الدكتور المصباحي: الثورة الرقمية والثقافة الأصولية ترهن مصير الإنسان والأرض

أكد المفكر المغربي، محمد المصباحي، أن الثورة الرقمية المعلوماتية والوسائطية أدت إلى نشوء مجتمع واقتصاد المعرفة على مستوى العالم، وأدخلت الإنسانية عهدا جديدا وغيرت وجود الإنسان بكيفية جذرية، لكن باتت ترهن مصير الإنسان ومصير الأرض معا، فإنها على مستوى المغرب اتخذت مظهرا آخر يطبعه هيمنة الخطاب الغيبي على وجدان وعقل كل الطبقات الاجتماعية الأمر الذي يقود إلى المزيد من الاستيلاب و تدمير الذات وجرنا إلى القاع، قاع القرون الوسطى، حسب قول الدكتور المصباحي.
واعتبر، المفكر المغربي في لقاء نظمه مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال بشراكة مع مركز متعدد التخصصات للبحث في حسن الأداء والتنافسية لجامعة محمد الخامس الرباط، يوم الخميس الماضي، حول موضوع “مطلب الفسلفة”، أن “اجتماع الأزمتين الرقمية والأصولية أدى في المغرب إلى جملة أخرى من الآفات، من بينها إفراغ القيم السياسية من مضمونها وعلى رأسها الديمقراطية التي أصبحت ممارسة جوفاء بعد هيمنة التيوقراطية الدينية بالتحالف مع الأولغارشية المالية والمخزنية على الفضاء السياسي”.
وأوضح أن الوضعية التي بات عليها المغرب تتسم بانتشار جنون الهويات الدينية والعرقية والثقافية والتخلي عن قيم الوطنية وتعطيل البعد الثقافي في الإنسان، وجراء ذلك أصبح الإنسان خال من المعنى ومن الذوق، مضيفا أن “انتشار اللاعقلانية بشتى أنواعها أرسى الأرضية التي تنبث فيها ثقافة الإرهاب، وانهيار القيم الفكرية والعلمية كقيم العقل والحرية والاستقلال واستقلال الذات والمواطنة والعدالة وتفشي ثقافة التهرب من العمل ومن التفكير الذي صار ممقوتا ومزعجا وغير مفيد بالنسبة لمعظم أهل هذا الزمن والبلد”.
وأشار في تشريحه للأوضاع، إلى أن “هذا الطابع ينضاف إليه فقدان بعض جمعيات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان لمصداقيتها إلى درجة صارت تدافع عن الظلم وتمارس الريع في أسوأ مظاهره”. ولم يفت المفكر المغربي أن ينبه إلى الأدوار الخطيرة التي باتت تلعبها الوسائط الاجتماعية كالفيسبوك، والتي هي وسائط افتراضية لكنها باتت تقود الجماهير وتعبئ الشعوب وتقلب الأنظمة، بما يمثل إعلانا عن انتهاء دور الأحزاب ودور النقابات ودور المؤسسات، بل وبجانب ذلك انتهى دور الإنسان في أن يكون فاعلا، مبرزا أن الديانات تلعب أيضا نفس الدور، إذا فيما يخص الديانة الإسلامية أصبح هناك أكثر من 3000 محطة تلفزيونية تخلق يوميا طائفة من الطوائف، مما أدى إلى الرفع من منسوب الانشقاقات وبات الإنسان دون جذور.
واعتبر أن هذا الواقع المتأزم والذي يتميز بالثورة الرقمية، يرتبط بغياب ممارسة التفلسف والتحلي بنظرة شاملة عامة على حياتنا والطرح بكل جرأة على طرح الأسئلة الحارقة، يؤدي إلى مثل هذه الأزمات، قائلا: “عندما نكون سياسيين وندخل فقط في المماحكات والكيد والمؤامرات ولا نرتفع لنتساءل ما معنى السياسة والدولة والمشروعية يكون السياسي فاقد لإستراتيجية وأفق لمعالجة الأمور”، مؤكدا أن التفلسف حق طبيعي ومن الضروري أن يبادر الإنسان على إلقاء نظرة عامة وأن يخاطر بالشك في البديهيات واليقينيات وفي الأحكام المسبقة، وأن يضع أسئلة جديدة.
وبالنسبة للثورة الرقمية على مستوى العام، أوضح المصباحي، أن الآلات صارت تحيط بوجود الإنسان من كل الجوانب، وذلك ما أرادته الثورة الرقمية والثورة الرأسمالية، مشيرا أنه “إذا كان ينبغي الاعتراف أن الثورة الرقمية كانت نعمة كبيرة بالنسبة للإنسانية لأنها نشرت المعرفة على نطاق واسع ونشرت تقنيات تمكن من الاطلاع على الإنتاج المعرفي من كتب ومجلات وأحيانا بالمجان وجعلتها في متناول الجميع كما سهلت التواصل بين الأفراد والأمم والثقافات، إلا أنها في المقابل نشرت أخلاقيات التواكل والغش وصرفت الناس عن البحث والتحصيل”.
ونبه إلى أن الثورة الرقمية أصبحت تهدد الدول والمجتمعات في كيانها، لا فقط بهجوم إلكتروني سيبراني حيث يمكن أن يفقد البلد كل حساباته البنكية وجميع معطيات مستشفياته وأسراره العسكرية في رمشة عين، بل أضحت مجتمعات الدول ذاتها فاقدة لاستقلالها ولكيانها الخاص، ذلك أن الثورة الرقمية صارت تقضم وتأكل من ذاتنا بحيث مثلا فيما يخص الذكاء الاصطناعي، فإن الروبوتات أصبحت تنوب عن الإنسان في الفكر والعمل.

> فنن العفاني

Related posts

Top