الخروج من اللاجدية…

الكثيرون يسجلون اليوم أن فئات مختلفة وسط شعبنا، من الطبقات الفقيرة والمتوسطة والشباب والمقاولين والمثقفين والنخب، لا تخفي قلقها من الوضع العام في بلادنا ومن… المستقبل.
ليس فقط الأبحاث الأكاديمية وما تنقله الصحف واستطلاعات الرأي هي التي تكشف هذا، ولكن أيضا ما يجري تداوله في مختلف مجالس الحديث وداخل الأسر وعبر مواقع التواصل الاجتماعي…
إن معظم الحديث الوطني اليوم يكتسب عنوانا واحدا هو: … القلق.
وإن انعدام فرص الشغل للشباب، وخصوصا لخريجي الجامعات والمعاهد، وواقع الحال في الإدارة، وفِي قطاعات الصحة والسكن والتعليم، وتردي الوضع المعيشي للطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، وأيضا بعض التطورات السلبية والخطيرة التي برزت في الفترة الأخيرة في ظاهرة الهجرة غير القانونية، وخصوصا بشمال المملكة، وما نجم عنها من انفلاتات على أرض الواقع أدت حتى إلى سقوط ضحايا، والخطاب المتنامي بهذا الخصوص عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم باقي الإشارات والتداعيات السلبية ذات الصِّلة…، كل هذا وغيره يلخص، بدوره، ما يعانيه الشباب المغربي يوميا، وبالتالي ما يخالج فئات واسعة من شعبنا من شعور باليأس وفقدان الثقة في المستقبل و أيضا…القلق.
وفِي نفس الاتجاه، الاحتجاجات الاجتماعية في هذه المنطقة أو تلك، تفاقم مظاهر الحنق من الأوضاع الاجتماعية وضعف الخدمات وتردي واقع العيش بشكل عام، والعنف المتزايد في لغة المطالب، وحدة الشعارات المرفوعة في الميدان وعبر تدوينات الأنترنيت، والتحول الواضح اليوم في عقلية الاحتجاج نفسها، وفِي “الانفلات” من أي تأطير لهيئات الوساطة والتمثيل المعروفة، كل هذا كذلك يبرز أن الاحتقان تفاقم، والقلق تزايد، وأن هذا الواقع المتأزم صار يفرض إنصاتا كبيرا وعاجلا، وعقلية مختلفة لمقاربة الحلول.
من المؤكد أن ما أشرنا اليه أعلاه يدركه الكثيرون ويتفقون عليه، ولكن الباعث على الخوف اليوم أننا لم نعد نجد في مشهدنا السياسي والمؤسساتي العام أي مؤشرات أو ملامح لمبادرات إيجابية وجدية وشجاعة تسير نحو مواجهة هذه المخاطر المتفاقمة وسط شبابنا ولدى فئات واسعة من شعبنا، والعمل لصياغة حلول لها.
وعند كل استطلاع راي أو بحث ميداني يروم معرفة توجهات الرأي لدى الشباب أو مستوى الثقة وسطهم، بسهولة يبرز أن فئات كثيرة منهم لا تثق في مستقبل بلادها، ولا تفكر سوى في الهجرة خارج الوطن لتحسين وضعها المعيشي، ولا تثق أيضا في مؤسسات الدولة، وفِي العدالة، وفِي الأمن، وفِي السياسة والأحزاب والانتخابات والصحافة…، أي أن الثقة ضعيفة أو أنها تكاد تكون منعدمة في كل مؤسسات وآليات الديموقراطية، وفِي أسس الدولة الحديثة كما هو متعارف عليها كونيا، وهنا الخطورة الأكبر، وبالتالي، التحدي الإستراتيجي المفروض اليوم التمعن فيه والتعبئة لمواجهته.
إن وضعنا السياسي والحزبي والانتخابي والمؤسساتي بشكل عام يعاني من أجواء سلبية وممارسات عبثية وانتظارية مقلقة، وحتى الأفق الإيجابي الذي أسس له دستور 2011 خفتت ديناميته جراء كثير ممارسات تقليدية نمت في السنوات الأخيرة، وهو ما رفع منسوب الإحباط والخيبة وسط الكثيرين، ومن ثم تدحرجت عديد قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية نحو تعقيد أكبر، وإصلاحات أساسية تم تأجيلها أو التغافل عنها، وبذلك توسعت الضبابية وشملت أكثر من دائرة ومجال، ونتيجة ذلك، صارت الآفاق والمآلات غير واضحة بما فيه الكفاية.
مهمة البلاد اليوم، على ضوء كل ما سبق، هي إذن أن تستعيد كل الأطراف المعنية الوعي بحاجة المغرب إلى… نفس ديموقراطي جديد.
نعم بلادنا في حاجة ملحة ومستعجلة إلى إعادة أجندتها الوطنية إلى طريق الإصلاح، في حاجة إلى الخروج من كامل هذه الانتظارية التي ترخي بثقلها على الاقتصاد والسياسة والمجتمع، في حاجة إلى منح الثقة للشباب ولكل شعبنا، في حاجة إلى إعادة الاعتبار إلى السياسة والأحزاب والنقابات والجمعيات والصحافة والمثقفين لكي يتعزز دور وحضور ومصداقية مختلف موسسات الوساطة والتأطير والتنشئة هذه…
البلاد يجب أن تخرج من كل هذه اللاجدية المتفشية حوالينا وأن تضع نقطة انطلاق لمرحلة أخرى مختلفة.
المغرب يستحق غير هذه الضبابية الجاثمة أمامنا، إنه يستحق الوضوح والانطلاقة الجديدة، ويستحق كل الأفضل.

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top