الحكومة تبذر ميزانية “فرصة” على المؤثرين

أثارت فضيحة تبذير ميزانية “فرصة” على من يعتبرون أنفسهم “مؤثرين” في مواقع التواصل الاجتماعي، ضجة كبيرة وسط الرأي العام المغربي، الذي استنكر إنفاق المال العام على نشطاء “جافا” (فيسبوك، تويتر، انستغرام، يوتيوب..)، مقابل تسويق المشروع الذي يهدف إلى مواكبة 10 آلاف من حاملي المشاريع.
مناسبة هذا الاحتجاج الذي يستمر في مواقع التواصل الاجتماعي، هو إعلان وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، أول أمس الثلاثاء بالرباط، الانطلاقة الرسمية للبرنامج الحكومي “فرصة”.
ويظهر من خلال الفيديوهات، والصور التي تم تقاسمها في وسائط التواصل الاجتماعي، للقاء الذي أقصيت وغيبت عنه وسائل الإعلام الوطنية، أن “فرصة” فشل منذ البداية في تشجيع الشباب على خلق المقاولات، لأنه يستعين بفئة “المؤثرين” التي سبق لها إنتاج “محتويات” إشهارية لتسويق منتجات شركات وماركات وبرامج بعض الأحزاب، مقابل تعويض مالي، علما أنها تتوصل بحوالات عن فيديوهاتها من شركات “JAVA” بـ “وادي سيليكون فالي” بالولايات المتحدة الأمريكية بدون تقديم أي ضرائب لخزينة الدولة..
واستنادا إلى المعطيات التي يتم تداولها فإن تسويق مشروع “فرصة” أنفقت عليه الحكومة 23 مليون درهم، مع العلم أن الغلاف المالي الأصلي المخصص له يتعدى مليار و250 مليون درهم، وهو مبلغ مالي كاف لخلق “مئات الشركات الفاشلة والمفلسة”، والآلاف من “العاطلين الجدد”، كما حدث في البرامج السابقة التي لم تقدم حصيلتها إلى اليوم.
وفي هذا الصدد، قال رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، إنه كان على الحكومة قبل أن تطلق برنامج “فرصة”، أن تقوم في البداية بإجراء تقييم للبرامج السابقة، لاسيما “انطلاقة”، للوقوف على مكامن الخلل، وتصحيحه، وليس وضع نسخة طبق الأصل للمشاريع السالفة، مع تغيير الاسم فقط.
وأوضح رشيد حموني في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن الواقع يبين فشل مشروع “انطلاقة”، لسبب واحد، وهو أن الأبناك لا تمنح القروض لفائدة ملفات المشاريع الجديدة، ما يعني غياب المواكبة، وعدم الاستجابة لملفاتهم.
وحموني من الذين أثارتهم “البهرجة” التي قدمت بها الحكومة “فرصة”، متسائلا عن صحة المبلغ الخيالي الذي خصص لتسويق البرنامج من قبل “المؤثرين”، وهي الطريقة التي اشتغل بها الحزب الذي يقود الحكومة في الانتخابات، لأن المنخرطين فيه من رجال الأعمال يجيدون “الماركوتينغ” على حد تعبيره.
ويستبعد رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، أن ينجح “فرصة” بهذا الأسلوب، في إقناع فئة الشباب بالانضمام للمشروع، لأن الشباب يبحث من تلقاء نفسه عمن يدعم مشاريعه ويدفع بها، ولا حاجة إلى تضييع الكثير من الأموال لإيصال الخبر فقط، في الوقت الذي يحتاج فيه هؤلاء الشباب إلى من يشرح لهم، ويأخذ بأيديهم في الأقاليم محليا.
وعبر رشيد حموني، عن استغرابه، لتقديم فرد واحد من المستفيدين تمت الموافقة على مشروعه بهذه السرعة، متسائلا حول “متى استفاد؟ وكيف؟ في الوقت الذي لم يتم فيه دراسة الملفات من قبل اللجنة”.
لهذا، بدل أن تبحث الحكومة عن برامج فعالة لإحداث شركات حقيقية قابلة لأن تستمر في إنتاجها لسنوات، يبدو أن سياستها الحالية، هي نشر أكبر عدد من البرامج الموجودة في الأوراق فقط، والتسويق لها في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، تلميعا لعجزها اليوم عن وقف نزيف الأسعار ولهيبها في الأسواق المغربية.
ولم يستسغ نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، توزيع ملايين الدراهم في التسويق لمشروع أوجد، حسب وصف فاطمة الزهراء عمور وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، من أجل “تشجيع الشباب حاملي المشاريع على بدء مشاريعهم وتحقيق استقلاليتهم المالية”، في الوقت الذي تمر فيه البلاد من أزمة استثنائية جراء تداعيات “جائحة كورونا”، و”الحرب الروسية-الأوكرانية” كما تروج لذلك الحكومة.
وتعبر الكثير من الفعاليات عن استمرار المنطق الحزبي في إدارة الحكومة التي تسير شؤون المغاربة، وذلك اعتمادا على وكالات التواصل، التي تشتغل نظير سخاء مادي غير محدود، وهو ما اعتمده الحزب الذي يقود الحكومة حاليا في الانتخابات الأخيرة، ويواصل اليوم إكرام هذه المؤسسات التي تبحث عن أسماء من مواقع التواصل الاجتماعين لتحقيق “الدعاية”.
وحادث “فرصة”، ليس الأول من نوعه، بل سبقه استدعاء شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة لـ”مؤثرين” بهدف أن يناقش معهم برامج الوزارة لإصلاح القطاع، في ضرب مباشر للمؤسسات من قبيل النقابات، والجمعيات، والبرلمان، باعتبارهم الممثلين الشرعيين لفئة عريضة من المهنيين، والآباء، والناخبين، كما أنهم متخصصين في المجال ومتتبعين له، وليس سطحيين إلى حد مهمة “التأثير” و”بس”.
والرأي العام المغربي، ليس بالفقير معرفيا، إلى حد أن يؤثر فيه من هب وذهب، فالشيء الواحد القابل للتأثير فيه، هو نجاح هذه المشاريع وسط مجتمعه، الذي هو المدينة، والحي، والعائلة، والأصدقاء والزملاء، وليس الصور المنذورة بالزوال والحجب من قبل شركات مواقع التواصل الاجتماعي، واستهلاك الكلام من أجل “الكلام” و”اللامعنى”.
يذكر أن آلية تمويل برنامج “فرصة” تتمثل في منح قرض على تصريح بالشرف بنسبة فائدة 0 في المائة، والذي يمكن أن يصل إلى 100 ألف درهم، يتضمن دعما ماليا قدره 10 آلاف درهم لجميع المشاريع المنتقاة، ويسمح البرنامج الممول بشكل كامل من الدولة بسداد القرض خلال مدة قصوى تصل إلى 10 سنوات، مع تأخير بداية السداد لمدة سنتين.
ويستهدف هذا البرنامج جميع المواطنين المغاربة داخل وخارج أرض الوطن، الأجانب المقيمين بالمغرب، والذين يتجاوز عمرهم 18 سنة، سواء كانوا حاملين لأفكار أو مشاريع مقاولات أو مؤسسي مقاولات منذ أقل من 3 سنوات، الذين يمكن أن يودعوا ملفاتهم مباشرة عبر المنصة الرقمية www.forsa.ma، لدراستها من قبل لجنة مختصة من الخبراء بعد إجراء مقابلة مع حاملي المشاريع، وإحالة الملفات المقبولة على لجنة تقييم جهوية للمصادقة النهائية على المشاريع المنتقاة.

< يوسف الخيدر

Related posts

Top