“الذات والعالم: دراسة في يوميات عبد الله العروي، محمد شكري، محمد خير الدين وعبد اللطيف اللعبي”

صدر للكاتب المغربي نور الدين صدوق، كتاب جديد بعنوان “الذات والعالم: دراسة في يوميات عبد الله العروي، محمد شكري، محمد خير الدين وعبد اللطيف اللعبي”، عن “دار اكورا/ طنجة” (2021)، نورد في ما يلي نص التقديم الذي صدر به مؤلفه:
-1 إن الغاية من التأليف الذي أصدرناه، محاولة البحث في جنس أدبي لم يتحقق تداوله بشكل موسع، سواء من حيث الإبداع، أوالتلقي النقدي. فالمنجز المتراكم في هذا الجنس وأقصد”اليوميات” بالنسبة للأدب العربي خاصة، لا يفي قصد البحث والتحليل. ومن ثم لن يقتصر التأليف سوى على الأدب المغربي الحديث.
على أن المفارقة التي تطرح، كون التحققات المتداولة على مستوى الأدب الغربي لكبار الأدباء والمؤلفين، حظي كم وافر منها بالنقل والترجمة، إلا أن بلاغة التأثير لم تصل غايتهاكما اللافت في أجناس أخرى كالقصة، الرواية و المسرحية. ويحق أن نضيف لليوميات موضوع تأليفنا، المذكرات والرسائل وإلى حد ما السيرة الذاتية التي يعد المنجز المتحقق فيها ضئيلا كما، لعامل أساس يتمثل في تصريف مادة التعبير الذاتي إلى الكتابة الروائية.
بيد أن ما تفضي له/إليه المفارقة، اعتبار خاصة التثاقف في أجناس بذاتها، لم تحز الاهتمام نفسه، إذ اعتبر التأليف خارج دائرة التصنيف. ومن ثم آثر تصور الإبداع العربي الممارسة في المتداول،وليس”الهامشي”.المتداول كأجناس معروفة، و”الهامشي” كأخرى لم تحظ باهتمام التأليف.
-2 إن المسعى الذي نروم تحقيقه في هذا التأليف استنادا للسابق، يتفرع إلى شقين: عام وخاص. وأما العام، فالقصد تشكيل شبه تصور تقريبي عن اليوميات، كما احتفي بها كجنس في الأدب الغربي على مستوى الإبداع والنقد، مع الإشارة للمتوافر عربيا على ندرته.هذا الشق سيشكل القسم النظري في هذا التأليف.وأما الخاص فيتحدد في التطبيق باعتباره القسم الثاني من الكتاب. وكما ألمحنا فلن يقتصر إلا على الأدب المغربي الحديث تأسيسا من المنجز المتحقق كما دلت التحديدات الأجناسية لكل من الدكتور عبد الله العروي (خواطر الصباح)، محمد شكري (جان جنيه في طنجة) ، محمد خير الدين (يوميات سرير الموت) وعبد اللطيف اللعبي (شاعر يمر). فالاختيار التمثيلي تطبيقا وليد الإنجاز في هذا الجنس إلى كفاءة الاسم العلم الاعتباري، وحظوة التداول عربيا و غربيا.
-3 على أن تقصي عوامل غياب الممارسة الإبداعية في جنس اليوميات، يقتضي التوقف على الثقافية، اللغوية، الاجتماعية والدينية. فالثقافية تعكس تصور المبدع العربي للتأليف الأدبي. وهو التصور الذي يجعله يحتكم لقاعدة المفاضلة بين الأجناس. فمفهوم اليوميات بالنسبة له، يدفعه لتصورها المعادل الإبداعي للسيرة الذاتية.ومن ثم يؤثر الكتابة في جنس السيرة الذاتية عوض الممارسة في جنس اليوميات، مادام المعنى يتقارب إن لم نقل يتشابه. وأما اللغوية فتتأسس على الصيغة الإبداعية، حيث القول اليومياتي لغويا يسمه التكرار القصدي – إذا حق – بالحرص على التثبيت الدائم لدقة الزمن، المكان والحدث في حينه وهو ما يحيل على انتفاء انسيابية السرد وتلقائية التخييل. وأما الاجتماعية فتعكسها التقاليد كموروث يفرض رقابة على القول. فالحميميات كتعبير يكسر طابوهات المحرم، الممنوع والمقدس غير مرغوبة النشر والتداول. وهذا يجعل المبدع العربي أول ناقد لمنجزه وبالتاليرقيب عليه. ويرتبط بالاجتماعي الديني، من منطلق الحيلولة دون إنتاج المعاني التي درج التأويل الساذج اعتبارها خادشة للحياء. ولعل من أبرز المفارقات التي تفرض نفسها على التحليل، كون العربي يولي المحرم كصورة أهمية، ويرفضه مكتوبا جاهزا للقراءة، وهو ما يحذو دوائر الدين والرقابة إلى المنع وعلى المتابعة.
-4 إن العوامل السابقة في شموليتها أو العكس، أدت بالعديد من كتاب اليوميات إلى الإحجامعن نشرها أو الحذف منها، أو إعادة النظر في المحذوف بتثبيته مجددا، وهو ما ينسحب على المنجز الغربي أساسا، مع مطلق العلم بتوافر يوميات عربية وإن بكم ضئيل، ويترقب فقط تحين فرص ظهورها. يبقى من خلال التمهيد الإشارة إلى:
1/كون اليوميات التي تهمنا أساسا، هي اليوميات الأدبية التي صاغها أدباء وكتاب تفردوا في حقل الكتابة والإبداع الأدبي.
2/ والتركيز كما سلف، يتعلق بالأدب المغربي الحديث، لوجود مادة قابلة للقراءة والبحث والتحليل مع الإشارة لنماذج عربية متى ما أمكن.
3/ ومحاولة الوقوف على حصيلة المكونات التي تصاغ في ضوئها اليوميات، إلى مجمل القضايا المشتركة أو المختلف حولها.
ومن ثم فارتباط اليوميات بالذات، بمثابة الرؤية إلى العالم في شموليته، خاصة وأن المبدع في أي جنس أدبي، صورة عن مثقف يتفاعل و ماجريات الأحداث على تباين واختلاف مستوياتها.

Related posts

Top