الثقافة في زمن كورونا

المتتبع للمشهد الثقافي، منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، الذي فرضه وباء كورونا المستجد إلزاما لا طوعا. علقت وأجلت جميع الأنشطة الثقافية ذات الصبغة الجماعية، في القاعات العمومية وما شابه ذلك.
ومع ذلك فالفاعل الميداني لم يبق مكتوف الأيدي، بل بحث عن بدائل من أجل الاستمرار وإسماع صوته ولو من داخل الحجر. وفي هذا السياق تم الالتجاء إلى بدائل إلكترونية بتسجيل فيديوهات برمجتها عن بعد، أو اعتماد تقنية المنصات الرقمية التفاعلية بإحياء أمسيات شعرية طربية مباشرة. هذه الممارسة لم تقتصر على الجمعيات فحسب، بل تعداه إلى مؤسسات رسمية. انخرطت فيها الجماعات الترابية في إحياء ليالي رمضان كتقليد دأبت عليه بموازاة اللقاءات الفكرية. كما انخرطت في العملية وزارة الثقافة في شخص مديرياتها الإقليمية ببرمجة أمسيات ثقافية مع شركاء ممارسين في الحقل الثقافي، أو برمجة عرض معرض تشكيلي عن بعد، بدعوة أحد الفنانين لمدهم بمنتوجه الفني.
الناظم المشترك لهذه الممارسات كما جاء على لسان بعض منظميها، تحطيم روتين الحجر الصحي، وهي دعوة صريحة للاستمرارية في الأنشطة ، في تقديري الشخصي، ولو من خارج برامجها السنوية المسطرة سلفا ، ليبرز الارتجال الذي شرعنه واقع الحال.
أمام هذه الجهود المبذولة، نبحر في مواقع وصفحات هؤلاء الفاعلين علنا نجد أثرا لبرامجهم في صفوف المبحرين في عالم الانترنيت. للأسف يعترضنا مؤشر المتابعة والمتراوح بين المتوسط والهزيل أحيانا، مما يدفعنا إلى طرح أسئلة جوهرية من قبيل، لماذا هذا الفتور في المتابعة؟ هل المشاهد في هذه اللحظة يبحث عن وسائل تحصيل القوت اليومي بعيدا عن الثقافة؟ أم أن هذه الرامج لا ترقى لتطلعات المتتبعين مما يجعلهم يغضون الطرف عنها؟
حسب رائز الملاحظة البصرية والتتبع ، وهذا رأي يلزمني ككاتب هذه السطور من موقع المهتم والغيور على الفعل الثقافي، هذه الأشكال لم ترق إلى متطلعات المشاهدين في الإجابة عن همومهم من داخل الحجر الصحي، لكونها احتفظت بالطابع الفلكلوري الطربي والموضوعات التقليدية موضوعا وتقديما ولم تستجب لروح البدائل الجديدة، على اعتبار أننا ما زلنا حديثي العهد بعقلية التقنيات الرقمية التفاعلية. ناهيك عن الجانب الموضوعي المتمثل في ضعف الصبيب وهزالته، مما يساهم في نفور المتتبعين لهذه اللقاءات المباشرة.
وبالعودة إلى جانب الندوات الفكرية، سجلنا حضورا وازنا مقارنة مع الأمسيات الشعرية رغم قاسم الصبيب ، لكون هذه الندوات كانت تعالج قضايا آنية سواء في الجانب الاجتماعي أو الحقوقي أو التنموي، قوتها في ذلك هو محاولتها رسم خريطة طريق للوضع الراهن لكورونا وما بعدها. لكونها كانت تشخص الوضع وتطرح البدائل، وتستشرف الآفاق. موازاة مع هذه الأشكال كذلك، لا بد من الإشارة إلى الكتب الالكترونية المنجزة في المرحلة سواء كانت فردية أو جماعية، تصب في نفس اتجاه التعبير عن لحظة الجائحة لتكون شاهدة على تاريخها وتجلياتها .
خلاصة القول، إذا كان الإنسان يستنشق الهواء النقي من رئتيه، فالثقافة هي الرئة النقية التي يتنفس منها المجتمع، لذا على الفاعلين الثقافيين أن يحترموا البيئة التي تنبت فيها الثقافة الهادفة والمنتجة للقيم، ويتجنبوا كل ما من شأنه أن يساهم في تلويثها من أجل زرع القيم المعيارية التي بها ترقى الأمم. كما يجب أن يستلهموا تطورات روح العصر لمواكبة الإرشادات الجديدة للثقافة.

> بقلم: عبدالله ستيتو

Related posts

Top