الذكرى 64 لاستشهاد القائد التقدمي عبد الكريم بن عبد الله

جمع بين الكفاح المسلح والعمل السياسي والفكر المتنور

يخلد مناضلات ومناضلو حزب التقدم والاشتراكية، ومعهم القوى الديمقراطية والتقدمية المغربية، الذكرى 64 لرحيل المناضل والقائد الشيوعي عبد الكريم بن عبد الله الذي اغتيل، برصاصة غدر، في مثل هذا اليوم (31 مارس 1956)، عندما نزل من بيته الواقع بطريق مديونة بالدار البيضاء، قاصدا الصيدلية لاقتناء دواء لأحد أطفاله الصغار.
القائد الوطني الثوري والشيوعي عبد الكريم بن عبد الله، اغتيل في مثل هذا اليوم، بعد أيام قليلة على استقلال المغرب الذي ناضل من أجله بالغالي والنفيس، وكان أحد القادة البارزين للمنظمة السرية “الهلال الأسود” التي أذاقت الاستعمار الفرنسي وأعوانه الويلات من خلال القيام بعمليات نضالية نوعية كـ “تصفية متعاونين مع الاستعمار، وإلقاء قنابل داخل الأحياء الأوربية في الدار البيضاء، وتنظيم تجمعات خاطفة أمام المصانع الكبرى، وكتابات للشعارات والملصقات الحائطية، وتوزيع مناشير، وطبع سري بآلة الرونيو لجريدتي الحزب “إسبوار” (الأمل) و”حياة الشعب”،
وتوجيه نداءات الحزب عبر راديو “صوت الاستقلال والسلام” الذي كان يبث من براغ بتشيكوسلوفاكيا بواسطة المناضل الشيوعي الصحفي والمذيع محمد فرحات المطرود عام 1948 من قبل السلطات الاستعمارية”، وفق ما حكاه رفيق دربه في الحزب الشيوعي ومنظمة الهلال الأسود المرحوم عبد الله العياشي.
الشهيد عبد الكريم بن عبد الله، ولد بمدينة وجدة يوم 29 نونبر 1923، حيث تلقى تعليمه خلال المرحلتين الابتدائية والثانوية، ليرحل بعد حصوله على البكالوريا إلى فرنسا لمتابعة دراسته الجامعية، ملتحقا بالمدرسة العليا للمناجم بباريس، والتي تخرج منها كأول مهندس جيولوجي مغربي، سنة 1950 ليعود إلى المغرب ويلتحق بإدارة المعادن التي تخلى عن منصبه فيها، فيما بعد، من أجل التفرغ للعمل السري والنضال ضد المحتل الفرنسي، إلى جانب مناضلين وقادة شيوعيين من قبيل عبد السلام بورقية، وعبد الله العياشي، ومحمد السطي، ومحمد قوقجي، والمعطي اليوسفي، وأحمد الماضي الذين كانوا إلى جانبه ضمن القادة الفعليين في منظمة الهلال الأسود التي اختارت المقاومة المسلحة كخيار وكأسلوب لدحر المستعمر.
عبد الكريم بنعبد الله نموذج للمثقف الثوري.. انحاز إلى الفكر الشيوعي والتحرري منذ ريعان شبابه، حيث انخرط بالحزب الشيوعي المغربي أواخر سنة 1947 وهو يتابع دراسته بفرنسا، وكان حينها من أبرز الطلاب النشطين، وهو واحد من المؤسسين البارزين للمنظمة الطلابية “اتحاد الطلاب المغاربة” إلى جانب مناضلين آخرين كالمناضل الشيوعي عبد الهادي مسواك، وغيره من الطلاب المغاربة الذين كانوا يتابعون دراستهم بفرنسا من أمثال عبد الرحيم بوعبيد، علما أن هذه المنظمة الطلابية التي كانت مجالا للتكوين الفكري والسياسي للطلاب المغاربة بفرنسا، ستحل نفسها فيما بعد، وتندمج داخل منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
وقبل أن يلتحق بالقيادة السرية للحزب الشيوعي، وينتخب ضمن جيل المناضلين الشباب، في مكتبه السياسي سنة 1953، تحمل مسؤولية بتنظيم الشبيبة الشيوعية المغربية وترأس وفدا للشبيبة المغربية في المهرجان العالمي الثالث للشباب والطلبة المنعقد ببرلين سنة 1951، وكان عشية اغتياله يوم السبت 31 مارس 1956، يستعد للسفر للمشاركة في أشغال إحدى دورات المجلس العالمي للسلم الذي كان يتمتع فيه بصفة العضوية.
إلى جانب نضاله السياسي، من أجل التحرر والتقدم والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية، كان عبد الكريم بن عبد الله من المثقفين العضويين، وكان يشرف على مجلة سياسية فكرية يصدرها الحزب “الفكرة الوطنية”، والتي ساهمت في الرفع من منسوب الوعي الوطني والتحرري لدى العديد من الشباب المغربي، خلال تلك المرحلة المؤسسة لتاريخ المغرب الحديث.
وكان الشهيد يحظى باحترام مختلف الفاعلين السياسيين والوطنيين، وكانت له حظوة خاصة لدى ساكنة المدينة القديمة بالدار البيضاء التي أعلنت الحداد يوم اغتياله، وأغلقت المحلات التجارية، وفق شهادة الراحل عبد الله العياشي الذي قال “إن جنازة الفقيد عبد الكربم بن عبد الله شاركت فيها ساكنة المدينة القديمة بكثافة كبيرة وأغلقت أبواب المحلات التجارية، كما شارك في التشييع أعضاء من حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال ومنظمات مغربية وجزائرية”، مشيرا إلى أن الحزب الشيوعي المغربي اعتبر حينها أن الجهة التي تورطت في جريمة اغتياله، وأعقبتها بهجمات أخرى ضد مناضليه تطبيقا لمؤامرة التصفية الجسدية، هي نفس الجهة التي اغتالت أحمد الشرايبي، وثريا الشاوي، ومقاومين آخرين….
وحول الظروف التي اغتيل فيها القائد عبد الكريم بنعبد الله، يحكي رفيق دربه الراحل عبد الله العياشي قائلا إنه “بعد مفاوضات “اسل سان كلو” و”إيكسلبيان”، أسندت إلى “منظمة للمقاومة” مهمة جد خاصة لاستقطاب المنظمات المسلحة الأخرى وجعلها خاضعة لاتجاه سياسي معين واحد، وبالطبع نشأ إثر ذلك جو من الفوضى والاضطراب تسبب في هلاك عدد كبير من المقاومين من الهلال الأسود، من الحزب الشيوعي المغربي ومن منظمات عديدة أخرى”، وفي هذه الظروف، يضيف عبد الله العياشي، “وقع استشهاد رفيقنا عبد الكريم بنعبد الله… وكانت فترة من أفظع فترات تاريخ مقاومتنا، بل وتاريخ حركتنا الوطنية التقدمية على وجه الخصوص”.
يشار إلى أن الشهيد عبد الكريم بن عبد الله كان متزوجا بمناضلة شيوعية، اسمها سوزان لاريبير، وهي طبيبة، وبنت طبيب شيوعي شهير في وهران الجزائرية مختص في أمراض النساء هو الدكتور لاريبير. وقد خلف عبد الكريم ابنين “مراد وآسية” يعيشان حاليا بالديار الفرنسية.

 محمد حجيوي

Related posts

Top