الخطاب الاحتجاجي في زمن كورونا

كل حركة إلا ولها صداها في تربة الواقع، إما تعبيرا بالرضى والتأييد أو الرفض والاحتجاج، تبعا لحجم الارتداد التي تحدثه في المتخيل الذهني أو الفكر الإنساني لدى المتلقي لفعل الحركة .
منذ ظهور أزمة وباء كورونا المسماة اصطلاحا « كوفيد 19» والخطابات تتصارع في الفضاء العام انطلاقا من مفهوم الهيمنة والسلطة.، أو بمنطق الرد والانفلات نقدا وهدما.
شكل إعلان إلزام الناس لبيوتهم من طرف الدولة، خطابا رافضا للحجر، حيث خرجت جماعة دعوية في بعض المدن المغربية ترفض الانضباط لهذا القرار، ونظمت مسيرات منددة به، مرتكزة على نص ديني مفاده، « قل ما أصابنا إلا ما كتب الله لنا « وهكذا خرقت القرار غير آبهة بصحتها وبصحة المواطنين. إلا أنه ووجه بإجراءات زجرية من الدولة، وبالاستنكار والشجب من طرف مجموعة من الفاعلين الذين اعتبروه خطابا لم يراع االحالة الوبائية التي تمر منها البلاد.
خطاب الحجر هذا ، في المرحلة الأولى لم يواكبه تغطية اجتماعية في حينه، لذا جوبه بالنقد وعدم الانضباط من طرف الفئات الهشة التي تعيش على اليومي، حجتهم في ذلك الموت بكورونا ولا الموت بالجوع. أمام هذا الوضع استدركت الدولة الأمر وعالجته بثلاث وصفات اجتماعية ، أجابت عن فئات مجتمعية منها المهيكلة والغير المهيكلة . وفي سياق هذا الاجراء التضامني ، أعلنت الدولة عن إجراء قانوني عن طريق بلاغ حكومي رسمي، بموجبه أعطت الحق لنفسها دون استشارة المعنيين بالأمر اقتطاع يوم عمل تضامني على طول ثلاثة أشهر، مما ترك استياء واسعا في أوساط المقتطع من راتبهم الشهري. مما ولد ردود فعل رافضة لهذا الفعل وعبروا عن أصواتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبروه أسلوبا امتاز ب « الحكرة» وطالبوا في المقابل إصدار بلاغ مماثل ينشد تحقيق المساواة بين المواطنين في شقه التضامني، على أن يشمل في مضامينه الاقتطاع من رؤوس أموال كبريات الشركات المعروفة بتراكمها للثروة منذ عقود خلت، مع ادماج كذلك الوظائف السامية بشكل شفاف وواضح.
إلا أن أكبر خطاب احتجاجي وأرقاه برز في ساحة الصراع في زمن كورونا، وضمن شرعية واسعة في صفوف المحتجين بمختلف مشاربهم واهتماماتهم السياسية، الثقافية ، الفكرية والحقوقية ، هو لحظة تسريب بعض بنود مشروع قانون استعمال شبكات التواصل الاجتماعي الذي يرمي إلى تقييد حرية استعمالها. وصفه النشطاء الفايسبوكيون بقانون « تكميم الأفواه» وشكل مادة خصبة للاجتهادات الفقهية والحقوقية، سواء عبر مقالات أو لقاءات مباشرة عن بعد. مما شرعن الضغط الشعبي الرافض عن طريق تدوينات موحدة واسعة النطاق. الشيء الذي أرغم الحكومة على التراجع عنه وتأجيل النقاش فيه إلى ما بعد أزمة الجائحة حسب تصريح رسمي. كما ساهم هذا الضغط إلى تقديم استقالة وزير العدل من مهامه، حسب ما تداولته بعض الجرائد الالكترونية، والاتهامات المباشرة التي وجهت له، ومست بشكل غير مباشر انتماءه السياسي، وترك استياء عميقا لدى منخرطيه.
استناج لا بد منه .
يتبدى جليا أن الخطاب الاحتجاجي الشرعي له ما يبرره في المجتمع من تمثلات مختلفة، كتابة مضادة، صور كاريكاتورية معبرة عن الرفض. كما يتبين أن كورونا وحدت رؤية الاحتجاج ، وأبدع من داخلها المحتجون أشكالا افتراضية جديدة بديلة عن المسيرات والوقفات المعروفة والمتداولة في الصراع، تستجيب وواقع الحجر الصحي.

Related posts

Top