الدور الإيراني في إفريقيا

من المعلوم أنه بعد انتهاء الحرب الباردة، تعرضت القارة الإفريقية للتنافس الدولي بهدف الفوز بالثروة والنفوذ فيها، وقد تميزت المرحلة بصعود قوى دولية جديدة مثل الصين والهند والبرازيل، في وقت هيمنت فيه على التوجه الأمريكي الجديد تجاه القارة، اعتبارات أمنية واقتصادية خاصة بعد 11 سبتمبر، ومن ثم كان هاجس الولايات المتحدة ومن ورائها الدول الغربية، هو مقاومة نفوذ هذه الدول الصاعدة.
وعلى الجانب الآخر فإن دول الجوار الإقليمي غير العربية، وهي إيران وتركيا وإسرائيل استغلت حالة الضعف الاستراتيجي للدول العربية، وشرعت في البحث عن أدوات جديدة لإحياء وتدعيم أدوارها الإقليمية، حيث أضحى التوجه جنوبا نحو إفريقيا من أبرز الملامح المشتركة بين دول الجوار الإقليمي الثلاث، وهي إيران وتركيا وإسرائيل، والتي تحلم بعضها باستعادة أمجادها الإمبراطورية القديمة التي تستند إلى اعتبارات تاريخية وإيديولوجية.
في هذا السياق لم تنقطع الوفود الرسمية لهذه الدول الثلاث عن زيارة عدد من العواصم الإفريقية.
وانطلاقا من هذا الواقع عرفت التوجهات الإيرانية بعد الثورة الإسلامية سنة 1979، تحركات مكثفة وواسعة النطاق في دوائر خارجية، وذلك في سياق شعورها بدورها الإقليمي بل والعابر للأقاليم أحيانا.
وهكذا فقد ارتبطت تلك التحركات، بالخصوص، بتدخلات مباشرة في الشؤون الداخلية لبعض دول المنطقة، على نحو تجاوز الأعراف المتبعة عادة بالنسبة لخدمة المصالح القومية الإيرانية، ما أدى في النهاية إلى إثارة نقاشات واسعة حول الدور الخارجي الإيراني المتميز، بكثافة التحركات السياسية والدبلوماسية، وكذا بحجم الاستثمارات الاقتصادية، وقد سعت إيران من خلال تكثيف وجودها في العديد من هذه الدول، إلى تحقيق الكثير من المصالح وإلى كسب المزيد من الحلفاء الجدد، لهم اسهاماتهم في الساحة السياسية الدولية، وقد أثار هذا التوسع الكثير من المخاوف لدى دول الجوار في منطقة الشرق الأوسط، وما التطبيع الإماراتي مع إسرائيل سوى ترجمة لهذه المخاوف، حيث تعتبر دول الخليج، عموما، التوسع الإيراني تهديدا مباشرا لأمنها ولمصالحها كذلك.
وبناء عليه، فإن إيران تولي أهمية كبيرة لنفاذها إلى القارة الأفريقية، وذلك بإقامة شبكة من العلاقات والمصالح مع مختلف دول القارة، وخاصة جنوب إفريقيا والسينغال ومع دول منطقة شرق أفريقيا والقرن الإفريقي مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا والسودان، نظرا لما تمثله هذه الدول من أهمية بالنسبة لدولة مصر، باعتبارها تشكل المنابع الرئيسية لنهر النيل، وهو ما يثير الكثير من علامات استفهام، حول أسباب محاولتها تدعيم علاقاتها.. كما أنه يفتح المجال لعقد مقارنة بين دور كل من إيران وإسرائيل، للنفاذ إلى المنطقة ذاتها ونجاحهما إلى حد كبير في ذلك، كما أنه يرمي إلى تحقيق جملة من الأهداف المتداخلة والمتشابكة، وضمنها ما يسمى بالقوة الناعمة حيث استطاعت إيران توظيف شبكة من التفاعلات غير الرسمية لخدمة مصالحها.

< بقلم: أسماء داهي*

* طالبة دكتورة بمعهد الدراسات الإفريقية / جامعة محمد الخامس – الرباط

Related posts

Top