الخاسر الأكبر هي كرة القدم الوطنية…

وسط جو مشحون، انتهى الديربي البيضاوي كما بدأ، بحرب بلاغات وتوتر واحتجاجات ومقاطعة واتهامات توزع في كل الاتجاهات، وتخريب وأعمال عنف وشغب…

كم كنا نتمنى أن يحاط هذا الموعد الكروي الهام، بأجواء أفضل مما تابعنا، وأن توزع صورا لائقة، لا مشاهد صادمة، لأننا في الأول والأخير أمام مباراة رياضية، من المفروض أن تحكمها روح التنافس الشريف، كيفما كانت النتيجة، ومهما اختلفت الظروف…

  وبالرغم من انتهاء المواجهة رقم (134)، بنتيجة التعادل بلا غالب أو مغلوب، فإن هناك منهزما واحدا، وهو الروح الرياضية، بعدما تحولت إلى مسألة حياة أو موت، وبات الفريق المنافس عدوا يستحق أشد العقاب والإساءة اللفظية والجسدية…

فكيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ …

كنا ننتظر تدخل العقلاء من الطرفين، قصد تهدئة الأمور، والحرص على تقديم صورة إيجابية عن كرة القدم الوطنية، صاحبة الإبهار خلال مونديال قطر، إلا أن أصوات الحكمة خفتت، أمام سيطرة أمواج وهدير التصعيد والمزايدة، وطغيان ثقافة الشك، ورفض كل شيء، وجعل الجميع في سلة واحدة، وأصبح المحب المخلص، هو ذاك الذي يتفنن في أسلوب الرفض، والطعن في الطرف الآخر، وتوزيع  كل عبارات الحقد والكراهية…

ناديا الرجاء والوداد أو الوداد والرجاء… كبيران بتاريخهما ورصيدهما، وقاعدتهما الجماهيرية الممتدة في كل الربوع والأقطار، ومكانتهما لا تناقش ووجودهما بخريطة الممارسة على الصعيد الوطنية، حتمية لا غنى عنها، وإلغاء أي طرف للآخر غير ممكن بالمرة، بل من سابع المستحيلات، لأنهما خلقا ليكونا هكذا ومعا، ولابد أن يتواصل المشوار بوجودهما، وتنافسهما من المفروض أن يساهم في خلق جو سليم، له الكثير من الإيجابيات على كرة القدم الوطنية والرياضة بصفة عامة…

وكل ما قادته الظروف ليصبح على رأس هرم التسيير بالناديين معا، عليه أن يقدر هذه المسؤولية ويعطيها حق قدرها، وليس من حقه أن يزيغ بالأمور عن إطارها الرياضي الصرف، وأن لا يدفع بالأمور في الاتجاه الخطأ…

من حق كل طرف الدفاع عن مصالحه، ورفض المساس بقيمته وهيبته، لكن ليس من حقه بالمقابل المساس بشرف الطرف الآخر، أو يوزع تهما مجانية تصل إلى حد التخوين والاتهام بالتآمر، وإعطاء تفسيرات مغرضة، تساهم في التغليط وخلق أجواء من التوتر والشحن والتهييج، وهي ممارسات لها عواقب وخيمة تنتج عنها ردود أفعال تهدد بما لا تحمد عقباه…

كان الأمل أن ينتصر الجميع للروح الرياضية العالية، وأن تقدم صورة حضارية عن كرة القدم الوطنية، فعالم المستديرة يعرف جيدا أن الناديين البيضاويين علامة فارقة، وقيمة حقيقية لا تقدر بثمن، وهذه القناعة هي التي يجب أن يتقاسمها الجميع، ويعمل على أساسها…

والتنافس لا يعني الاجتهاد في الخروج عن النص، لأننا في الأول والأخير أمام موعد رياضي مفتوح على احتمالات الربح والخسارة، أو حتى الخروج بلا غالب أو مغلوب، وأن لا يكون الخاسر الأكبر هي كرة القدم الوطنية…

محمد الروحلي

Related posts

Top