الدخول المدرسي والتطورات الوبائية.. إشكال المواكبة

يعتبر الدخول المدرسي من أهم المحطات التي تحظى بأهمية كبرى على مستوى وزارة التربية الوطنية ومنظومة التربية والتكوين ككل، من حيث التخطيط وإعداد الخريطة المدرسية ثم توفير الموارد البشرية وتوزيعها بشكل يراعي التوزيع العادل لفرص التعلم بين متعلمي كل المناطق وكل الأوساط ثم توسيع العرض المدرسي الذي يعد من أهم المشاريع التي تسعى الوزارة الوصية إلى إنجاح تدبيرها والمساهمة في تحقيق الجودة ومحاربة الهدر والانقطاع الدراسيين، دون إغفال المشاريع الملتزم بها سواء في مجال البناءات والتجهيزات أو ما يتعلق بالتجديدات المنهاجية التي عرفتها الساحة التعليمية لمدة سنتين فارطتين مع استمرارها للموسم الحالي من خلال تغيير المقررات الدراسية الخاصة بالمستويين الخامس والسادس ابتدائي.
إلا أن الموسم الدراسي 2021/2020 يعرف تزامن الدخول المدرسي وتفشي وباء covid-19 وتسجيل وحدات الرصد والتتبع الوبائي لأرقام جد عالية بلغت على سبيل المثال 1283حالة يومية بتاريخ 05/08/2020، وهذا ما يبقي على كل الاحتمالات فيما يخص كيفية تحقيق العودة للدراسة من خلال سيناريوهات ثلاثة نوردها كما يلي:
• اعتماد التعليم عن بعد: هذه الإمكانية نستشف ترجيحها من خلال المراسلة الوزارية الموجهة للسيدة مديرة والسادة مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تحت رقم 485/2020 بتاريخ 10 يوليوز 2020 في شأن التعليم عن بعد والتي دعت إلى استمرار الفرق الجهوية في إنتاج فيديوهات لحصص دراسية من خلال توزيع المستويات التعليمية بين مختلف الأكاديميات والاستجابة لمجموعة من المعايير والمحددات البيداغوجية والتقنية المنصوص عليها في الملحق رقم 1 لنفس المراسلة.
غير أن الملاحظ بخصوص هذه المعايير هو اتسامها بالعمومية والتناقض في بعض الأحيان كما هو الشأن بالنسبة لمعيار تحديد زمن الكبسولات المنتجة في 26 دقيقة من جهة والمطالبة باعتماد التوزيع الزمني الرسمي لفقرات المقرر الدراسي من جهة أخرى، ثم الاعتماد بشكل مبالغ فيه بالجوانب الشكلية فقط.
كما أن إشكال المفاهيم بخصوص التعليم عن بعد في هذه الحالة يبقى مستمرا، فبعد مفهوم الاستمرارية البيداغوجية المستخدم منذ تعليق الدراسة الحضورية في شهر مارس الفارط نجد بأن المراسلة الوزارية تستخدم التعليم عن بعد، ولكن بمفهوم جد ضيق من خلال حصره في الحصص الدراسية التي تبث على القنوات التلفزية فقط، بالإضافة إلى استثناء حصص التقويم من هذا النوع من التعليم ليصبح المتعلم المغربي أمام عملية تعلم غير كاملة وتهتم فقط بنقل المحتوى الدراسي.
كما أن هذا الخيار سيبعثر ترتيب العمليات المحددة من قبل الوزارة سابقا وكمثال على ذلك اعتبار شهر شتنبر 2020 كفترة لإنجاز ما تبقى من تعلمات الموسم السابق تحقيقا لتكافؤ الفرص بين مختلف المتعلمين سواء في المجال الحضري أو القروي، ثم إجراء الامتحان الجهوي لمتعلمي السنة الثانية باكالوريا برسم الموسم القادم خلال شهر شتنبر 2020.
• الرجوع للمؤسسات التعليمية بشكل عادي وحضوري: وهو خيار مستبعد بالنظر لما يتم تسجيله يوميا من حالات الإيجابية لوباء “كوفيد 19” كما سيكون مجازفة قد تهدد الأمن الصحي لكل المغاربة في ظل الأعداد المرتفعة للحالات المكتشفة يوميا. فالرجوع للمؤسسات بشكل عادي يستلزم توفير عدة معدات أساسية للتعقيم وقياس درجات الحرارة بشكل سريع ثم معدات التكفل بالإصابات المحتملة خصوصا داخل الأقسام الداخلية للثانويات ومعاهد التكوين، وهذا يعني كلفة مالية مهمة قد تكون الوزارة غير قادرة على توفيرها جراء تعديل الميزانية العامة وتقليص الميزانيات القطاعية.
• المزاوجة بين العودة للمؤسسات والتعليم عن بعد: هذا الخيار يبقى متاحا بشكل خاص في المناطق التي تعرف معطيات وبائية مستقرة ومتحكم فيها من خلال اعتماد التفويج في الأقسام واقتسام الحصة الزمنية الخاصة بين الفوجين معا، ثم تقسيم حصة كل فوج بين حصص حضورية وحصص عن بعد، كما أن الوسط القروي يمنح شروط مثالية لاعتماد هذا الخيار بالنظر لأعداد المتعلمين القليلة والتباعد في السكن والعزل الذي توفره القرى لأطفالها عن المدينة التي تعرف انتشارا للوباء.
واعتماد هذا الخيار يتطلب أساسا يقظة كبيرة ومواكبة آنية لمختلف التطورات الوبائية في جميع مناطق المغرب، وعدم السقوط في فخ القرارات المفاجئة والمتأخرة كما وقع بخصوص توقيع محاضر الخروج لهيئة التدريس في نهاية يوليوز 2020 وتزامنه مع إغلاق عدة مدن جراء معطياتها الوبائية فيما عرف ببلاغ منتصف الليل. كما أن هذا الخيار سيتطلب معدات خاصة للتعقيم والوقاية من العدوى ثم معدات التكفل بأية إصابة محتملة.
إن اعتماد أي سيناريو للدخول المدرسي 2020/2021 وإنجاح تعلم أبناء المغاربة بأقل تكلفة صحية يتطلب وبشكل ملح الرفع من درجة وحساسية المواكبة لدى الوزارة الوصية عن القطاع سواء على المستوى المركزي أو الجهوي ثم الإقليمي، ثم توفير الوسائل والإمكانيات المادية واللوجيستية المساعدة على تأمين تعلم فعال وهادف مصحوب بسلامة جسدية مأمولة لكل أطفال هذا الوطن مع

الأخذ بعين الاعتبار رأي المختصين في المناهج التعليمية وطرق التدريس لتقييم التجارب وتعديلها بشكل مستمر قصد بلورة نظام تعليمي مرن وقادر على التكيف مع مختلف الأوضاع الممكنة.

بقلم: سعيد اخيطوش 

باحث في قضايا التربية والتكوين ومفتش تربوي بمديرية خنيفرة

Related posts

Top