الثورة السورية تغيرت.. ومعسكر أعدائها أيضا

مع الصعوبـات الكثيرة التي واجهتها قوى الثورة في إنهاء التفرد المطلق للنظام السوري بالحياة السياسية، أصبحت على قناعة بضرورة تخفيض سقف الطموحات والأهداف المرجوة.
ست سنوات من الحرب الواسعة والمستعرة في سوريا، جعلت بشار الأسد منفتحا على فكرة المشاركة في حكم البلاد.
ليس منفتحا على فكرة مشاركة السوريين بالطبع، وإنما على مشاركة حلفائه، روسيا وإيران وحزب الله، الذين باتوا يتمتعون بسلطـة فعلية على الأرض السـورية، وربما يكونوا قد دخلوا مرحلة التنافس على تقاسم تلك السلطات.
كان لافتا ما أثير قبل أيام قليلة عن منع عناصر من حزب الله اللبناني وفدا روسيا من الوصول إلى منطقة وادي بردى في ريف دمشق.
الأكثر غرابة هو أن الوفد الروسي المكون مـن أربعة ضباط كان برفقة أحد ضباط النظام السوري.
يتعدى الأمر منع عناصر حزب الله الوفد الروسي من الوصول إلى وادي بردى إلى خرق مستمر وفاضح للهدنة التي أعلنتها روسيا بالتعاون مع تـركيا، ووافقت عليهـا كل من إيران والنظام السوري رسميا.
هنا يبدو واضحاً تفارق المصالح الروسية الإيرانية والتنافس على المزيد من السلطة على الأرض لخدمة تلك المصالح والدفاع عنها.
قامت الثورة السورية من أجل إنهاء التفرد المطلق للنظام السوري بالحياة السياسية. ولكـن مع الصعوبـات الكثيرة التي واجهتها في تحقيق تلك المهمة، أصبحت قوى الثورة على قناعة بضرورة تخفيض سقف الطموحات والأهداف المرجوة.
منذ عامين تقريبا، بات مقبولا، على نطاق واسع، تخفيض صلاحيات وسلطات نظام بشار الأسد وتغيير هيكليته من دون إسقاطه.
 اليوم، تحقق الهدف بصورة ما، إذ تآكلت صلاحيات بشار الأسد لصالح حلفائه من جهـة، ولصالح الشراكات التي تعقدها روسيا وأميركا مع أطراف محلية من جهة أخرى.
الطرف المحلي الأول هو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يسيطر على مساحات كبيرة من شمال سوريا بدعم أميركي.
قرر الحزب الكردي حديثا تمتين علاقاته بصورة أكبر مع روسيا التي تبدو في طريقها لتصبح اللاعب الأهم في سوريا والذي يوفر الحماية التامة وغير الخاضعة للتقلبات لحلفائه.
الطرف الآخر هو فصائل الجيش الحـر المتحـالفة مع تركيا وروسيا في شمال سـوريا، والتي باتت تتمتـع بمنطقة نفوذ آخذة بالاتساع وقد أصبحت فعليا خـارج نطـاق العمليات العسكرية لنظـام الأسد وإيران وحزب الله.
العامل الأكثر تأثيرا في اندلاع واستمرار الحرب السورية، بل وحتى الشكل شديد العنف الذي اتخذته هو طبيعة نظام الأسد الرافض للتسـويات بما هي مشـاركة سياسيـة مع قوى مختلفة.
هكذا وجد الشعب السوري نفسه أمام خيارين؛ إما حتمية حمل السلاح، أو الاستسلام لخيار الموت الذي أطلقـه النظام السوري.
أما اليوم ومـع تراجع سلطات النظام، وفرض قيود دائمة على نشاطه العسكري في شمال سوريا، وقيود مؤقتة ربما تصبح دائمـة لاحقا بفعـل الهدنـة الروسية – التركية، ربما يساعد ذلك على فتح أفق لتسوية ما.
لا نتحدث هنا عن تحقيق مطالب الثورة السورية، ولا حتى عن تسوية عادلة، وإنما عن توقف الحرب الدائرة، وحدوث مشاركة سياسيـة لقـوى متعددة في السلطـة الجـديدة.
لا شك في أن التنـافس الحالي في صفـوف حلفاء النظـام على نفوذ أكبر داخـل السلطة الجديدة والذي يبدو أنه سيشتد خلال الفترة القادمة سوف يعقد التوصل إلى تلك التسوية ويؤجل حدوثها من دون أن يمنعها في نهاية المطاف.
كان نظام بشار الأسد مدركا لخطورة المشاركة العسكرية لقوات الحلفاء، وخصوصا لناحية تحولها في يوم ما إلى مشاركة سياسية.
 لذا، كان النظام السوري يفرض قيودا على الميليشيات التي تتشكل لتدافع عنه من خارج الجيش السوري النظامي.
بعد العام الثاني للثورة، بدأت ميليشيات الدفاع الوطني تتشكل في المناطق المؤيدة للنظام وتلقت تمويلا من النظام بشكل محدود ومن رجال أعمال مقربين منه بصورة أكبر.
ولكن النظام السوري أدرك، لاحقا، خطورة تشكل أجسام عسكرية خارج سيطرته، فحاول إعطائها طابعا رسميا يـربطها بالمؤسسـة المـركزية، مـن خـلال اللباس الموحد أو القيادة الهـرمية الـذي يحظى بتأثير عليها أو المراسـلات الرسمية. كمـا منعهـا مـن الحصول على الســلاح الثقيـل حيث حصـر استخـدامه بالجيـش السوري.
مع دخول إيران والميليشيات الشيعية إلى ساحة المعركة تغير المشهد وفقد النظام السوري نفوذه، وراحت تلك التشكيلات تصبح مستقلة بصورة متزايدة.
 روسيا، بدورها، باتت تحظى بنفوذ عسكري وسياسي في سوريا بصورة مستقلة عن بشار الأسد، ولكنها تتطلـع إلى زيادة نفوذها. قبل نحو شهرين تم تأسيس ما يعـرف بـ“الفيلق الخامس – اقتحـام” بإشراف روسي.
تُولي موسكو هذا التشكيل العسكري أهمية خاصة ضمن خطتها المستقبلية لتكريس وتوسيع نفوذها في سوريا. يقـوم النظـام السوري وروسيا، حـالياّ، بتشجيع السوريين غير المنضوين ضمن الجيش أو الميليشيات على أن ينضموا إلى صفوف “الفيلق الخامس- اقتحام”، وهو ما يثير قلق إيران.
يبدو أن الصراع داخل صفوف الحلفاء سوف يشهد دورات صعود وهبوط خلال المرحلة القادمة، ومن المرجح أن يسفر عن تغييرات هامة في شكل النظام السوري وتوزيع السلطات ومناطق النفوذ بين داعميه. ليست الثورة السورية التي تغيرت وتتغير فحسب، بل معسكر أعدائها أيضا، وإن بوتيرة أقل.

السعدي سلام*
* كاتب فلسطيني سوري

Related posts

Top