الداكي يكشف عن التحديات المطروحة بخصوص المعطيات ذات الطابع الشخصي والجهود المبذولة لحمايتها

قال الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، في بحر الأسبوع  الماضي بالرباط، إن هناك تحديات أصبحت تطرحها حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، بفعل بروز أشكال متعددة من الممارسات باتت تنتهك خصوصية الأفراد، لاسيما إزاء ما أفرزه التطور التكنولوجي المتسارع من أشكال متطورة لبعض الظواهر الإجرامية.

وأضاف الداكي، في افتتاح أشغال اليوم الدراسي المنظم بشراكة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، ومؤسسة وسيط المملكة واللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، حول موضوع “التنسيق المؤسساتي: نحو تصور مشترك لتكريس الحكامة الارتفاقية وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي”، أن هذا الوضع يستلزم تنسيق الجهود بين مختلف الفاعلين، تحقيقا لتكامل الأدوار في ما بينهم، وتكريساً للحكامة في مجال حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.

وتكريسا للبعد الحمائي للحق في الخصوصية، أكد رئيس النيابة العامة، أن دستور المملكة أحاط بحماية خاصة من خلال الفصل 24 الذي ينص على أن “لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة، وألا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها، ولا يمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضا، أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي، ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون”.

وتابع الداكي: “وإذا كانت الحياة الخاصة حظيت بهذه الحماية الحقوقية والدستورية والقانونية فإن الطفرة التكنولوجية وما أفرزته من تطورات في تقنيات المعالجة الآلية للمعطيات الشخصية للأفراد، وظهور أنماط جديدة للجريمة في الفضاء المعلوماتي، أمور أصبحت تهدد الخصوصية بمفهومها الواسع”.

وأوضح المتحدث أن استخدام الوسائط الرقمية والإقبال الكبير على استخدام شبكة الأنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي، بالقدر الذي سهل إلى حد كبير عملية التواصل وقرب المسافات واختزل الزمن، فإنه بالمقابل أصبح مصدراً للعديد من الانتهاكات والخروقات الناتجة عن إساءة استعمال المعطيات الشخصية للأفراد، التي تعد عنصراَ من عناصر حياتهم الخاصة، لأهداف غير مشروعة، كالابتزاز والتهديد والسب والقذف والتشهير، وغيرها من المظاهر التي باتت منتشرة في الفضاء المعلوماتي.

وأمام هذه التحديات، يضيف الداكي، كان لزاماً على المشرع سن قوانين لتنظيم عمليات معالجة وتخزين واستعمال المعطيات الشخصية للأفراد، وذلك بهدف خلق التوازن بين متطلبات التنمية الرقمية من جهة وبين حماية الحياة الخاصة للأفراد من جهة ثانية، وأشار في هذا الإطار إلى القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، الذي قنن عمليات تجميع وتخزين واستعمال المعطيات ذات الطابع الشخصي، وأقر أحكاما خاصة بالتزامات المسؤول عن المعالجة وحقوق الأشخاص المعنيين بها، كما رتب عقوبات إدارية وجنائية عند الإخلال بها.

واستعرض المسؤول القضائي مجموعة من النصوص القانونية الخاصة بحماية المعاملات التي تستعمل الأنظمة المعلوماتية والفضاء الرقمي، كما هو الشأن بالنسبة للقانون رقم 07.03 المتعلق بالمساس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، الذي يهدف إلى مكافحة الجرائم المعلوماتية التي تخل بسير نظم المعالجة الآلية للمعطيات، والقانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، الذي يروم تأمين المعاملات التي تتم بطرق إلكترونية، إضافة إلى القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك، الذي تضمن أحكاما خاصة بالتعاقد الإلكتروني وعقود الاستهلاك المبرمة عن بعد، وما يرتبط بها من ضمانات خاصة بحماية التوقيع الإلكتروني.

وقال المصدر ذاته، إن إرساء هذه الترسانة القانونية واكبها إحداث آليات مؤسساتية للسهر على تفعيلها عبر إحداث مجموعة من المؤسسات واللجان الوطنية المتخصصة في هذا المجال، في مقدمتها اللجنة الوطنية لمراقبة وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، مبرزا أن المغرب توخى من وراء هذه المنظومة القانونية والمؤسساتية، بالإضافة إلى تحصين الحياة الخاصة للأفراد، ملاءمة قوانينه مع التشريعات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمجال توفير الحماية القانونية للمعطيات الشخصية.

كما استعرض المسؤول القضائي الاختصاصات الموكولة للنيابة العامة بموجب بعض النصوص القانونية المتعلقة بحماية الحياة الخاصة للأفراد، مشددا على أن رئاسة النيابة العامة جعلت من مسألة حماية الحياة الخاصة للأفراد إحدى الأولويات الأساسية للسياسة الجنائية التي تسهر على تتبع تنفيذها.

وفي هذا الإطار، أشار الداكي إلى مبادرة رئاسة النيابة العامة إلى اعتماد مجموعة من التدابير والإجراءات والبرامج الهادفة إلى القيام بالأدوار المنوطة بها في هذا المجال، سواء على مستوى الخدمات التي تقدمها لفائدة المرتفقين أو على مستوى تقوية قدرات قضاة النيابة العامة لدى المحاكم في المجالات المتصلة بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي؛ إذ حرصت رئاسة النيابة العامة على مستوى تدبير التطبيقات الإلكترونية التي تقدم بواسطتها خدماتها للمرتفقين على سلوك مختلف المساطر المعمول بها من أجل الحصول على الأذونات والتراخيص التي ينص عليها القانون 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.

كما حصلت رئاسة النيابة العامة سنة 2019 على ترخيص من اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي من أجل معالجة البيانات الشخصية المحصل عليها من الأشخاص الذين يقومون بالتبليغ عن جرائم الرشوة والفساد في مركز النداء الخاص بتلقي مكالمات التبليغ عن هذه الجرائم، يقول رئيس النيابة العامة، مضيفا أنها حصلت أيضاً سنة 2020 على الإذن المسبق من اللجنة المذكورة من أجل معالجة طلبات الحق في الحصول على المعلومات في إطار تطبيق القانون 31.13، وأيضا حصلت على ترخيص من اللجنة نفسها من أجل إنشاء منصة إلكترونية خاصة بتلقي شكايات النساء ضحايا العنف، بالإضافة إلى حصولها على ترخيص من أجل معالجة المعلومات الشخصية للموارد البشرية العاملة برئاسة النيابة العامة؛ وهي كلها إجراءات تعكس حرص هذه الرئاسة على ضمان التفعيل الأمثل للمقتضيات القانونية المذكورة.

أما على مستوى دعم قدرات قضاة النيابة العامة في مجال حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي فقد بادرت رئاسة النيابة العامة إلى برمجة سلسلة من الورشات الجهوية لفائدة قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية من أجل ضمان التنزيل السليم للمقتضيات التي جاء بها القانون رقم 09.08.

واعتبر الداكي مرور أكثر من 11 سنة على صدور القانون 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي مدة كافية لتقييم مدى نجاعة المقتضيات التي جاء بها هذا القانون، لتوفير الحماية القانونية للمعطيات الشخصية للأفراد ورصد مختلف الثغرات القانونية والإشكاليات العملية التي أبان عنها تنزيل أحكامه على أرض الواقع.

وشدد المسؤول ذاته على أن تنظيم هذا اليوم الدراسي بمشاركة نخبة من الممارسين يشكل فرصة سانحة لاستعراض وتدارس مختلف الإشكالات العملية التي تعترض التنزيل الأمثل له، واقتراح الحلول المناسبة لتجاوزها، ومناسبة للوقوف على مستوى التنسيق والتعاون بين السلطات والمؤسسات والهيئات المعنية بتنزيل أحكامه؛ وذلك من أجل تعزيز هذا التعاون والتنسيق في ما بينها ومعالجة مختلف الصعاب المطروحة، تفعيلا لمبدأ التعاون بين السلط الذي أقره دستور المملكة.

Related posts

Top