الدكتور عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب: مصر والمغرب تواصل ثقافي متنوع وممتد…

نظم المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، بتاريخ 14 يوليوز الجاري، “لقاء: مصر/ المغرب، علاقات ثقافية”، بحضور ومشاركة كل من السيد الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة والسيدين سفيري المغرب ومصر، ونخبة من المثقفين والمهتمين بالعلاقات الثقافية المغربية المصرية، على رأسهم صديق المغرب الثقافي، الدكتور جابر عصفور .وساهم الدكتور عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، في هذا اللقاء الذي جرت أطواره عن بعد وحضوريا، بورقة هامة فيما يلي نصها:

مما لاشك فيه، وكما هو معلوم، أن العلاقات الثقافية بين المغرب ومصر، هي علاقات إنسانية متجذرة ومترسخة في التاريخ والممارسة والذاكرة والوجدان. 
وفي اعتقادي، وحسب ما تكشف عنه بعض جوانب التفاعل الثقافي بين مصر والمغرب، فإن التواصل والحوار الثقافيين ظلا قائمين ومفتوحين بين البلدين، بل يمكن القول إنهما قد تطورا بشكل لافت، في ضوء المتغيرات والتحولات المتسارعة التي يعرفها عالم اليوم، والتي ساهمت فيها الثورة التكنولوجية بنصيب وافر، موازاة مع تبدد جانب كبير من تلك العوائق التقليدية والادعاءات الوهمية التي كانت تحول دون تحقيق حوار وتواصل مخصب بين الطرفين.
 ومع ذلك، فقد كان الحوار الثقافي بين مصر والمغرب دائما مثمرا ومنتجا، بما يوازيه من نفي لأي قول بحدوث “قطيعة” ثقافية بين الطرفين. وكلنا يتذكر، هنا، ذلك الحوار المخصب والمثير بين المفكر المغربي محمد عابد الجابري والمفكر المصري حسن حنفي، في موضوع “حوار المشرق والمغرب”، بما أعقبه من ردود ومناقشات أغنته، باعتباره حوارا يعكس، في العمق، صورة لقاء المشرق والمغرب في أبهى قوته وتجلياته، كما يعكس حلما متواصلا، لم يبدده لا الزمان ولا تغير السياسات والقناعات والحساسيات والإيديولوجيات.
قد يصعب في مقام كهذا، أن نلم بمستوى وحجم العلاقات الثقافية والإبداعية الوطيدة، القائمة بين المغرب ومصر، بما هي علاقات راسخة ومنتجة، وإن كانت، من حين لآخر، تعرف بعض التعثر والفتور، نتيجة الإهمال الرسمي لها تحديدا، من هذا الطرف أو ذاك، لكنها عموما، تبقى علاقات تاريخية وممتدة في الزمن وفي الممارسة، يساهم في ترسيخها وتطويرها الأشخاص الذاتيون، من المثقفين والكتاب والنقاد والمبدعين، ويحضر معنا في هذا اللقاء أحد أبطالها البارزين، يتعلق الأمر بالصديق العزيز وصديق المغرب الثقافي، معالي الدكتور جابر عصفور، كما تساهم في ترسيخها بعض المؤسسات الثقافية من البلدين، من قبيل المجلس الأعلى للثقافة واتحاد كتاب المغرب، ومؤسسات دور النشر، وغيرها من الإطارات الثقافية والفنية التي ساهمت في بت روح جديدة في نسيج العلاقات الثقافية والإبداعية القائمة بين مثقفي ومبدعي هذين القطرين الشقيقين.
ويكفي، هنا، أن نشير إلى الحضور الفكري والثقافي والإبداعي المصري الوازن، منذ عقود خلت، في المشهد الثقافي والتربوي والأكاديمي والفني والإبداعي المغربي، في مقابل حدوث اهتمام متزايد للمثقفين والكتاب والنقاد والناشرين المصريين وللمؤسسات الثقافية المصرية، بالأفق الفكري والثقافي والإبداعي والنقدي والفني المغربي، إن على مستوى الكتابة والقراءة والنشر والترجمة، أو على مستوى الحضور الرمزي، في الملتقيات والمهرجانات والندوات التي تقام بمصر…
وكلنا، يتذكر “ملتقى الرواية المصرية – المغربية”، الذي كان ينظمه المجلس الأعلى للثقافة واتحاد كتاب المغرب، بشكل دوري؛ ملتقى نلح، بهذه المناسبة الجميلة، على إحيائه من جديد، اعتبارا للأدوار الطلائعية الأساسية لهذا الملتقى في خلق حوار بناء ومضيء بين الروايتين المصرية والمغربية، ويمكن لهذا الحوار أن يمتد ليشمل أجناسا أدبية وتعبيرية أخرى غير الرواية، دون أن ننسى، هنا، الإقبال المتجدد اليوم لدور النشر المصرية على الإنتاج الثقافي والفكري والنقدي والإبداعي المغربي، على مستوى احتضانه ونشره وترويجه، ما يشي بحدوث نقلة نوعية في طبيعة التواصل الثقافي والإبداعي بين مصر والمغرب.
وفي مستوى آخر من التفاعل الإبداعي بين مبدعي البلدين، نشير، إلى أن مدينة القاهرة، على وجه الخصوص، قد شغلت اهتمام الكتاب والروائيين المغاربة من أجيال مختلفة، اعتبارا لما للفضاء القاهري من إغراء وجاذبية وتأثير على الإحساس والقلب والذاكرة، سواء تم ذلك عندهم من موقع تذكر هذه المدينة وتخيلها واستيحاء فضاءاتها وعوالمها وإعادة تشكيل العلائق داخلها، أو من موقع إعادة تمثلها وتأملها وبنائها، على الأقل من خلال هذا المستوى الأدبي التخييلي، أو أيضا من زاوية انتقادها ومساءلتها، في تحولاتها الإيجابية أو السلبية المتعاقبة.
ونذكر في هذا الإطار، على سبيل المثال، روايتي “مجنون الحكم” و”العلامة” لسالم حميش، ورواية “مثل صيف لن يتكرر” لمحمد برادة، و”القاهرة الأخرى” لرشيد يحياوي، و”القاهرة تبوح بأسرارها” لعبد الكريم غلاب، و”خواطر في حب القاهرة” لفؤاد زويريق…
وعموما، فمجتمعاتنا العربية، وهي تواجه أخطر ما يهدد كيانها، ألا وهو التطرف والإرهاب، ملزمة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بتوسيع مجال حوارها الثقافي، فالحرب المعلنة في الوقت الراهن، هي حرب ثقافية بالأساس، ما يفرض علينا اليوم، أن نعمل من جهتنا معا على توحيد المواقف، وتشكيل جبهات ثقافية لمواجهة التطرف والظلامية والإرهاب، ومواصلة تعميق حوارنا فيما بيننا ومع الآخر من حولنا، بعيدا عن أية قطيعة يرتضيها الفكر المتطرف.

Related posts

Top