الجنون الجميل!

نعتت بعض وسائل الإعلام إعلان دوق ودوقة سسكس، الأمير هاري وزوجته ميغان تنازلهما عن مهامهما كعضوين بارزين في العائلة الملكية البريطانية ورغبتهما في العمل لتحقيق الاستقلال المالي، بالقرار الصادم، فيما وصفه الكثيرون من عامة الناس بالتصرف الأحمق والمجنون، لكن ربما ما فعلاه قد لخصه روبين شارما، مدرب التنمية الذاتية ومؤلف كتاب “دليل العظمة” في مقولته الشهيرة “إذا لم يشك شخص واحد أسبوعيا بأنك مجنون فأنت لا تحدث تأثيرا حقيقيا في هذا العالم!”.
لا شك أن هاري وميغان يعرفان ماذا يريدان ووحدهما القادران على توجيه حياتهما وفق المسار الذي يعتقدانه صحيحا، ومن الرائع أيضا أن يشذ الملوك والرؤساء قليلا عن القاعدة والبروتوكولات الروتينية، ويعيشون حياتهم كما يحلو لهم، بعيدا عن تدخلات المتطفلين.
لكن ما هو مؤكد أن القوة الرئيسية التي تجعل الشخص عموما يتحرك بعكس مسار حياته المعتاد هي الرغبة في “تحقيق الذات”، فأحيانا لا تسير الحياة كما نحلم أو نخطط لها، كما أن الزمن لا يمكن أن يعود أبدا إلى الوراء، ليتيح لنا اختيار طريق جديدة، لكن مع ذلك فإن الكثير من الأمور يكمن حلها عند استيعاب معنى أول درس في المراهنة، فالمراهن الذكي هو وحده الذي يعرف دائما متى ينسحب.
رغم أنني لست من عشاق المراهنات ولا أنصح بها، إلا أنني أعتقد أن الحياة تشبه المراهنات، والمراهن الجيد في الحياة، هو الشخص الذي يقوم دائما بعملية جرد للقرارات غير الصائبة مع الأخذ في الاعتبار النتائج التي كانت ستترتب لو اختار المسار البديل، أي أن يقارن بين ما حدث بالفعل وما كان يمكن أن يحدث لو لم يتخذ ذلك القرار من البداية، بحيث تصبح القرارات الفاشلة سببا للتقدم بشكل أفضل في المراحل والمحطات القادمة من الحياة.
ومن الملاحظ، أن البعض من الأشخاص عندما يتعرضون لتجارب صعبة وانتكاسات سواء في حياتهم الشخصية أو المهنية يصابون بالإحباط وقد يلحق بهم ذلك متاعب نفسية تعيق تقدمهم، لكن هناك من الناس من يحول تلك الصدمات والتجارب الصعبة في الحياة إلى طاقة إيجابية، وكأن صراعهم مع مشاعرهم السلبية قد طور لديهم قدرات خارقة تتحدى الجاذبية ورفعتهم لمصاف عليا لاحقا.
الحياة صعبة ومليئة بالمشكلات والإخفاقات ووحدهم من يمتلكون ما يطلق عليه العلماء “هامش المرونة” وهو القدرة على تطويع الذهن بشكل إيجابي، ما يساعدهم على تجاوز هذه العثرات ومواجهة تأثيراتها والتكيف معها.
على الجانب الآخر، فإن البعض الآخر ممن لا يمتلكون هذا الهامش من المرونة يصعب عليهم في الغالب أخذ العبرة من دروس الحياة الصعبة ومحاولة البدء من جديد. ولهذا السبب يحذر بعض خبراء التنمية البشرية من مغبة عدم ترك الأطفال يتعرضون للإخفاق أحيانا، فالأطفال عموما في حاجة إلى بعض التجارب الصعبة التي تساهم في تشكيل مشاعر المرونة والتكيف لديهم، فيتعلّمون من خلال ذلك كيف يسيطرون على المواقف الصعبة لاحقا.
في نهاية المطاف، علينا أن نكون أكثر تسامحا مع أنفسنا ولا نتعامل معها بقسوة عندما تحدث إخفاقات في حياتنا خارجة عن إرادتنا، وفي جميع الأحوال، هناك دائما فرصة بدل الضائعة لتصحيح الأخطاء القديمة والبدء من جديد على مسار تحقيق الأهداف المنشودة.
ولعل فريدريك نيتشه كان محقا حينما قال “إن ما لا يكسرنا يقوينا”.

 بقلم: يمينة حمدي صحافية تونسية

الوسوم ,

Related posts

Top