الحصيلة الثقافية لسنة 2021

انحسار النشر الورقي وتأجيل أبرز التظاهرات وهيمنة التنشيط عن بعد

لعل أول ما يتبادر إلى الذهن عند محاولة الوقوف على الحصيلة الثقافية لسنة 2021 هي أنها كانت بدون طعم.

 لقد طغى خلال هذه السنة كذلك شبح الكوفيد، خصوصا مع ظهور متحورات جديدة، وبات الحديث عن اللقاحات المعززة أكثر الكلمات التي تتردد على الألسن. ظلت السلطات حائرة أمام هذا الوضع اللانهائي وبالتالي كان القرار هو مواصلة فرض حالة الطوارئ الصحية، وهو ما انعكس بشكل سلبي على الحركة الثقافية، شأنها شأن مختلف مناحي الحياة، حيث اضطرت العديد من المؤسسات والجمعيات إلى تأجيل مهرجاناتها وتظاهراتها إلى وقت لاحق، على سبيل المثال: المهرجان السينمائي الدولي بمراكش والمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء والمهرجان الوطني للمسرح، حفل توزيع جائزة أركانة العالمية التي يسهر على تنظيمها بين الشعر بالمغرب..

 وبالرغم من أن التكنولوجيا الرقمية كانت متاحة لتنظيم بعض الأنشطة الثقافية عن بعد، إلا أن العديد من اللجان المنظمة لم تأخذ ذلك بعين الاعتبار وفضلت انتظار رفع حالة الطوارئ الصحية لاستئناف أنشطتها. متى؟ الله وحده يعلم ذلك.

 في حين اهتدى البعض إلى الجمع بين صيغتين في تنفيذ برامجه: قسم من هذه البرامج بالصيغة الحضورية والقسم الآخر بالصيغة الافتراضية.

 تركز الحضوري حول الأنشطة التي يمكن تكييفها مع الطوارئ الصحية، من قبيل الرسم على الجداريات وما إلى ذلك، فيما انصب التنشيط الافتراضي على الندوات والمحاضرات والعروض السينمائية والمسرحية، دون إغفال أن بعض المؤسسات التزمت بتنظيم أنشطتها الثقافية الكاملة بشكل حضوري مع احترام التدابير الوقائية من الوباء، إلى جانب النقل المباشر لتلك الأنشطة نفسها عبر الوسائط الإلكترونية، كما هو الحال بالنسبة للدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي التي توزعت أنشطته على الندوات الفكرية والقراءات الشعرية وحفلات التكريم والعروض التشكيلية والورشات التكوينية وغيرها من الأنشطة، مما شكل تحديا حقيقيا للظروف التي يفرضها الوباء.

وعلى مستوى النشر، فمن الملاحظ أنه خلال هذه السنة التي نودعها على غرار السنة التي قبلها، كان هناك انحسار في الإصدارات الورقية، اعتبارا لأن العديد من دور النشر تفضل طبع مؤلفات جديدة بشكل مواكب للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، وبالنظر إلى إلغاء هذه التظاهرة للمرة الثانية على التوالي، كان من البديهي أن يتم تأجيل إخراج العديد من المشاريع المتعلقة بالنشر.

مع ذلك، برزت هناك بعض الإصدارات التي خلفت صدى طيبا، في مجال الإبداع الروائي على الخصوص.

وفي ما يخص مجال الأغنية، فقد واصل الجيل الجديد حضوره الطاغي في الساحة الفنية من خلال أعمال سينغل والتي يتم عبرها الرهان على تحقيق أعلى نسبة من المتابعة في منصات التواصل الافتراضي.

 وتميزت السنة التي نودعها كذلك بحضور خافت للحركة المسرحية، بالنظر إلى أن قاعات العرض ظلت مغلقة لفترة طويلة، ولم يتسن لمنظمي المهرجان الدولي للمسرح الجامعي بابن مسيك على سبيل المثال تقديم كامل عروضه بشكل حضوري، حيث أن الفرق الأجنبية تعذر عليها السفر إلى المغرب بسبب حالة الطوارئ الصحية وتم الاكتفاء بنقل مشاركاتها عبر منصة التواصل الافتراضي، وهو ما أرغم اللجنة المنظمة على إلغاء المسابقة لعدم تكافؤ الفرص.

 الوضع نفسه تقريبا، عاشته الحركة السينمائية، حيث أن العديد من الأفلام التي أنتجت خلال السنتين الأخيرتين لم يتم عرضها بسبب إغلاق القاعات، وحتى عندما تقرر استئناف نشاط هذه الفضاءات خلال الفترة الأخيرة، فقد تم تقليص نسبة الولوج إليها، دون إغفال تأجيل المهرجان الوطني للفيلم الذي يسهر على تنظيمه المركز السينمائي المغربي. كل ذلك ساهم في إرباك حركة الفن السابع ببلادنا.

 من جهة أخرى، لا نغفل الإشارة إلى أن سنة 2021

 خطفت العديد من رموز الثقافة والفن، وكان أغلبهم ضحايا كوفيد الخبيث: المخرج محمد إسماعيل، المفكر محمد سبيلا، الأديب البشير القمري، الممثل حمادي عمور.. وغيرهم.

  يتضح من كل ما سبق أن الحصيلة الثقافية ببلادنا اتسمت بالتعثر رغم المجهودات التي قامت بها بعض المؤسسات لتحدي الظروف الصحية الصعبة التي تجتازها بلادنا مثل سائر بلدان العالم، غير أنها مجهودات تظل محدودة في غياب انخراط مختلف مكونات مجتمعنا في التنشيط الفعلي للحركة الثقافية بكل أبعادها.  

عبد العالي بركات

Top