الدورة 22 لمهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر المتوسط تعيش لحظاتها الأخيرة

>  مبعوث بيان اليوم إلى تطوان: سعيد الحبشي
إلى حد الساعة، ما يزال السؤال معلقا، بخصوص الفائز من ضمن الأفلام المتبارية على جوائز الدورة الثانية والعشرين من مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، حيث تختلي لجن التحكيم صباح اليوم السبت 2 أبريل لوضع اللمسات الأخيرة حول قراراتها بشأن الأفلام المشاركة، قبل أن تعلن نتائجها مساء، خلال حفل اختتام الدورة الحالية من المهرجان.
ومعلوم أن ما تم عرضه من أفلام تمثل عددا من دول البحر الأبيض المتوسط، وهي 38 فيلما في المجموع، من بينها الفيلم المغربي “إحباط” لمحمد إسماعيل  واليوناني “ريفير بانك” لبانوس كاركانيفاطوس  والروماني”الطابق العلوي” لمخرجه رادو مونطيان والفيلم الاسباني”أن تتحدث” لخواكيوم أوريستيل و الكرواتي”زفيزدان” لدليبور ماطانيك.. و”شبابيك الجنة” للتونسي فارس نعناع .
هذه الأفلام الطويلة في مجملها تتقارب تيمتها الأساسية، بنفس القدر الذي تختلف فيه أسئلتها المركزية، وطريقة معالجتها سينمائيا، وهذا يبرز تباينا كبيرا في  مستوياتها.
لأن الحديث عن سينما المتوسط هو حديث عن سينمات إن أمكن القول، عن توجهات وعن إمكانات، ونحن بصدد الحديث عن دول متبارية بمستويات مختلفة وما تطرحه انتاجات كل منها، من مقاربات متفاوتة لمشاكل وأزمات تتسم بالخصوصية، مثل اليونان ورومانيا واسبانيا وكرواتيا وتونس وفرنسا والمغرب ومصر وتركيا وايطاليا ولبنان وبلجيكا، هذا الاختلاف الذي يؤشر على خصوبة وتنوع ثقافة أو ثقافات المتوسط، لكن المعالجة السينمائية بتقنياتها وبهاراتها، لقضية الفيلم المحورية، ومدى التأثير الحسي والبصري الذي تتركه لدى المتلقي، ستكون لدى لجن التحكيم العامل الحاسم في التصنيف، وليست القضايا في ذاتها كبر أو صغر شأنها، أو انتماؤها لشمال ضفة المتوسط أو جنوبه.
ويبدو أن لجن التحكيم ولجنة الفيلم الطويل على الخصوص ستكون، وفقا لما سلف ذكره، أمام مأزق حقيقي، ولن تنتصر سوى للإبداع والصناعة السينمائيين، خصوصا وهي تتكون من أسماء وازنة في عالم الفن السابع مثل الصحافية، المخرجة
والمنتجة الإيطالية إمانويلا غاسباروني، أو الناقد والمنتج
اليوناني ميشيل ديموبولوس، إضافة الى الكاتب الفرنسي ألان ماسون، أو الباحث في مجال السينما اللبناني إيلي يزبك، والممثلة المغربية سناء العلوي، ويترأس هذا المزيج الثقافي والمعرفي أحد كبار السينمائيين الأسبان المخرج والمنتج لويس مينارو.
أما لجنة النقد فإنها دون شك ستكون جنوبية، إذ يرأس لجنتها الناقد السينمائي نور الدين أفاية، الذي سبق أن شغل منصب عضوية
لجنة تحكيم الفيلم الطويل في مهرجان تطوان، كما شارك في عدد من اللقاءات والندوات التي نظمها المهرجان. وهو أحد أصدقاء الناقد الراحل مصطفى المسناوي، وشارك إلى جانبه في العديد من اللقاءات والتظاهرات السينمائية والثقافية.
ويتكون أعضاءها حسب بيان المهرجان من قيس قاسم صحافي وناقد من العراق، والصحافي والناقد المصري أحمد فايق، والناقد السينمائي اللبناني نديم جرجورة.
ويجدر التذكير بأن المهرجان هذه الدورة كان حافلا بالعديد من الأنشطة الكثيفة والمتنوعة على رأسها الندوة المركزية وكانت تحت عنوان: “عندما تحكي السينما مآسي المتوسط “.
وطرحت هذه الندوة تساؤلات عن مآسي المتوسط وانعكاسها على فضائه، وعلى الإنسان في هذه البقعة من العالم، وعلى السينمائيين خاصة، من قبيل السؤال عما إذا كانت السينما المتوسطية تعمل على توثيق هذه التطورات المأساوية، وانطلاقا من أنه على هذه السينما أن تتحمل مسؤوليتها كلسان ناطق بالصوت والصورة، والإشارات التي تحيل على معاناة الإنسان المتوسطي في عالم اليوم وتحولاته العاصفة.
كما تم خلال هذه الدورة كذلك تكريم السينما المغربية في شخص المخرج المغربي داوود أولاد السيد خلال الافتتاح، وأيضا السينما المتوسطية من خلال المخرج الفرنسي أندري تيشيني، أول أمس الخميس، حيث حاول نقاد سينمائيون، إلى إبراز بعض “الأوجه المتعددة” للمخرج الفرنسي أندري تيشيني.
وأوضح المتدخلون أن سينما تيشيني، المزداد سنة 1943، تغوص في دواخل النفس البشرية والعلاقات الأسرية ومظاهر الواقع الاجتماعي (الجنون، المنفى…)، وتتناول بالخصوص مواضيع كانت تعد إلى عقود قريبة من الطابوهات من قبيل المؤامرات السياسية التي تحركها المطامع الانتخابية.
وأجمع المتدخلون أن تيشيني مثقف كبير، يقوم بتكييف الحوارات مع الممثلين، قادر على “هندسة المشاعر”، ويحاول من خلال الصور مقاربة أفكار معينة، بواسطة حركات الكاميرا وحضور تقنية المرآة، محاولا بذلك اختراق حميمية شخوصه ودواخلهم.
وأبرزوا أن من مميزات أسلوبه الفني الواقعية المشوبة بشحنة من العاطفية الجياشة، مشيرين إلى أنه تأثر، على الخصوص، بأسلوب المخرج الدانماركي كارل تيودور دراير (الروحانية…)، مع حضور مهم للفضاء بأضوائه وظلاله ومشاهده الطبيعية، والصمت المحيل على القلق الوجودي.
وأضافوا أن أسلوب، تيشيني، الذي خاض تجربة النقد السينمائي في سن العشرين بنشر مقالات في مجلة “دفاتر السينما”، يتميز أيضا باختيار حكايات من الواقع اليومي (انعدام التواصل، اضطراب العلاقات، عنف الأهواء…).
قال الناقد السينمائي عمر الخمار إن المخرج أندري تيشيني، “شكل محطة مضيئة في السينما الفرنسية، وله اسمه و أسلوبه” السينمائي الخاص به.
وأضاف الخمار أن أسلوب تيشيني يتميز بالواقعية وكذا بنوع من التعبيرية والاهتمام أكثر بالعواطف، مشيرا إلى أن هذا الأسلوب يستلهم من أفلام مخرجين آخرين، لكن تيشيني استطاع صقله، وبالخصوص في طريقة التعامل مع الممثلين وفي إدارة الممثل.
وأوضح، في هذا الصدد، أنه في كل فيلم لتيشيني يحاول معرفة الواقع الذي يعيشه الممثل من خلال الدور الذي يشخصه، ويحاول أن يكون أقرب إلى الواقع في تشخيص هذا الدور، فالمخرج يكون عارفا للأجواء التي سيعيشها الممثل ويحاول نقلها للممثل.
وذكر الناقد المغربي بأن تيشيني تعامل مع مجموعة من النجوم، وكان له الفضل في إبراز مجموعة من الممثلين، فتعامل بالخصوص مع الممثلين جان مورو وجيرار ديبارديو وممثلته المفضلة كاترين دونوف التي حضرت في سبعة من أفلامه.
وأشار إلى أن أفلام المخرج الفرنسي لم يكن عليها عموما إقبال جماهيري كبير، إذ هي أفلام مؤلف، وكانت بالمقابل ناجحة عند النقاد السينمائيين والشغوفين بالفن السابع، على عكس بعض أفلام مواطنيه مثل فرانسوا تريفو وجان لوك غودار التي حظيت بجماهيرية أكبر، لكن تيشيني استطاع الفوز بالعديد من الجوائز في مختلف المهن كالإخراج وغيره.
يذكر أن أندري تيشيني شارك لأول مرة سنة 1979 في المسابقة الرسمية لمهرجان (كان) بفيلمه الطويل “الأخوات برونتي”، وحاز جائزة سيزار لأحسن فيلم عن عمله “قصب بري”.
أما فيلمه “الرجل الذي يحظى بحب مفرط”، الذي تم عرضه خارج المسابقة الرسمية لمهرجان (كان)، فقد صوره سنة 2014 بمدينة طنجة، وجمع فيه بين قمتين فنيتين هما كاترين دونوف وديبارديو.
ويعبر الفيلم “عن نوع من الانتقال الجغرافي والزمني والشخصي والسينمائي، وفيه يختار المخرج لحكاية فيلمه سياقا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا تحكمه العولمة وإخفاقاتها، وفيه أيضا يعبر عن رفضه القاطع لكل أشكال التزمت ورفض الاختلاف”، حسب تعبير أحد النقاد السينمائيين.

Related posts

Top