الرشوة.. آفة تعيق تنمية المملكة

يشكل يوم 6 يناير من كل سنة، مناسبة وطنية للوقوف على الحصيلة التي استطاع المغرب تحقيقها في محاربة ظاهرة الرشوة التي تعد السبب الرئيسي في تأخر المسيرة التنموية بالمغرب، حيث يؤدي استمرار هذه الظاهرة إلى عرقلة الاستثمار، والتقليص من القدرة التنافسية للمقاولات، وانتشار ظواهر تؤثر، سلبا، على كل مناحي الحياة العامة، وهو ما يفوت على المملكة جزء مهما من مواردها المالية.
وبالرغم من الجهود التي يتم بذلها، سواء عبر بلورة برامج وطنية لمحاربة الرشوة بين 2005 و2010، أو عبر المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في 2007، أو من خلال اعتماد حزمة من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية، علاوة على إطلاق الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة سنة 2016، إلا أن الأرقام والوقائع لا زالت دون تطلعات المجتمع المغربي الذي يعتبر أن معركة القضاء على الرشوة أولوية مطلقة، في حين أن المنجزات المحققة في هذا الإطار تبقى حاسمة بالنسبة للمواطنين في تقييم نجاح أو فشل المهام الحكومية والإدارية.
وتعد الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة التي تم إطلاقها سنة 2016، والتي تمتد لعشر سنوات، الأولى من نوعها بالمملكة، وتروم توطيد النزاهة والحد من الفساد بشكل ملموس في أفق 2025 وذلك من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير، لاسيما إرساء حكامة تتسم بالنزاهة وبالحسم في كل ما من شأنه الإخلال بالأخلاقيات، وتعزيز إطار الوقاية للحد من الأنشطة المرتبطة بالفساد، وإضعاف دوافع ومحفزات اللجوء إلى الفساد من خلال تطبيق صارم للقوانين.
كما أن تنفيذ هذه الإستراتيجية يتسق مع المقتضيات الدستورية المتضمنة في دستور 2011، خصوصا الباب الثاني عشر الذي يخص تعزيز مبدأ الحكامة الجيدة وإلزامية إخضاع المرافق العمومية لمقتضيات الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. وكذلك في إطار تعزيز جهود المملكة الرامية محاربة هذه الآفة، تم، خلال سنة 2017، إحداث اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد طبقا لمقتضيات الدستور، لاسيما الفصلين 90 و92.
وتتجلى مهام هذه اللجنة أساسا في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة عبر تقديم مقترحات وبرامج من شأنها تعزيز الشفافية وإشاعة قيم التخليق والنزاهة داخل المرافق العمومية. وتتكون اللجنة من ممثلين عن السلطات الحكومية، وهيئات الحكامة وهيئات معنية وكذا منظمات غير حكومية.
وفي سياق آخر، تم خلال شهر أبريل 2018 عقد الاجتماع الأول للجنة الوطنية لمكافحة الفساد، تحت رئاسة رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، وبحضور عدد من الوزراء وممثلي القطاعات العمومية والهيآت الدستورية والمؤسسات ذات الصلة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، أعضاء اللجنة.
واعتبر رئيس الحكومة، خلال كلمة له بالمناسبة، أن هذا الاجتماع يشكل انطلاقة فعلية لعمل اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، كما سجل أن الحكومة لا تنطلق من فراغ في مكافحة الفساد، بل تستفيد من الجهود التي بذلت في هذا المجال منذ سنوات خلت، وتعمل على ترصيدها للمضي قدما في مكافحة الظاهرة، مستحضرة تجارب عدد من المؤسسات الدستورية المتخصصة في المجال.
وأكد العثماني أن محاربة الفساد تشكل أولوية من أولويات العمل الحكومي، بحكم أن هذا الورش يعتر ورشا استراتيجيا، مشيرا إلى أن الحكومة واعية بضرورة المضي قدما لتحقيق نتائج ملموسة في هذا المجال، الذي يهم كل المغاربة، ويحتاج إلى عمل تراكمي مستمر.

***

جلالة الملك يضخ دماء جديدة في الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة

تميزت سنة 2018 بتعيين محمد بشير الراشدي رئيسا للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، من طرف جلالة الملك محمد السادس، وتتولى هذه الهيئة المحدثة بموجب الفصل 36 من الدستور، على الخصوص، مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة.
وقال الراشدي، في تصريح صحفي عقب تعيينه، إنه، بهذا التعيين، “نطمح لبدء عهد جديد في مسار محاربة الرشوة، عهد تغييرات حقيقية ولا رجعة فيها، من خلال استراتيجيات فعالة، وقابلة للتطبيق، تضطلع فيها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بأدوار التحفيز والمتابعة والتقييم الخاصة بالسياسات العمومية في هذا المجال”.
وأوضح الراشدي أن “الرشوة ظاهرة تعرقل مسار التنمية، وتؤثر على الثقة لدى المواطنين وكذا لدى المستثمرين، مضيفا أنه “سواء تعلق الأمر بالوقاية أو الزجر، يتعين على الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن تتمتع بصلاحيات حقيقية لإجراء تحقيقات ومعالجة الملفات، قبل إحالتها على القضاء الذي ينبغي أن يلعب دوره كاملا وبكيفية مستقلة”، وفق تعبيره.

***

الخارجية الأمريكية: الرشوة تعيق تطور الاقتصاد الوطني

قال تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية حول مناخ الاستثمار والأعمال، إن تفشي الفساد وظاهرة الرشوة في مؤسسات الدولة يعرقل تطور الاقتصاد المغربي، موضحا أن الحكومة لا تطبق القانون بشكل فعال في هذا الشأن، وهناك مسؤولين متورطين في قضايا فساد دون أن ينالوا أي عقاب.
وأبرز التقرير الذي يغطي 170 دولة، أن الرشوة والفساد والبطالة حواجز تعيق إقلاع الاقتصاد المغربي، مشيرا إلى أن غياب يد عاملة مؤهلة وماهرة، وضعف حماية حقوق الملكية الفكرية، والبيروقراطية الحكومية غير الفعالة، تشكل تحديا حقيقيا أمام الاستثمار المغربي.
وأشارت الخارجية الأمريكية، في تقريرها لسنة 2018، إلى عدم وجود إجراءات حكومية كافية وفعالة للحد من انتشار ظاهرة الفساد الذي يعتبر “مشكلة خطيرة” بالنسبة للمغرب، موضحة أن السلطات بالمغرب لا تفتح تحقيقا إلا في حالات قليلة، بالرغم من وجود أخرى كثيرة معروضة عليها، مسجلا وجود البطالة في أوساط خريجي المعاهد والجامعات المغربية، والذين لا يجدون أي فرصة شغل تتناسب والتكوين الذي تلقونه، بالإضافة إلى أن المشغلين يشكون غياب يد عاملة ماهرة.

> إسماعيل الأداريسي

Related posts

Top