الذكرى 44 للمسيرة الخضراء حدث جيلي ونوعي جسد أروع صور التلاحم بين العرش والشعب

في أجواء الحمـاس والتعبئة المستمـرة حول قضيتنا الوطنية الأولـى، قضية الوحـدة الترابيـة، يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومـة وجيش التحريـر يومه الأربعاء 6 نونبر 2019، من طنجة إلى الكويرة الذكرى 44 للمسيرة الخضراء المظفرة التي أبدعتها عبقرية الملك الموحد جلالة المغفور له الحسن الثاني، وانطلقت فيها جماهير المتطوعين من كل فئات وشرائح المجتمع المغربي، ومن سائر ربوع الوطن، في مثل هذا اليوم من سنة 1975 بنظام وانتظام في اتجاه واحد صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها من براثن الاحتلال الإسباني، بقوة الإيمان وبأسلوب حضاري سلمي فريد من نوعه، أظهر للعالم أجمع صمود المغاربة وإرادتهم الراسخة في استرجاع حقهم المسلوب وعزمهم وإصرارهم على إنهاء الوجود الأجنبي والاستيطان الاستعماري، بتماسكهم والتحامهم قمة وقاعدة، حيث حققت المسيرة الخضراء أهدافها وحطمت الحدود المصطنعة بين أبناء الوطن الواحد.
وهكذا، أظهرت المسيرة الخضراء للعالم أجمع بالحجة والبرهان مدى التلاحم الذي جسدته عبقرية ملك مجاهد وشهامة شعب أبي وتصميم كافة المغاربة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال على استكمال استقلالهم الوطني وتحقيق وحدتهم الترابية، وأن سلاحهم في ذلك يقينهم بعدالة قضيتهم وتجندهم وتعبئتهم للدفاع عن مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية والذود عن حوزة التراب الوطني المقدس، تحذوهم الإرادة الحازمة لتحقيق وحدتهم التي عمل المستعمر بكل أساليبه على النيل منها، إلى أن عاد الحق إلى أصحابه وتحقق لقاء أبناء الوطن الواحد.
لقد قدم المغرب جسيم التضحيات في مواجهة الاحتلال الأجنبي الذي جثم بثقله على التراب الوطني قرابة نصف قرن، وقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب، والحماية الإسبانية بشماله وجنوبه، فيما خضعت منطقة طنجة لنظام دولي. وهذا، ما جعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة، بذل العرش والشعب في سبيلها تضحيات كبرى ورائعة في غمرة كفاح وطني متواصل الحلقات، طويل النفس، ومتعدد الأشكال والصيغ، لتحقيق الحرية والاستقلال والوحدة، والخلاص من ربقة الاستعمار بنوعيه والمتحالف ضد وحدة الكيان المغربي إلى أن تحقق الهدف المنشود بانتصار الشرعية وعودة بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية الشريفة من المنفى إلى أرض الوطن، في 16 نونبر 1955، حاملا لواء الحرية والانعتاق من نير الاحتلال الأجنبي والوجود الاستعماري.
ولم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر الاقتصادي والاجتماعي وإعلاء صروح الوطن، الذي كان من أولى قضاياه تحرير ما تبقى من تراب المملكة من نير الاحتلال. وفي هذا المضمار، كان انطلاق عمليات جيش التحرير بأقاليمنا الجنوبية سنة 1956 لاستكمال الاستقلال الوطني وتحرير الأجزاء المحتلة من التراب الوطني، واستمرت مسيرة التحرير بقيادة جلالة له المغفـور محمد الخامس، بعزم قوي وإرادة صلبة ليتحقق استرجاع إقليم طرفاية في 15 أبريل 1958.
وواصلت بلادنا في عهد جلالـة المغفور له الحسن الثاني ملاحمها النضالية حيث تم استرجـاع مدينة سيدي افني يوم 30 يونيو 1969، وتكللت بالمسيرة التاريخيـة الكبرى، في 6 نونبر 1975 التي جسدت عبقرية الملك الموحد الذي استطـاع بأسلوب حضاري سلمي فريد يصدر عن قوة الإيمان بالحق وبعدالـة القضية الوطنيـة، استرجـاع الأقاليـم الجنوبية، وكان النصر حليف المغاربة، وارتفعت راية الوطن في سماء العيون في 28 فبراير 1976، إيذانـا بانتهـاء فترة الاحتـلال والوجود الأجنبي بربوع الصحراء المغربية، وتلاها استرجـاع إقليم وادي الذهب في 14 غشت 1979.
وتواصلت ملحمة صيانة الوحدة الترابية، بكل عزم وإصرار، لإحباط مناورات خصوم وحدتنا الترابية، وها هو المغرب اليوم، بقيادة جلالة الملك محمد السادس يقف صامدا في الدفاع عن حقوقه المشروعة، مبرزا بإجماعه التام استماتته في صيانة وحدته الثابتة، ومؤكدا للعالم أجمع من خلال مواقفه الحكيمة وإرادته القوية وتجنده التام دفاعا عن مغربية صحرائه، ومبادرته الجادة لإنهاء كل أسباب النزاع الإقليمي المفتعل بالمنطقة المغاربية.
ومهما يكن، فإن المغرب سيظل متمسكا بحقوقه المشروعة في صحرائه، ومتشبثا بالتعاون مع المنتظم الدولي لإيجاد حل سياسي وواقعي ومعقول ومتفاوض عليه لهذا النزاع المفتعل، والذي لن ينال من إرادة المغرب أو يثني من عزيمته في الذود عن قضيته المقدسة لصيانة وحدته الترابية وتثبيت مكاسبه الوطنية.
وإن أسرة المقاومة وجيش التحرير وهي تخلد، ككل سنة، هذه الذكرى المجيدة، لتستلهم من هذه الوقفة، وقفة الوفاء والعرفان، القيم الوطنية وأمجاد وروائع الكفاح الوطني التي هي مبعث فخر واعتزاز وإكبار للمغاربة جميعا، ومصدر قوة وتضامن وتماسك لمواصلـــة مسيرة بناء المغرب الحديث، في إجماع وطني حول ثوابت الأمة ومقدساتها وخياراتهــــا الكبرى كما ورد في الخطاب السامي الذي ألقاه جلالـــة الملك محمد السادس في 29 يوليوز 2019، بمناسبة الذكرى 20 لعيد العرش والذي جاء فيه :” وإننا نحمده سبحانه، على ما من علينا به، من نعمة الوحدة والتلاحم، والبيعة المتبادلة بين العرش والشعب، وروابط المحبة والوفاء بيني وبينك، والتي لا تزيدها السنوات إلا قوة ورسوخا.
كما نحمده على الإجماع الوطني، الذي يوحد المغاربة، حول ثوابت الأمة ومقدساتها، والخيارات الكبرى للبلاد:
– وأولها: الملكية الوطنية والمواطنة، التي تعتمد القرب من المواطن، وتتبنى انشغالاته وتطلعاته، وتعمل على التجاوب معها؛
– وثانيها: الخيار الديمقراطي والتنموي، الذي نقوده بعزم وثبات.
– وثالثها: الإصلاحات العميقة، التي أقدمنا عليها، والمصالحات التي حققناها، والمشاريع الكبرى التي أنجزناها؛
وبفضل كل ذلك، تمكنا والحمد لله، من مواصلة مسيرة بناء المغرب الحديث، ومن تجاوز الصعوبات، التي اعترضت مسارنا”.
كما تغتنم مناسبة تخليد هذه الذكـــرى لتعلن عن تجندها الدائم وتعبئتها المستمرة وراء جلالـــة الملك محمد السادس من أجل الدفاع عن وحدتنا الترابية غير القابلة للتنازل أو المساومة، مثمنة المبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الصحراوية المسترجعة في ظل السيادة الوطنية، هذا المشروع الذي حظي بإجماع أوسع فئات الشعب المغربي وأطيافه السياسية، ولقي الاستحسان والدعم من المنتظم الأممي الذي اعتبره آلية ديمقراطية واقعية ومتقدمة تنسجم مع الشرعية الدولية، فضلا عن أنه يشكل حلا واقعيا وسلميا وتسوية سياسية لهذا النزاع الإقليمي المفتعل الذي يعمل خصوم الوحدة الترابية على تأبيده والدفع بشعوب المنطقة إلى ما لا تحمد عقباه.
ومهما يكن، فإن المغرب سيظل متمسكا بحقوقه المشروعة في صحرائه، ومتشبثا بالتعاون مع المنتظم الدولي لإيجاد حل سياسي واقعي ومعقول، متفاوض عليه لهذا النزاع المفتعل، الذي لن ينال من إرادة المغرب أو يثني من عزيمته في الذود عن حقه المشروع والانتصار لصيانة وحدته الترابية وتثبيت مكاسبه الوطنية.
وهو ما يستحث كافة القوى الحية وسائر أطياف ومكونات المجتمع الوطني على الانخراط في تعزيز التوجهات والاختيارات الكبرى التي يضطلع بها جلالة الملك محمد السادس، بما من شأنه تشكيل عماد النموذج التنموي في صيغته/مرحلته الجديدة التي قوامها المسؤولية والإقلاع الشامل، حيث يقول جلالته :” إن تجديد النموذج التنموي الوطني، ليس غاية في حد ذاته. وإنما هو مدخل للمرحلة الجديدة، التي نريد، بعون الله وتوفيقه، أن نقود المغرب لدخولها.
مرحلة جديدة قوامها: المسؤولية والإقلاع الشامل.
وهي مرحلة واعدة، لأن ما يزخر به المغرب من طاقات ومؤهلات، تسمح لنا بتحقيق أكثر مما أنجزناه . ونحن بالفعل، قادرون على ذلك .
ويظل طموحنا الأسمى، هو أن يلتحق المغرب بركب الدول المتقدمة.
غير أن المرحلة الجديدة، التي نحن مقبلون عليها، حافلة أيضا بالعديد من التحديات والرهانات الداخلية والخارجية، التي يتعين كسبها؛ وفي مقدمتها:
• أولا: رهان توطيد الثقة والمكتسبات: لكونها أساس النجاح، وشرط تحقيق الطموح: ثقة المواطنين فيما بينهم، وفي المؤسسات الوطنية، التي تجمعهم، والإيمان في مستقبل أفضل.
• ثانيا: رهان عدم الانغلاق على الذات، خاصة في بعض الميادين، التي تحتاج للانفتاح على الخبرات والتجارب العالمية، باعتبار ذلك عماد التقدم الاقتصادي والتنموي، بما يتيحه من استفادة من فرص الرفع من تنافسية المقاولات والفاعلين المغاربة (…).
• ثالثا: رهان التسريع الاقتصادي والنجاعة المؤسسية: لبناء اقتصاد قوي وتنافسي، من خلال مواصلة تحفيز المبادرة الخاصة، وإطلاق برامج جديدة من الاستثمار المنتج، وخلق المزيد من فرص الشغل(…).
• رابعا: رهان العدالة الاجتماعية والمجالية: لاستكمال بناء مغرب الأمل والمساواة للجميع.
مغرب لامكان فيه للتفاوتات الصارخة، ولا للتصرفات المحبطة، ولا لمظاهر الريع، وإهدار الوقت والطاقات.
لذا، يجب إجراء قطيعة نهائية مع هذه التصرفات والمظاهر السلبية، وإشاعة قيم العمل والمسؤولية، والاستحقاق وتكافؤ الفرص”.
ومناسبة تخليد الذكرى 44 للمسيرة الخضراء، التي تنتصب في الذاكرة التاريخية الوطنية كحدث جيلي ونوعي، توحي للأجيال الحاضرة والجديدة بواجب التأمل والتدبر في معانيها ودلالاتها العميقة، واستلهام قيمها في تقوية وتجسير الروح الوطنية في مواجهة التحديات وكسب رهانات الحاضر والمستقبل في تشييد مغرب قوي متماسك، ديمقراطي وحداثي.
وبهذه المناسبة أعدت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير برنامجا احتفاليا حاشدا يتضمن يومه الأربعاء مهرجانا خطابيا وتكريميا بقاعة الندوات والمحاضرات بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، تلقى خلاله عروض وشهادات حول هذا الحدث التاريخي.
وسيتم يوم غد الخميس افتتاح المعرض الوطني الأول لرموز الوطن وللمنجزات الملكية في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس بتنسيق مع مؤسسة رباط الأنوار للعلم المغربي، وذلك بفضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بسلا، فضلا عن تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير. هذا، وستشهد مجموع ولايات وعمالات وأقاليم المملكة احتفاليات وأنشطة متميزة تتضمن فقرات متنوعة حافلة بالمهرجانات الخطابية واللقاءات التواصلية والمحاضرات والعروض الفكرية والثقافية والأنشطة التربوية والتعبوية، تنويرا لأذهان الناشئة والأجيال الجديدة والمتعاقبة بالدلالات السامية والدروس العميقة لملحمة المسيرة الخضراء .

Related posts

Top