الحلقة الأولى من برنامج “شخصيات أدبية شخصيات فاعلة”

تمتد على مدى أسبوع تقريبا، ابتداء من 24 إلى 28 يناير الجاري، أنشطة الحلقة الأولى من برنامج شخصيات أدبية شخصيات فاعلة، لجامعة روافد الأدب العربي. يأتي هذا النشاط اعتبارا لأن الإنسان إنسان بأفعاله الخادمة لأخيه الإنسان ومنجزاته المحققة للسلام والتسامح؛ التاريخ مليء بالأحداث المساهمة في بناء الحضارات، وما الأحداث إلا أفعال ومنجزات ترتبط بالبحث العلمي، والعطاء الفكري والإبداع الفني ومن الأفعال الإنسانية ما تحتفظ به الذاكرة الجمعية من مقولات فنية مسموعة وما يحتفظ به التراث من منجزات مكتوبة؛  وتعتبر الأجناس الأدبية أفعالا ومنجزات تميز الشخصيات الفاعلة في المجتمعات الراقية، ومكونا أساسيا من مكونات الثقافة الشعبية والعالمة.
دعما للثقافة العربية وللإبداع الفني والأدبي، وتقديرا للأدباء والشعراء والفنانين؛ تسعى جامعة روافد الأدب العربي من خلال برنامجها الجديد (شخصيات فاعلة) إلى تكريس ثقافة الاعتراف بالشخصيات المبدعة الفاعلة من خلال اختيار إنجاز فني أو تعبيري (شعري أو نثري…) وإخضاعه للنقد مع إشراك الرواد في تحليل بعض المنجزات الفنية والتعليق عليها وإبداء آرائهم الموضوعية معتمدين في ذلك على آليات النقد البناء والتحليل الدقيق.
“شخصيات فاعلة” برنامج نصف شهري يستهدف الوقوف على الجيد والأجود من إبداعات الشخصيات الفاعلة؛ برنامج (شخصيات فاعلة) محطة للاعتراف بالمبدعين المساهمين  في النهوض بالثقافة العربية. 
 وهكذا تمت برمجة  يومي الأحد والاثنين مناقشة القراءة النقدية من طرف الناقد محمد المؤمن ومن الثلاثاء إلى يوم الخميس أوراق و قراءات نقدية لقصيدتين مختارتين من دواوين الشاعرة للا زهراء  الأزهر.
   وتخللت المرحلة الأولى من برنامج شخصيا أدبية شخصيات فاعلة، قراءات نقدية لقصائد شعراء متميزين: قراءة محمد المؤذن مؤسس ورئيس المكتب المركزي لجمعية كازابلانكا للتراث الشعبي من خلال 
قصيدة الشاعرة للا زهراء الأزهر (خطوات على سلم الذاكرة ). إذ أكد محمد المودن، أنها  تكسر جدار الفحولة (الذكورة) المرتبطة بجودة الشعر  للشاعر الفحل، (الذكر) في نظر القدماء من النقاد واللغويين. لتلتحق بالحراك الإبداعي النسوي؛ بما تضمر قصائدها في أول ديوانها (رعشة يراع) أو في ديوانها الثاني (في ظل كلماتك فقط) من أنساق ثقافية كاشفة للمستور والمسكوت عنه للذود عن الأنوثة ومناهضة الفحولة (الذكورة ) الواصفة للمرأة بالانكسار والسلبية والصمت وبأنها العنصر الغير فاعل.
  وأبرز المودن أن قصيدة (خطوات على سلم الذاكرة ) من خلال هذا العنوان البوابة – العتبة الرئيسية للولوج إلى الخطاب (المتن) – هو إحالة على الماضي (التاريخ) خطوات إلى الوراء (الماضي)؛ عبور إلى الذاكرة؛ الخطوات تعني التنقلات الحركية المقدرة بالمفهوم الدلالي الوضعي للفظة (خطوة ) بما يفصل بين القدم اليمنى واليسرى أثناء المشي؛ وتعني الانتقال إلى الأمام عبر مراحل زمنية بعد تغيير وتطوير أساليب الفعل وقوة فاعل التخطي في الزمن والمكان وشروط الانتقال.
السلم وسيلة للتنقل من الأسفل إلى الأعلى (اتجاه عمودي ) من خلال دراجات متباعدة بنفس الخطوات الأرضية؛ ويعني السلم كذلك الدرجات المرتبطة بالترقي في مجال الوظائف العمومية وفي مجال التصاميم الهندسية؛ ورسم الخرائط؛ الذاكرة من التذكر والذكر للموجود والكائن بالقوة والفعل في الماضي والحاضر؛ وهي ليست الخيال الدال على ما يمكن  خلقه من الممكنات اللاواقعية في الزمان والمكان المفترض قصد تحقيق الإعجاب بما ينتجه الناصون من الحكي ونظم الشعر ؛ فالذاكرة ترتبط بالواقع والكائن ؛ وقد تكون فردية (ذاكرة شخصية) وذاكرة جمعية (التاريخ).
خطوات على سلم الذاكرة ليست عمودية من الأسفل إلى الأعلى، بل هي عودة إلى الماضي، وما الخطوات عبر السلم إلا تجسيد لشحذ الذاكرة لاستحضار المخفي والمنسي المسجل عبر مراحل زمنية، هي مجموعة أنساق ثقافية تتصارع بينها محدثة ثورة دافعة إلى الكتابة النسوية المتحدية الفحولة (الذكورة )، فعل الكتابة الذي تقوم به منتجة النص الشاعرة للا زهراء، يجعلنا مضطرين إلى الحفر عن العلامات النصية المرتبطة بفعل التذكر.
تقول:
“في الليل أتوسد قلبي 
تأتي لصدري في حلم مجنون 
تسافر بي عبر نوافذ الزمان 
يا وهج الذكريات يا طيفي الحنون” 
الزمان ليل المكان غرفة نوم في ظلام دامس، الليل رمز الوحشة والشر والكوابيس وفترة موت مؤقت وغياب عن العالم الخارجي، وجمود للجسد إلا من وظيفة التنفس ونبض القلب؛ تبقى الروح قوة حاضرة، تنفلت بعض الأحداث المنسية المترسبة في اللاشعور على شكل أحلام ، أطياف كوابيس تتراءى مشوهة لا تجمع بينها خيوط وروابط منطقية ، وفي حالة التفكير النهاري في حدث أو شخص مسجل في الذاكرة ، تختلف طريقة الرؤيا (الحلم) زيارة الطيف المجسد لكل خصائصه ؛ وتمثيل الحدث الواقع في الماضي بكل تفاصيله ، نحن لا نتحكم في تنويم ذواتنا مغناطيسيا ، قد نضع رؤوسنا الثقيلة بالمشاكل والهموم والأحزان (شجون) النهارية على المخدة الرامزة إلى الضمير القائم بتقييم أفعالنا وتحديد أخطائنا النهارية، والتفكير في أعمال الغد (المستقبل) بداية صراع بين الأنا والانا الأعلى في ميدان محصور لا يتعدى سطح المخدة، ثم يباغتنا النوم على حين غرة، فعل التوسد في القصيدة يتم على القلب معدن ومنجم الأحاسيس والمشاعر، انزياح دور القلب كعضو يضخ الدم بنبضات متكررة تحت الأضلاع إلى وسادة لوضع الرأس أثناء النوم، صدر المرأة مصدر الحنان أو ليس القلب ينبض بالحب تحت أضلاع الصدر ، ومنبع حليب الوليد من تديي  الصدر؛ أثناء الإرضاع يتدلل الرضيع بضمه على صدر الأم، ترى من القادم في هيئة طيف في حلم مجنون إلى صدر أنثى حنون؟ يسافر بها عبر نوافذ (مراحل) الزمان (سلم الذاكرة) المنطق لا يسمح لنا بافتراض غير مبني على علامات نصية محددة لصاحب الطيف الحقيقي ؛ كل الأطياف المسجلة في الذاكرة؛ وكل الأحداث المشاركة في الذكريات السعيدة للشاعرة ممكنة الحضور في زيارة فتتراءى في هذا الحلم المجنون:  
“يا وهج الذكريات يا طيفي الحنون
كم بنينا من بيوت من أنجم
حولنا أورقت أغصان الزيتون
تدق خطاك الباب بهمس
في الأعماق تلهم الأعماق رغم الشجون
كلما فر الصباح المساء يأتي 
يختال كاللؤلؤ المكنون
قد عشنا زماننا نحلم
كيف نصارع الموج المجنون
حلم في أهداب العشاق ظل 
وذاك الشوق يكبر في العيون
لم يزل يوجعني حلم السنين
ويظل السؤال من نكون؟” 
ولفت الناقد محمد المودن أنه في هذا المقطع بالذات تتضح مقصدية الكاتبة وتتحدد شخصية الطيف الزائر في حلم مجنون، الذكريات المسجلة في صفحات ذاكرة موصوفة بالعمى، لا تتذكر المترسبات من الأحداث والأطياف الفاعلة إلا بعد الاستنارة والتوجه، فهذا الطيف هو وهج هذه الذكريات؛ هو المشارك في بناء بيوت وهمية من أنجم (أحلام يقظة سعيدة ) رافعة للطرفين إلى الأعلى إلى حد التحكم في النجوم وتوظيفها في بناء البيوت، وحولهما تورق أغصان الزيتون رمز السلام والأمن والاستقرار ؛ حياة بين السماء (بيوت من نجوم ) والأرض (أغصان الزيتون ) النجوم والزيتون مصدر الإنارة : قال تعالى : “الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح: المصباح في زجاجة ؛ الزجاجة كأنها كوكب دري يوقذ من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار ؛ نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم” (سورة النور 35 ). شجر الزيتون يوحي بالمكان فلسطين – لبنان – الشرق الأوسط حلبة الصراع بين الحق والباطل (القضية الفلسطينية) تعرية عن نسق ثقافي مضمر في القصيدة ؛ يتجلى في الخدلان والتقاعس والسكوت العربي عن الحق أمام الغطرسة الصهيونية الصمت عن (حل القضية الفلسطينية) ؛ هي زيارة مباغثة لطيف لا يدق الباب  باليدين بل بالهمس بخطوات القدمين (غياب الاستئذان الشرعي) الأطياف لا تستأذن مادامت تخترق الذاكرة فتتراءى على الهيئة التي تسعد القلب والخاطر ؛ في الأعماق الهم الأعماق رغم الشجون (الهموم والأحزان) إنه الطيف مبعث السعادة والأمل والنور ؛ لا يفارق عالم المعشوقة من الصباح إلى المساء ؛ تكرار على هذه الحال في الزمان والرابط عشق أبدي مقدس ؛ رغم جنون الأمواج (التحديات) الدين – القانون – الأعراف ؛ إنه العشق (الحب) حلم العشاق وشوق يكبر في العيون ؛ الموجع عبر السنين ؛ إذن من نكون ؟ ألسنا عاشقين؛ لكل واحد منا الحق في الحب والعشق طالما يتم العشق  بالرضى والتراضي؟
“قد كادت تموت في احداقنا الخوالي
ولم يبق سوى الملح بين الجفون
فضلعك الذي أحياني من عدم
أخفى أوجاع القلب في ضحكة العيون”
  وخلص إلى أن الشاعرة  في هذا المقطع الأخير تبوح فيه  بتكسير جدار الصمت لتكشف عن المستور  – الإقرار والاعتراف بعشق مكنون في  القلب وبفارس الأحلام المتربع على عرش الذاكرة – تعود بنا إلى تاريخ البشرية؛ (بداية الخلق) أصل المرأة من تحت ضلع الرجل؛ جزء لا يتجزأ من الرجل (حواء – آدم ) أصل البشرية؛ رحلة ذكر وأنثى يجمعما الحب (العشق ) ليس فقط من أجل الإنجاب (التناسل ) هو حب روحي مقدس؛ فالضلع الذي أحيا المرأة من عدم هو الضلع الذي يخفي أوجاع القلب ببسمات العيون؛ إنه الحب الأبدي؛ المحبة أساس السلم والأمن على الأرض. القصيدة نموذج الكتابة النسوية المغربية الراقية بأسلوب السهل الممتنع المستحضر لجمال الطبيعة الأمواج – الزيتون وخلق الإنسان يقول نابض وذاكرة موصوفة بدقة التسجيل عبر الزمان؛  والمتضمن لآلاء خالق الكون المسخر للإنسان وتزويده بوجدان مصدر الحب المحقق للتعايش بين الجنسين على الأرض وتكليفهما بالإعمار.
القصيدة ثورة بحق على الكتابة الفحولية، ووعاء لمجموعة من الأنساب الثقافية.
وسوف يشهد يوم  الجمعة القادم تكريمات لبعض الفعاليات الثقافية النشيطة داخل جامعة روافد الأدب.

> متابعة: عبدالله مرجان 

Related posts

Top