الحصيلة….

طبقا لأحكام الفصل 101 من الدستور، عرض رئيس الحكومة حصيلة فريقه أمام مجلسي البرلمان، وهو ما كان يمكن أن يعتبر تمرينا ديموقراطيا ومؤسساتيا عاديا، وأن يشكل أيضا لحظة محفزة على تطوير حوار سياسي عمومي واسع في البلاد، لكن ذلك لم يتحقق، ومرت جلسة المؤسسة التشريعية كأنها لم تقع أصلا.
الذي بقي حاضرا في بال المتابعين لشأننا السياسي الوطني، أن جلسة تقديم الحصيلة غاب عنها العديد من الوزراء المنتمين لمكونات حكومية متحالفة مع حزب رئيس الحكومة، ولم يحضر سوى عدد قليل جدا منهم، كما أن أطراف حزبية مشاركة في الحكومة الحالية تصرفت كما لو أن هذه الحصيلة لا تعنيها أو أنها غير مسؤولة عنها، واستحضرت فقط كون تقديم الحصيلة سيمنح لرئيس الحكومة منبرا إضافيا للخطابة في هذا السياق الانتخابي، ولم تتردد في انتقاد الحصيلة نفسها و مهاجمتها.
وكل هذا لا يمكن وصفه سوى بالعبث واللاسياسة، كما أن السلوك يجسد عنوانا مركزيا من عناوين فشل هذه الحكومة، وعدم قدرتها على توحيد صفوف أغلبيتها، ومن ثم بلورة وتمتين أداء حكومي وعلاقات منسجمة ومحترمة للمنطق، ولفعلية العمل الحكومي الحديث.
التفكك الصارخ الذي تعاني منه الحكومة وأغلبيتها، وتبرؤ عدد من مكوناتها من الحصيلة المعروضة أمام البرلمان، كل هذا لم يترك المجال لأي تحليل للحصيلة في حد ذاتها أو إعمال نقاش عميق ومفصل لمضامينها، وتحول الاهتمام، بالتالي، إلى ضرورة تمكين بلادنا من تحالف حكومي منسجم ومنطقي، ويتم تدبيره ضمن مقتضيات دولة المؤسسات، وبما يعزز النجاعة والفاعلية في العمل والعلاقات، ويبرز المسؤولية المشتركة والتضامنية بين القوى المتحالفة.
نفهم أن انطلاق السباق الانتخابي واشتعال الحملات، ينتج مثل هذه السلوكات والضربات المتبادلة بين الفرقاء، ولكن، في نفس الوقت، هناك دولة لها مؤسسات يجب أن تستمر ويتواصل عملها إلى غاية آخر يوم من عمر ولايتها القانونية، كما أن مناسبة تقديم حصيلة الحكومة أمام المؤسسة التشريعية كان يجب أن تحفز على تقوية الحوار السياسي عبر الإعلام السمعي البصري وفِي مختلف الفضاءات الممكنة، وذلك لضخ نفس جديد في مشهدنا السياسي والانتخابي الوطني، وتمتين ارتباط الناس بالشأن العمومي.
إعلامنا العمومي، مع الأسف، ضيع هذه الفرصة، وزاد في إشاعة الفراغ حوالينا، وبدا الاستعداد للانتخابات محصورا فقط في الجري المتبادل بين بعض الأحزاب بكل المناطق لاستقطاب مرشحين أو الضغط على منافسين محتملين أو توزيع الوعود والإغراءات، ولحد الآن لا وجود لأي محتوى سياسي في النقاش الوطني العمومي المتصل بالاستحقاقات التي لم يبق على موعدها سوى شهور قليلة.
الحكومة أضافت إذن لعناوين فشلها عنوانا جديدا جسدته مناسبة تقديم حصيلتها أمام البرلمان، حيث بدت مفككة ومتنافرة، كما أن لا أحد توقف كثيرا عند مضامين هذه الحصيلة أو ناقشها، علاوة على أن السياق العام لانشغالات بلادنا وشعبنا يبدو منفصلا جدا عن خطاب هذه الحكومة وإيقاعات سلوكها التدبيري والتنفيذي.
البلاد فعلا في حاجة إلى نفس عام مختلف وجديد.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم ,

Related posts

Top