الرئيس الذي يريد بيع مكتبته

يوجد على رأس الجمعية البيضاوية للكتبيين شخص له غيرة شديدة على هذا الميدان. لا يكاد يمر يوم، بل ساعة، دون تدوين نداءات واستغاثات موجهة إلى وزارة الثقافة من أجل رد الاعتبار إلى ميدان اشتغاله المتمثل في بيع الكتب المستعملة.
عشرات، مئات من التدوينات لم يكل من تسطيرها في صفحته الاجتماعية للتعريف بمعاناته ومعاناة رفاقه الذين يكسبون رزقهم من تجارة الكتب المستعملة، خاصة بعد اجتياح الوباء وإلغاء دورتين على الأقل من دورات المعرض الوطني للكتب المستعملة الذي كانت تحتضنه ساحة السراغنة بالدار البيضاء وتراكم الديون.
قبل أسبوع، أعلن رئيس الجمعية الذي يمتلك مكتبة في سوق القريعة عن قرار صعب ومؤلم: عرض محل مكتبته للبيع والتخلي نهائيا عن هذا الميدان.
نشر صورة لواجهة المكتبة العامرة بالكتب وذكريات القراء من شتى المشارب الذين عبروا المكان، وأرفقها برقم هاتفه وبكلمة واحدة تختزل كل المعاناة:

للبيع.
مؤسف جدا هذا القرار الذي لا شك أن صاحبه لم يتخذه إلا بعد تفكير طويل جدا وبعد أن وصل الجنوي للعظم، كما نقول في تعبيرنا الدارج.
من كان يتصور أن يقوم شخص قضى أكثر من نصف عمره في ممارسة تجارة يعشقها إلى حد الجنون؛ بعرض محل هذه التجارة للبيع.
هو الذي كان يطمح إلى إنشاء مجمع كبير لباعة الكتب المستعملة، وراسل في شأن ذلك الجهات المسؤولة.
هو الذي كان يخطط لتنظيم دورة جديدة من المعرض الوطني للكتب المستعملة.
هو الذي كان يناضل لكي يكون لباعة الكتب المستعملة جناح خاص بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء الذي تسهر على تنظيمه وزارة الثقافة.
هو الذي سارع إلى التعبير عن احتجاجه لما بلغ إلى علمه أن هذا المعرض سيتم ترحيله إلى مدينة أخرى.
هذا الوضع المتردي الذي يتخبط فيه الكتبيون، سواء الذين يتاجرون في الكتب المستعملة أو الحديثة الصدور، ليس وليد الصدفة، بل نتيجة تراكمات عدة، وقد بات واضحا للعيان التقلص المضطرد للمكتبات في مختلف مدننا.
الكثير منها تحول إلى نشاط تجاري مغاير من شأنه تحقيق مردودية مادية أفضل: بيع الأكلات الخفيفة، الأجهزة الإلكترونية وغيرها من المواد الاستهلاكية.
هل هي سنة الطبيعة؟ هل صارت الكتب الورقية متجاوزة إلى درجة تراجع الإقبال عليها بهذه الحدة غير المسبوقة؟
نصيحة إلى صديقي يوسف بورة رئيس الجمعية البيضاوية للكتبيين الذي يعرض محل مكتبته للبيع:
إذا بعته، رجاء، لا تتخل عن الميدان، ادفع الديون التي عليك، اذخر ثمن العلاج، وما تبقى من المال اشتر به عربة واكتب عليها: «مكتبة متنقلة»، ثم جل بلادنا طولا وعرضا، فالحياة قصيرة يا صديقي.

> عبد العالي بركات

Related posts

Top