التقرير السنوي لمرصد “عيون نسائية” يدعو إلى وضع حد لعزلة النساء في مواجهة العنف

طالبت مجموعة من الفاعلات النسائيات بوضع حد لوضعية التهميش والعزلة التي تعيشها النساء المعنفات بمختلف مناطق البلاد، وخاصة في العالم القروي. واعتبرت المتحدثات خلال لقاء تقديم التقرير السنوي لمرصد “عيون نسائية” حول العنف ضد النساء بالمغرب، أن معظم ضحايا العنف يقفن “وحيدات” في مواجهة معنفيهن. ودعين مجددا إلى تحمل الدولة لمسؤوليتها في هذا الصدد وتفعيل سياسيات وبرامج وميزانيات عمومية لتوفير الوقاية والحماية والدعم للنساء ضحايا العنف.
وقالت نجاة الرازي رئيسة “الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء”، في لقاء أول أمس الأربعاء بالدار البيضاء، تم خلاله تقديم التقرير الذي اختير له عنوان “نساء وحيدات في مواجهة العنف” أن أغلب الضحايا لا تتوفر لهن المعلومة الكفيلة بتوجهيهن إلى الجهات التي تضمن حقوقهن، وبالتالي فإنهن يبقين صامتات لسنوات طويلة حتى يفيض بهن الكيل أو يتعرضن للأذى وربما تتعرض حياتهن لخطر الموت. وحتى عندما تتوفر المعلومة، فإن أغلبهن يعانين من الهشاشة وبالتالي يعجزن عن الوصول إلى تلك الجهات فيستسلمن لقدرهن. ومنهن من تصل إلى مراكز الشرطة والمستشفيات هربا من العنف وطلبا للحماية ولكنهن لا يجدن أذانا صاغية.. “نساء وحيدات” أمام المحاكم وأحيانا في غياب المساعدة القضائية، وحيدات أمام تخلي الأسرة عنهن ونبذ المجتمع لهن..
وأرجعت ممثلة جمعية “السناء النسائية” بالجديدة، التي قدمت خلال اللقاء تقريرا حول الحالات الوافدة على مراكز الاستماع التابعة للجمعية، أن النساء القرويات يعشن عزلة أكبر في المجتمع وفي مواجهة العنف، لأنهن ضحايا عنف مزدوج، عنف الزوج وعنف عقلية محافظة وذكورية تكرس دونية المرأة وتبعيتها للرجل، كما تكرس ثقافة الإفلات من العقاب حيث تستسلم هؤلاء النساء لمصيرهن، لاعتقادهن أن العنف أمر عادي فلا يتوجهن إلى مراكز الاستماع إلا في حال أصبح يهدد سلامتهن الجسدية. كما تتعرض هؤلاء النساء بنسبة كبيرة إلى عنف أسرة الزوج التي تلقي باللائمة دوما على المرأة في كل ما يحدث بينهما من خلافات.
وقامت مجموعة من ممثلات الجمعيات النسائية بمناطق أخرى من المغرب، على رأسها مناطق الجنوب (آيت عميرة آيت ملول)، بني ملال، مكناس، الدار البيضاء، فضلا عن معابر التهريب بباب سبتة، حيث تواجه النساء في مختلف تلك المناطق مظاهر عنف بشعة على مستويات عدة، منها الاقتصادي والجسدي والجنسي والنفسي والقانوني والمؤسساتي وغيرها.
وبلغة الأرقام، لفت التقرير إلى أن العنف يمس شريحة الشابات (15 إلى 28 سنة) بنسبة أساسية تصل إلى 35 بالمائة من الحالات الوافدة على مراكز الاستماع، والتي تصل إلى أزيد من 1000 حالة سنويا بالنسبة إلى المراكز التابعة للجمعية المغربية الدفاع عن حقوق النساء وحدها. وتفيد الإحصائيات أن نسبة تعرض الشابات للعنف الجنسي، تحديدا، هي أكثر ارتفاعا مقارنة مع الفئات العمرية الأخرى، كما أن أفعال العنف الجنسي من اغتصاب ومحاولة اغتصاب وتحرش جنسي واغتصاب زوجي، تحتل الصدارة في ترتيب أفعال العنف التي تتعرض لها النساء اللواتي يقل سنهن عن 18 سنة. وسلط التقرير بالمناسبة الضوء على الآثار المدمرة للعنف الجنسي، ففضلا عن العواقب الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على المرأة المعنفة عموما، يفضي العنف الجنسي أيضا إلى الوحدة المفروضة قسرا على الضحية خوفا من الفضيحة أو من الانتقام أو من نبذ الأسرة ووصم المجتمع لها.
كما كرس التقرير حيزا مهما للنساء العاملات في الضيعات الفلاحية بمنطقة الجنوب، واللواتي يواجهن صنوفا من العنف على رأسها العنف الاقتصادي والهشاشة من خلال عملهن كمياومات في الحقول، وعنف حوادث السير القاتلة التي تعرفها تلك المناطق، والعنف القانوني المتمثل في عدم تفعيل مقتضيات مدونة الشغل واغتصاب حقوق العمل، فضلا عن التحرش واغتصاب الجسد وكذا حقوق الأطفال الناتجين عن ذلك الاغتصاب، إذ تواجه الأم وحدها مصاعب إثبات النسب والاعتراف بالأبناء… وبلغ عدد العاملات الزراعيات المصرحات بتعرضهن للعنف بالمنطقة 633 عاملة زراعية حسب معطيات “مركز المرأة والطفل” هناك، أغلبهن شابات تتراوح أعمارهن ما بين 19 و38 سنة بنسبة 74 بالمائة، مورس عليهن 4211 فعل عنف بمعدل وصل إلى حد 7 أفعال عنف لكل ضحية عنف.
ودعت الفاعلات النسائيات مجددا إلى تحمل الدولة لمسؤوليتها كاملة في مواجهة العنف المسلط على النساء المغربيات اللواتي يشكلن نصف المجتمع، وإلى اعتباره ظاهرة لا تضر بنصف المجتمع فقط بل بالمجتمع كله من خلال كلفتها الاجتماعية والاقتصادية والتنموية عموما. واعتبرت المتحدثات، والمتحدثون من رجال وشباب شاركوا في اللقاء، أن الدولة مطالبة بتفعيل الالتزامات المنوطة بها من أجل وضع حد للظاهرة عبر تعزيز السياسات العمومية وتفعيل الميزانيات والبرامج الخاصة بالوقاية والحماية والدعم والتكفل بالنساء ضحايا العنف، وتوفير جميع الوسائل الضرورية لتأهيل المجتمع وتحريره من العقلية الذكورية المهيمنة على برامج التربية والتكوين والإعلام والتنشئة الاجتماعية، مع الإشراك الفعلي لجمعيات المجتمع المدني في هاته المجهودات.

< سميرة الشناوي

Related posts

Top