التقرير السنوي لبنك المغرب برسم سنة 2020 والتحديات المستقبلية

تم، يوم السبت 31 يوليوز، تقديم التقرير السنوي لبنك المغرب برسم سنة 2020 أمام جلالة الملك. وعلى غرار التقارير السابقة يعالج التقرير الحالي الأوضاع الاقتصادية والنقدية والمالية للبلاد، مع التطرق إلى المحيط الدولي، ثم يتناول النشاط السنوي لبنك المغرب.
ويعتبر التقرير من التقارير الأكثر أهمية ضمن كـل تلك التي تصدر سنويا، بالنظر إلى السلطة المعنوية لهذه المؤسسة التي تنتجه، والدقة العلمية التي تميزه، وانتظام صدوره، والآفاق التي يفتحها بالنسبة للمستقبل. وعليه، فهو يشكل مصدرا ممـيزا للمعلومة المالية بالنسبة لمختلف المتدخلين، ومرجعا بيبلوغرافيا لا محيد عنه بالنسبة للباحثين والأوساط الأكاديمية.
وكما كان مُنتظَراً، في ظل ما تفرضه أزمة جائحة كوفيد 19، فقد خصص التقرير فقرات ضافية لتداعياتها وللحلول والأجوبة المُقَدَّمَة من طرف السلطات العمومية للحد من خطورتها. غير أن التقرير تفادى السقوط في النظرة المتشائمة، وذلك بتركيزه على الإمكانيات التي تتوفر عليها بلادنا لتجاوز هذه الأزمة بأقل الخسائر. ولهذا الغرض على بلادنا أن تعمل على توفير الشروط من أجل “تحويل الأزمة إلى فرصة حقيقية، بهدف تحقيق انطلاقة جديدة تستند إلى أسسٍ سليمة ومتينة من شأنها التمكين من إطلاق زخم جديد ووضع الاقتصاد الوطني في مسارِ نـمـو قوي ومستدام وشامل”.
هذا يعني أن على بلادنا مواصلة مباشرة الإصلاحات الهيكلية الجارية وتسريعها، وإطلاق إصلاحات أخرى. بهذا الصدد، يسجل التقرير بأسفٍ التأخرَ الحاصل في أجرأة القانون إطار المتعلق بالتعليم، بالنظر إلى كون العديد من مراسيمه التطبيقية لم تخرج بعد إلى حيز الوجود. وهو ما ينسحبُ أيضا على الجهوية المتقدمة التي تعرف تعثرات، أساسا بسبب العجز في توفير الموارد البشرية ذات الجودة اللازمة. كما ينبغي السير قدما بالإصلاح الشامل للقطاع العمومي إلى نهايته، وأساسا عبر تحسين نمط الحكامة، وتبني الصرامة اللازمة في ربط المسؤولية بالمحاسبة. وقد تم الشروع في هذا الإصلاح الهام من خلال المصادقة على القانون إطار المتعلق بالموضوع.
وقد حظيت هشاشة النسيج الاقتصادي بأهميةٍ خاصة في متن التقرير “إنَّ تقوية هذا النسيج يتطلبُ التصدي لبعض الممارسات التي تُعيقُ العملية السليمة للتدمير الخلاق، والتي تؤثر سلباً، وأيضا، على تنافسية الاقتصاد الوطني. ويتعلق الأمر، أساساً، بالمُنافسة غير المشروعة، والتهرب الضريبي، وغياب الشفافية، والدعم غير المُجْــدِي اقتصاديا واجتماعيا من حيث مردوديته، والذي يتحول في أغلب الأحيان إلى مصدر حقيقي للريع”. ذلك مع التأكيد على محاربة الرشوة من خلال تنزيل أهداف الإستراتيجية الوطنية في هذا المضمار. كما أن التقرير يؤكد أيضا على ضرورة استكمال المصادقة على الميثاق الجديد للاستثمار، وإصلاح مدونة الشغل، والمصادقة على القانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب.
أمَّا الورشُ الأخيرُ الذي يتوقف مطولا عنده التقرير الذي نحن بصدده، فيتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية التي أطلقها عاهلُ البلاد: “وبالنظر إلى أبعاده المتعددة وانعكاساته المتوَقعة على المستوى المعيشي للساكنة، وعلى التماسك الاجتماعي، وإدماج الأنشطة غير المُهيكَلَة، فإن من شأنه أن يمكنَ المغرب من تحقيق قفزة نوعية في مجال التنمية البشرية، وكذا في مجال التنافسية والنمو”.
غير أنَّ إخراج هذا الورش إلى حيز الوجود يظل، بالنسبة للسلطاتِ العمومية وكافة الأطراف المعنية، تحدياً كبيراً بالنظر إلى الإمكانيات الهائلة التي يتطلبها. ولذلك لم يغفل التقرير التطرق إلى إشكالية التمويل، بالنظر إلى وضعية المالية العمومية والمستوى المُقلِق للمديونية العمومية.
يتعلق الأمر، إذن، بضرورة تعبئة موارد إضافية من أجل تمويل هذه المشاريع، من دون اللجوء إلى الحل السهل المتمثل في المديونية،حتى لا نرهن مصالح الأجيال القادمة. وهكذا، فخلال سنة 2022 لوحدها، تقدر الموارد الإضافية الواجب رصدُها حسب وزير الاقتصاد والمالية ب21 مليار درهماً، تتوزع كما يلي: 8.4 مليار درهماً لصالح تعميم التأمين الصحي عن المرض؛ و6.5 مليار درهماً كنفقاتٍ للموظفين؛ و3.5 مليار درهماً نفقاتٍ للمقاصة؛ و1.8 مليار درهماً لصالح التعليم والصحة؛ و800 مليون درهماً لفائدة بعض المشاريع في طور الإنجاز.
ولتعبئة كل هذه المبالغ الإضافية يقترح الوزير أربعة سبل: ترشيد النفقات بما في ذلك التقليص من نمط عيش الإدارة؛ مساهمة صندوق محمد السادس للاستثمار؛ إقرار تدابير جبائية جديدة تخصص لتمويل تعميم الحماية الاجتماعية “كما حدث ذلك خلال هذه السنة 2021)؛ اللجوء إلى التمويلات المبتكرة ” أنظر عرض الوزير أمام لجنتي المالية بالبرلمان بتاريخ 28 يوليوز 2021 حول تقدُّم تنفيذ ميزانية سنة 2021 وإعداد ميزانية سنة 2022 وتقديم الإطار الماكرو اقتصادي للفترة 2022-2024″.
وبالعودة إلى تعميم الحماية الاجتماعية، فإنَ المجهود المالي المطلوب خلال السنوات الثلاث المقبلة يـقدر غلافه بمبلغ 50 مليار درهماً !
لا شك في أن الإصلاحات الهيكلية تعتبر ضرورية للبلاد، والبعض منها كان مبرمجا منذ سنوات خلت دون أن ترى النور،نظرا للتشنجات التي تثيرها والتخوفات التي تـبعث عليها. وينطبق ذلك على الإصلاحات المتعلقة بنظام التقاعد وصندوق المقاصة ومدونة الشغل… إنها إشكالياتٌ ذاتُ حساسية كبرى، تتطلب مقاربات تشاركية واستشاراتٍ اجتماعيةً على أوسع نطاق، قصد التوصل، لِم لا، إلى توافقات عريضة وإيجابية وبناءة.
ذلك ما يبين رهان الانتخابات القادمة وأهمية الحكومة التي ستنبثق عنها. ولقد كان والي بنك المغرب محـقا حينما ركز على ضرورة “بروز نخبة قادرة على تدبير عدة مشاريع كُبرى في نفس الوقت، وتتوفر على صفات القيادة اللازمة لضمان تجانس وتناسق الأوراش قيد التنفيذ”.
إن المغرب في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى حكومة متجانسة تتكون من كفاءات مخلصة لمصالح الوطن وقادرة على التطبيق السليم للتوجهات الاستراتيجية لملك البلاد بصفته رئيساً للدولة.

< بقلم: د. عبد السلام الصديقي

Related posts

Top