التنشيط الثقافي عن بعد.. بما له وبما عليه

يعد بلدنا من بين البلدان السباقة للانخراط في تكنولوجيا الاتصال الرقمي، حيث واكب هذا التطور عبر أجياله المسترسلة، وهو يسير حاليا بخطى ثابتة لاستغلال الجيل الخامس من هذه التكنولوجيا.
وعلى إثر الظروف الاستثنائية التي فرضها وباء كوفيد 19، حيث الحجر الصحي والعمل عن بعد؛ ارتفعت نسبة استغلال تكنولوجيا الاتصال الرقمي من طرف مختلف الطبقات الاجتماعية، حتى الفقيرة منها: أنعم به وأكرم للشركات الفاعلة في هذا القطاع.
منذ حوالي عشرة أشهر، ظلت ولا تزال العديد من الفضاءات مغلقة، غير أن تركيزي هنا سينصب على الفضاءات الثقافية: المسارح، قاعات السينما، قاعات المحاضرات.. وغيرها.
كان لهذا الإغلاق تأثير سلبي على الإنتاج الإبداعي في مختلف تلك الفروع.
وقد تكتل بعض الفنانين وصاغوا نداء للمطالبة بإعادة فتح هذه الفضاءات حتى يتسنى لهم مواصلة نشاطهم الفني، سيما وأنه مرتبط بمعيشهم اليومي، ولسان حالهم يقول: قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق.
صحيح أن من بين هؤلاء المتضررين من حصل على دعم مادي من طرف الوزارة الوصية على قطاع الثقافة، لكن تبين أن هناك أسماء كثيرة تستحق الدعم والمساندة في هذه الظروف الصعبة، لكنها حرمت من ذلك.
وفي كل الأحوال، فإن سياسة الدعم لا يمكن أن تحل المشاكل في ظل استمرار إغلاق الفضاءات الثقافية التي تعد المجال الطبيعي لعرض المنتوج الإبداعي وترويجه.
لكن لحسن الحظ أن بعض الجمعيات المهتمة بالشأن الثقافي لم تقف مكتوفة الأيدي، بل تحركت وصارعت من أجل ضخ دماء جديدة في حركتنا الثقافية والفنية، وإن تم ذلك بشكل متأخر، لكن كما يقال: الخير وقت ما جا ينفع.
ففي الوقت الذي اختارت بعض الجمعيات الطريق السهل، وهو تأجيل مواعيدها حتى إشعار آخر، بسبب كورونا كذا.. نجد جمعيات أخرى قد عقدت العزم على الوفاء بتنظيم أنشطتها في مواعيدها المضبوطة، مستغلة في ذلك التكنولوجيا الرقمية، ووزعت فقرات برامجها بين التنشيط عن بعد والتنشيط الحضوري الذي لا يتعارض مع التدابير الاحترازية المفروضة: التباعد الاجتماعي وما إلى ذلك.
بعض الجمعيات صارت أنشطتها جد مكثفة منذ أن بدأت تنظمها عن بعد، بمعدل نشاط كل يوم، على سبيل المثال: بيت الشعر في المغرب الذي بات ينشر بين الفينة والأخرى إعلانا عن لقاء شعري جديد، إلى حد أنه أصبح من الصعب مجاراة لقاءاته، بعد أن كانت تتسم بالندرة، لعل التنشيط الثقافي عن بعد، أكثر مرونة من الحضوري، حيث لا يتطلب تحضيرات لوجيستيكية معقدة.
لكنه في المقابل بات على المتلقي أن يدفع الثمن لشركات الاتصال، لأجل متابعة هذه الأنشطة، بعد أن كان يحضر لمعظمها بالمجان، علما بأن استهلاك الفيديو أكثر كلفة من غيره.
العديد من الجمعيات في مختلف الفروع وجدت ضالتها في التواصل الافتراضي، لكن إلى أي حد يمكن لهذه الصيغة الافتراضية في التنشيط الثقافي أن تكون بديلا عن الحضوري؟
طبعا، من السابق لأوانه إعطاء تقييم لهذه التجربة المستجدة في حياتنا الثقافية، بل لا بد من انتظار حصول تراكم معين لأجل تكوين صورة شمولية عنها وبالتالي الحكم على مدى ما حققته من نجاح.
هناك بالتأكيد إكراهات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون شاشة الهاتف أو شاشة الألواح الرقمية بديلا عن قاعات المسرح والسينما والتشكيل ووو..وعيا بأن بعض الفنون نشأت لأجل أن تكون مناسبة للتقارب الاجتماعي وليس للتباعد.

< عبد العالي بركات

Related posts

Top