الروائي محمد سالم الشرقاوي لبيان اليوم: النقد يجعلني أكتشف الكثير من مكنونات النص التي لم أنتبه إليها وأنا أكتبه

> محمد توفيق أمزيان(صحافي متدرب)

عقب انتهاء جلسة تقديم وتوقيع رواية» إمارة البئر»  لمؤلفها محمد سالم الشرقاوي، أجرت معه بيان اليوم حوارا قصيرا، حول القضايا التي تطرحها وحول بنائها الفني:
 > قبل أن يخوض القارئ في غمار روايتك إمارة البئر وقبل أن يطلع عليها، يحس من خلال العنوان الذي وضعته أنه أمام رواية غامضة يدفعه الفضول لقراءتها ولعله سر نجاح الرواية، كيف استلهم محمد سالم الشرقاوي عنوان “إمارة البئر” لروايته؟
< أصدقك القول بأن العنوان الذي يَخطه الكاتب لمُنتجه، سواء كان عملا علميا أو من أصناف الأدب المختلفة، يختصر قصة العمل برمته من بدايتها إلى نهايتها. وأحسب أن الكاتب، في مرحلة مُعينة، يكون قد تحفز لركوب مغامرته الفكرية أو الأدبية من (عنوان) يكون قد عنَّ له ذات فكرة، أو ذات لحظة، أو ذات موقف.. وقد يستمر معه إلى النهاية، أو قد يتركه لعنوان آخر.. لا يهم.. لأنه، في جميع الأحوال، يكون هو الأصل في العمل، كُلاًّ أو جزءا.
 وفي حالتي، تأتي كلمة “الإمارة” من شخص “الآمر”، وهو القيم على الشيء (أو المهمة أو المسؤولية)، وقد يُحسن (الآمر) التصرف فيما يُعهد إليه من مسؤوليات ليصبح “أميرا” بالمعنى المجازي الرمزي، فيفرض نفسه وأسلوبه ويحوز احترام الناس وقبولهم لقراراته، لا سيما إذا كانت هذه القرارات تتعلق بحياتهم وترهن مصيرهم، وليس أقلها شأنا صلتها بالبئر الوحيدة، التي أقام الناس حولها بلدتهم “بئر السبع”، وارتبطوا بها أيما ارتباط.
لاشك أن تيمة “الماء” كانت أساسا للسرد الروائي ومجالا لحركة الشخصيات تثير في القارئ أسئلة الحياة بتمظهراتها المختلفة، داخل الوسط العائلي، ومنها إلى القبلي، ثم إلى الوطني، حيث نطرح قضايا الارتباط الحسي بين أطراف الجسد الواحد، وما توحي به من صلات مع المحيط المباشر لتمتد إلى ما وراء ذلك، دون أن ننسى تقاطعات الدين والسياسة وما تحكمهما من خلفيات سوسيولوجية وأنتروبولوجية ظهرت جليا في العمل.

> ما هي المحاور الأساسية التي تدور حولها هذه الرواية؟
< الرواية تحمل الكثير من الرسائل لمن يهمه الأمر. أولها أن ارتباط الإنسان بمجاله (مهما كانت قساوة هذا المجال) شيء يكاد يكون روحيا أثبتته تجارب الحياة لكل منا، وارتباط المرء بوطنه لا تمنعه الحدود. لذلك نستطيع أن نبني على الأثر الذي خلفه الأجداد، وهو أثر مشرف ومُبهر في التضحية ونكران الذات، في دفاعهم عن الوطن ونُصرتهم لرموزه بدون منة أو رياء.
أما الرسالة الأخرى فأقدر أنها لا تقل أهمية عن الأولى عندما نتفق على أن البناء يمكن أن يتأسس على ما نسميه بحفظ الخصوصية. فلا يتعارض هذا مع ذاك، بل يقويه ويعضده، شريطة أن نوفر للناس أسباب الاستقرار وشروط الحياة حتى لا يفكر أحدهم في ركوب المغامرات لترك وطنه بحثا عن موطن آخر (ولا أقول وطنا آخر).

> كيف تم تلقي عملك الروائي الجديد هذا؟
< في الحقيقة أسعدتني التعليقات التي قرأتها من أقلام معروفة بدربتها وحرفيتها ومصداقيتها.. وأستفيد كثيرا مما يقوله النقاد الفضلاء عن الرواية، فأكتشف مع غيري الكثير من المكنونات التي لم أنتبه إليها وأنا أكتب روايتي على مدى سنوات، استثمرت بعضها في البحث والتنقيب في عالمي الروائية وفي نفسيات الشخصيات.

> أكيد أنه بعد نجاح روايتك “إمارة البئر” ستشرع في كتابات جديدة، هل لك أن تطلعنا على جديد أعمالك الأدبية في المستقبل القريب؟
< في الحقيقة يشجعني القبول الحسن لروايتي في الأوساط الجامعية والإعلامية وفي أوساط المهتمين بطرح الجزء الثاني من الثنائية (ثنائية السيرة والإخلاص) في القريب، إن شاء الله، وهو الجزء الموسوم بـ”قدر الحساء”، الذي يأخذ شخصيات “إمارة البئر” إلى عوالم أخرى، كل قدر طموحاته، وإمكانياته. فنتصور أن الضابط منصور السويد، الذي حمل على كاهله جانبا مهما من السرد في الجزء الأول ربما يتراجع دوره لصالح ابنه الشَّراد (آمر البئر). كما أن مغامرات الراعي “لمغيفري” ستأخذ اتجاهات أخرى، فيما تتصرف باقي الشخصيات في مساحة أرحب وأوسع لتستشرف مستقبل بلدة “بئر السبع” الصحراوية، في ظل التحولات التي شهدتها المنطقة بعد عام 1975.
والهم عندي من هذه السيرة السردية الطويلة بجزئيها الأول و الثاني هو أن نساهم في نقل التراث الشفاهي الغني في الثقافة الحسانية الصحراوية إلى أثر مكتوب، يُطرح للدارسين في الجامعات والمعاهد كرافد أساسي من روافد الهوية المغربية في تعددها وغناها، ولعلي بذلك أساهم في التأسيس لما أسميه بأدب الصحراء، بما لمستهن في الفترة الأخيرة، من ترحيب لدى الأوساط الجامعية، وذلك حتى نرتقي جميعا بفهمنا للصحراء في امتداداتها الطبيعية والبشرية والإنسية، إلى مدارج أخرى، لا علاقة لها بالصور النمطية التي تتراءى لنا بين الفينة والأخرى لصالح هذا الاتجاه أو ذلك.
هذا هو الاتجاه الذي نحاول التأسيس له بعمل أدبي وفق المعايير المتعارف عليها ويحترم ذكاء القراء، ويبني على التراكم المهم الذي أصبح يظهر في الصحراء من خلال كتاب وكاتبات ومبدعين ومبدعات يجتهدون لتقديم الصورة الصحيحة عن بلدهم المغرب، حيث تسمو قيم الدين والجمال، والسمو والانفتاح والوسطية والاعتدال.

Related posts

Top