدارها عبد الرحيم بنصر عضو الديوان السياسي للحزب، تأسف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد الله، على ما بات يطبع المشهد السياسي الوطني، في الفترة الأخيرة، من نقاشات شكلية، لا ترقى إلى مستوى طرح القضايا الكبرى التي ينتظرها الشعب المغربي، والمرتبطة أساسا بماهية المشروع المجتمعي الذي يقترحه كل طرف ويطرحه على طاولة النقاش، وأيضا، يضيف بنعبد الله، لا أحد يطرح تصوره حول كيفية تطوير الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أنه حتى الذين يشترطون دخول هذا الطرف للحكومة وخروج الطرف الآخر، لم يطرحوا الأسباب ولا طبيعة الخلافات في البرامج والمقاربات.
وأوضح محمد نبيل بنعبد الله أن نتائج الانتخابات الأخيرة، أظهرت، مع الأسف، “تراجع الفكر اليساري والتقدمي الحامل للفكر الاجتماعي أو المجتمعي الذي يهم قضايا المجتمع، مقابل بروز مشاريع أخرى ذات طابع ليبرالي تدافع على نوع آخر من الاقتصاد القائم على الاستثمار بمفهومه الكبير، لكن لا يهمها في الأصل الاقتصاد ذو طابع اجتماعي أو تضامني لأنه، في نظر هذا التوجه، غير مبني على الربح السريع وعلى تنمية الرأس مال”.
وأضاف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن الحكومة التي ساهم فيها حزبه، “تمكنت من وضع مجموعة من الإجراءات التي تهم تقوية قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي أصبح ضمن أركان الحكومة، لكن، يضيف المتحدث، دون أن يصحب ذلك آليات للارتقاء بهذا النوع من الاقتصاد”.
من جانبه، حاول الخبير وعضو الشبكة المغربية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني عبد الجليل الشرقاوي، أن يبسط مفهوم الاقتصاد التضامني والاجتماعي باعتباره اقتصادا مكملا للاقتصاد العادي العمومي والخاص، لكنه، يضيف المتحدث، يمنح مجموعة من البدائل للقيام بتنمية عادلة ومنصفة، مشيرا إلى أن المؤسسات والمقاولات المكونة لهذا النظام هي التعاونيات والتعاضديات والجمعيات التنموية والمقاولة الاجتماعية.
وأوضح عبد الجليل الشرقاوي أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يقوم على مجموعة من المبادئ الأساسية والقائمة على إعطاء العناية للإنسان ولبيئته قبل رأس المال، على أن تكون المبادرة حرة ومنبثقة من الأفراد والجماعات، وذلك على قاعدة التضامن والتآزر بين الأفراد والجماعات وأن تكون الملكية جماعية وليست فردية.
وأضاف الخبير في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لأن من بين المبادئ المؤسسة لهذا النوع من الاقتصاد هو أن يكون التعاقد عادلا ومنصفا وأن يكون هناك تحكم في عملية الوسطاء في سلاسل الإنتاج، بالإضافة إلى استقلالية في التأسيس والتدبير، مبرزا مجالات تدخل هذا النوع من الاقتصاد والتي حددها أساسا في جميع القطاعات الإنتاجية والخدماتية والمصرفية والتضامنية، وكذا قطاع التجارة العادلة، والسياحة التضامنية، والقطاعات الاجتماعية المندمجة، وقطاع التربية على المواطنة، وكل المجالات الاستهلاكية.
وقال عبد الجليل الشرقاوي “إن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يعير الاهتمام الكامل للتنمية المحلية المندمجة، ويجعل الفاعل المحلي عنصرا أساسيا في تحريك عجلة التنمية الترابية”، مضيفا أن هذا النوع من الاقتصاد يعطي، أيضا، أهمية كبرى للتعاون جنوب-جنوب والقيام ببرامج مشتركة بين الدول الصديقة، مع اعتماده على الإمكانيات الذاتية والاستهلاك المتوازن.
وبخصوص الوضعية الراهنة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني في دول الجنوب، ذكر عبد الجليل الشرقاوي بوجود نقص في مجال توحيد الرؤية والقوانين المدبرة لهذا القطاع، وتعدد التعريفات المتعلقة بالتعاونيات والجمعيات والتعاضديات والمؤسسات الاجتماعية، بالإضافة إلى غياب مناهج وبدائل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في السياسات العمومية الأساسية والدائمة.
كما سجل الشرقاوي تركيز البرامج العربية على التعاونيات، وغياب البدائل الأخرى، وضعف صناديق التمويل بالمقارنة مع الدول الرائدة في هذا المجال، وضعف القدرة البشرية المحلية، وعدم تمكنها من جعل هذا الاقتصاد رافعة للتنمية المندمجة، بالإضافة إلى شبه غياب أو حضور غير متمكن في التفاوض على المستوى الدولي.
بدوره، أكد حجيب القاسمي خبير ونائب رئيس الشبكة المغربية للاقتصاد التضامني والاجتماعي، أن حزب التقدم والاشتراكية يعد الحزب الأقرب لميدان الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مشيرا إلى أن تحقيق تنمية مستدامة في الاقتصاد الوطني يفرض اقتصادا يدمج المواطن ويجعله في صلب العملية الاقتصادية ولا يتركه على الهامش.
وأوضح حجيب القاسمي أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ليس هو اقتصاد الفقراء لكنه وسيلة من وسائل محاربة الفقر والبطالة، ويتميز في كونه يتيح للمواطن أن يتملك ذاته وأن يكون قادرا على الفعل والمساهمة في الإنتاج، مؤكدا على أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني هو اقتصاد ديمقراطي على اعتبار أن طريقة اتخاذ القرار هي طريقة ديمقراطية، ومشيرا إلى أن مجالات الاشتغال هي أن كل ما يهم الاقتصاد العادي يهم أيضا الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وأن الفرق يكمن في الطريقة التي يشتغل بها، وطريقة توزيع الأرباح، على اعتبار أن الأول يعتمد في توزيع الأرباح على الأسهم، والثاني يوزع الأرباح حسب العمل والمجهود الشخصي.
وبعد أن تطرق إلى الاستراتيجية الوطنية في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتي تم وضعها سنة 2010، والتي تروم، بحسبه، تثمين المنتوج ودمجه في السوق مع إيجاد بينة اقتصادية ملائمة للفاعلين مع توفير لهم الحماية الاجتماعية بما فيها التغطية الصحية، أكد حجيب القاسمي أن الإشكالية الكبرى التي تعاني منها هذه الاستراتيجية هي أنه لم يواكبها الفاعل السياسي على المستوى المحلي سواء من حيث التأطير أو المواكبة.
وقدمت الأستاذ في المدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين زينب بن رحمون، تجربتها الميدانية في مجال الفلاحة البيئية والمستدامة، حيث تشغل ضيعة فلاحية من هكتارين ضواحي مدينة الرباط، تعد نموذجا في الفلاحة المستدامة والتضامنية.
وشددت بن رحمون على أن سر نجاح تجربتها ينطلق من منهجية ترتكز على ثلاثة مبادئ رئيسية، هي الاهتمام بالأرض بكل مكوناتها، والاعتناء بالإنسان، وكذا التوزيع العادل وتكافؤ الفرص، مشيرة إلى أن ذلك يعتمد بالدرجة الأولى على القدرة على الإبداع والوعي بما يقوم به الإنسان والتوجه نحو عمق الأشياء وإعمال المقاربة الإدماجية.
وخلال عرض تجربتها الميدانية، أكدت زينب بن رحمون أن كل تلك المبادئ ساعدتها على أن تجعل من الهكتارين ضيعة فلاحية مستدامة تعيش منها تسع عائلات، وتنتج حوالي طن ونصف من الخضر والفواكه، كما أنه بفضل نجاح هذه التجربة تمكنت من تكوين أزيد من 150 فلاحا.
وبعد نقاش غني ساهم فيه ثلة من الخبراء والفاعلين في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، أجمع المتدخلون، من خلال الخلاصات التي قدمها عبد الأحد الفاسي الفهري عضو الديوان السياسي للحزب، على ضرورة دعم دينامية الشبكات العاملة في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وإشاعة القيم التي يرتكز عليها هذا النوع من الاقتصاد والمتمثلة في التضامن والتآزر والاشراك في التدبير والتسيير.
كما شدد المتدخلون، وفق ما ساقه عبد الأحد الفاسي، على ضرورة فهم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على أساس أنه ليس اقتصادا للفقراء، بل هو قطاع اقتصادي قائم الذات إلى جانب الاقتصاد العادي، ينتج الخيرات ومناصب الشغل، ويستحق إعطاءه الأهمية والعناية لأنه مبني على قيم التضامن والتآزر والنهوض بأوضاع المرأة، ويؤسس لنموذج مجتمعي مختلف.
ومن بين الخلاصات، أيضا، التي ساقها عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، هي أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مرتبط بمسألة المشروع الديمقراطي، وطريقة تدبير المؤسسات القائمة على المقاربة الديمقراطية، مشددا، في الوقت ذاته، على ضرورة أن يكون حزب التقدم والاشتراكية هو الحامل السياسي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني والترافع عن قضاياه وعن الفاعلين به، مع حث الفروع الحزبية والقطاعات السوسيو- مهنية للحزب على تجديد أساليب عملها والانخراط في هذه المجالات من خلال التنشيط والتكوين والتشبيك وتعميم التجارب الناجحة.  

محمد حجيوي  

Related posts

Top