الجيش الأبيض سلاح العرب لمواجهة تسونامي كورونا

يواجه العالم “تسونامي كورونا” بإمكانيات صحية متفاوتة، وكان وقع أزمة كورونا على العالم العربي أشد من الغرب في ظل ضعف البنية الصحية، وأكثر قسوة على مناطق الصراع ومخيمات اللاجئين بالمنطقة.
ورغم ما يشكله هذا الوباء من تحدّ مضاعف أمام المنطقة العربية الغارقة في الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن الكفاءات الصحية العربية من المحيط إلى الخليج تشكل نقطة مضيئة في هذا المجال، حيث يصارع الأطباء العرب بإمكانيات محدودة وفي قطاع هش لإنقاذ أرواح المصابين، وفي بعض الدول قد لا تحظى الطواقم الطبية بالحماية الكافية ما يجعل مهمتها محفوفة بالمخاطر ويعرض حياتها للخطر.
وشكلت أوضاع قطاع الصحة بالعالم العربي وظروف عمل الأطباء في ظل أزمة كورونا، محور حوار أجرته مجلة “العرب” مع رئيس اتحاد الأطباء العرب عمر عياش. اختار رئيس اتحاد الأطباء العرب أن يتطرق في البداية إلى تداعيات الأزمة الصحية الطارئة على أوضاع اللاجئين.
ولفت عياش إلى أن الأوضاع الصحية في مناطق اللاجئين والنازحين تقع مسؤوليتها على منظمات الإغاثة الدولية بشكل رئيسي وبالتعاون مع السلطات المحلية، بينما يشارك اتحاد الأطباء العرب في تأمين فرق طبية والسلامة الغذائية بعدة مخيمات للنازحين داخل أكثر من دولة.
شكل اتحاد الأطباء العرب خلية أزمة لمجابهة كورونا مع ظهور المرض، تضم متخصصين في الأمراض الوبائية والجرثومية، وتتبادل المعلومات والمستجدات الوقائية والعلاجية والخبرات والإشراف على المساعدات المرسلة إلى المناطق المنكوبة.
وفيما ذكرت تقارير إعلامية أن بلدا مثل اليمن الذي يعاني أزمات عدة لم يصل إليه الفايروس بعد، يعتقد عياش أن عدم وجود إصابات عديدة حاليا بالدول التي تشهد حروبا مثل اليمن وسوريا وليبيا يعود إلى غياب آلية التشخيص والرصد الناجم عن الأزمات الداخلية، كما لم يستبعد تجنب الإعلان عن الإصابات لأسباب أمنية، ولعدم قدرة المنظمات الدولية على التصرف والتحرك بحرية وأمان داخلها والقيام بدورها في المساعدة.
قدم اتحاد الأطباء العرب توصيات تبنتها غالبية الحكومات مع مطلع مارس الماضي ضمن الجهود العربية لاحتواء الوباء، من بينها الالتزام التام بالعزل المنزلي والرقابة الصارمة وفرض الغرامات على المخالفين، واقترح منصة لتبادل الخبرات الطبية والعلاجية والمعلومات عن فايروس كورونا، وأطلق دعوات للترفع عن كل الخلافات والنزاعات وتوحيد الجهود في مكافحة الوباء.
 وأشاد عياش بجهود الكفاءات الطبية العربية للتصدي لهذا الفايروس. لافتا إلى أن الطواقم الطبية في الخليج العربي أظهرت قدرة عالية على مواجهة الأزمة بسبب توافر التقنية العالية وتوافر المعدات الطبية اللازمة لعلاج الإصابات الحرجة وقرارات الاحتواء السريعة مثل الإجراءات الصارمة للعزل المنزلي، ما مكنها من التعاطي مع أعداد الإصابات التي ظهرت في البداية بسبب الوافدين الأجانب.
 وكانت مصر والجزائر قد اتخذتا منذ بداية الأزمة تدابير الوقاية في المطارات والحدود والمرافئ بسرعة ما ساهم في تخفيف وطأة الانتشار.
واعتبر عياش أن الأزمة الصحية تبنه العالم العربي بضرورة امتلاك صناعات محلية للأجهزة والمستلزمات الطبية، فالعالم يخوض حاليا معركة لتوفير كميات هائلة من أجهزة التنفس الصناعي والقفازات والأقنعة والكحول الإيثيلي، ولن يسمح بتصديرها للخارج إلا بعد تحقيق احتياجاتها الكاملة منها أولا.
 واستشهد بتجارب بعض الدول العربية لاحتواء كورونا، كتوفير الاحتياجات الملحة للمستشفيات بالتعاون مع القطاع الخاص. وقدم رجال الأعمال في لبنان دعما ماليا للمهندسين والأطباء المحليين لصناعة أجهزة للتنفس الاصطناعي لتعويض النقص في المستشفيات.
وأعتبر عياش أن “أزمة كورونا تعيد الاعتبار لآراء وأدوار الأطباء والصيادلة العرب على صعيد الأمن الاجتماعي كخط أساسي للدفاع عن الصحة العامة، بعدما ظل الاهتمام منصبا خلال السنوات الماضية على الفنانين والرياضيين والسياسيين”.
وأصبح اهتمام وسائل الإعلام منصبا على نتائج تحاليل الأطباء والاكتشافات وتطوير العلاجات الدوائية والوقائية، وحتى رؤساء الدول وجلّ السياسيين باتت إطلالتهم الإعلامية مختصرة وتحتوي غالبا على قرارات ذات صلة بالإحصاءات وإنجازات الفرق الطبية المحلية وتفتح مجالا أكبر للمختصين لإدارة الأزمة الصحية.
وأفاد عياش بأن نقابة الأطباء في لبنان أسست خلية أزمة مركزية بإشراك البلديات والمجتمع المحلي في مواجهة الوباء. وتم إقرار العزل المنزلي لكل المواطنين، وإغلاق كل مرافق التجمع والأسواق والمدارس والجامعات والمرافئ والمطار، وحظر التجول ليلا، وتجهيز مراكز للحجر الصحي.
يواجه الأطباء العرب الشبان ضغوطا متزايدة في أماكن عملهم، إضافة إلى صعوبات مالية كبيرة، مقارنة بمهن أخرة ما يدفع الكثيرين لاتخاذ القرار الأصعب بحزم الحقائب والبحث عن فرص عمل أفضل في الغرب.
وكشفت بعض الدول الغربية عن تقديم إغراءات لجذب الكوادر الصحية من الخارج لمجابهة نقص الطاقم الطبي العامل لديها في مواجهة الانتشار الواسع لفايروس كورونا، ما أثار مخاوف في الدول الطاردة للكفاءات المهنية، بسبب ضعف الرواتب، وغياب التقدير الوظيفي.
 وحذر عياش من أن “غياب التقدير المادي لجهود الأطباء العرب داخل بلدانهم قد يدفعهم للرضوخ والتسليم بأفضلية الهجرة إلى الخارج في ظل الإغراءات المقدمة، ما يتطلب إجراءات عاجلة للحؤول دون هجرة الأدمغة، وتحفيز الأطباء الماهرين وتشجيعهم على البقاء ببلادهم”.
ووفقا لمنظمة العمل العربية، فإن 50 في المئة من الأطباء العرب والمجالات المتعلقة بها هاجروا للخارج، وتستأثر الولايات المتحدة بنحو 39 في المئة من الكفاءات العربية، تليها كندا بنحو 13.3 في المئة.
وخلص عمر عياش في حواره مع “العرب” إلى “أن الإبقاء على الكوادر الطبية محليا مسؤولية جميع الحكومات العربية”. لافتا إلى أنه “لم يقع تقديم حوافز مالية للأطباء الشبان خلال الأزمة الحالية، حيث تعمل معظم الفرق الصحية من منطلق إنساني كمتطوعين في مراكز طبية بعضها يفتقر إلى الاختصاصات اللازمة في أزمة وبائية هي الأسوأ في تاريخ البشرية، حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية”.

Related posts

Top