الزاكوريات.. نساء من نوع آخر

إذا كانت النساء في المدن الكبرى للمغرب، والحديث هنا، عن مدن من قبيل الدار البيضاء، الرباط، القنيطرة، مراكش، طنجة، وغيرها.. قد قطعن أشواطا كبيرة، في إثبات ذاتهن، وتأكيد أحقيتهن في مشاركة الرجل في مختلف الميادين الاجتماعية، فإن المرأة الزاكورية هي الأخرى خرجت للاشتغال في الميدان إلى جانب الرجل، مبادرة إلى تقديم يد العون لأسرتها الصغيرة على قدر المستطاع، مع فرض ذاتها في مجتمع جنوبي محافظ.
خصوصية إقليم زاكورة، والمناطق المجاورة لها، جعلت من خروج المرأة إلى الاشتغال في الواحات، والحقول، وتأسيس تعاونيات وجمعيات صغيرة خاصة بها، أمرا صعبا بالنسبة للعديد من النسوة، لأن ثقافة الأقاليم الجنوبية جعلت من خروجهن إلى العمل، تمردا وتحديا للأعراف والتقاليد التي كانت لا تقبل بالمرأة فاعلا في المعادلة الاقتصادية والاجتماعية للأسر الزاكورية.

صعوبات من نوع آخر

“عيب”، “حشومة”، “المرأة ديال الدار”… إلى غيرها من العبارات القيمية التي تحاصر المرأة الزاكورية، وتكبح أهدافها، وتطمر حلمها، وتقبر فعاليتها داخل المنظومة الاجتماعية للأسر بالإقليم، محددين وظيفتها الرئيسية في المنزل لا غير، “فهي مربية للأطفال، وخادمة لأبوي الزوج، ومطيعة لأوامر الرجل الذي لا تعلى كلمة على كلمته، تلك هي حياة المرأة الزاكورية إلى اليوم، رغم ما طرأ من تغييرات على المستوى التشريعي والقانوني والاجتماعي”، تقول إحدى النساء الزاكوريات رفضت ذكر اسمها للجريدة.
وإلى اليوم، يظل خروج المرأة الزاكورية إلى الشارع، مرتبطا فقط بما هو مناسباتي وخدماتي، حيث اغتنام الفرصة أثناء المعارض والمهرجانات، لخرق الميثاق الاجتماعي المتعاقد عليه بين الرجال والنسوة الزاكوريات، إلى جانب خروجها لقضاء أغراضها الإدارية. علاوة على هذا، يشكل السوق الأسبوعي فرصة لا تعوض للقاء النسوة فيما بينهن، للحديث عن هموم الدنيا، وما فعلته فيهن السنون.
وجوههن مخفية باللحاف، العيون وحدها تظهر لتحسس الطريق، ومعرفة الأشخاص الذين يوجدون معهن في الأماكن المختلطة.. أما الزائر القادم من مدينة أخرى، وغير العارف بتقاليد وعادات المنطقة، فسيجد صعوبة في التواصل معهن، لأن الحديث مع الغرباء يشكل خطرا على حياتهن الأسرية، دون أن نذكر منع التقاط الصور لهن، لذا لا داعي لإحراجهن، وخلق جدال بينهن وبين أزواجهن الذين يراقبون حركاتهن من بعيد.

المرأة القائد

في كثير من القصور، والمنازل حديثة البناء بزاكورة، سيجد السائح المغربي، أو الأجنبي، أن المرأة تلعب دور القائد في المنزل، فهي المدير، والمحاسب، والحارس، والمراقب، والممول لمؤونة الأسرة وحاجيات الأبناء، على اعتبار الزوج يضطر في الكثير من الحالات إلى الانتقال نحو مدن أخرى من أجل العمل وتوفير بعض الدريهمات لعائلته، فتصبح المرأة مضطرة إلى تحمل المسؤولية، والسهر على شؤون أبنائها في الداخل والخارج، مع المحافظة على بعض الخصائص أثناء التواصل مع العالم الخارجي.
فالمرأة الزاكورية، يستهويها العمل في الحقول والواحات، مشذبة النخيل، ومنعشة جذورها بالمياه، علاوة على قطفها الثمار أثناء وقت الجني، وهو ما دفعها إلى تأسيس تعاونيات صغيرة، من أجل الاشتغال بشكل جماعي، وتطوير أنشطتهن الفلاحية، باعتماد وسائل ومعدات وآليات حديثة، من خلال توقيع شراكات مع جمعيات دولية، وكذا طلب الدعم من السلطات المحلية والمنتخبين، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الذين يقدمون الدعم اللازم لهذه الفئة من المجتمع المغربي.
التعاونيات والجمعيات الصغيرة، احتضنت المرأة الزاكورية، وجعلتها فاعلة داخل المنظومة الاقتصادية في الأقاليم الجنوبية، منتقلة من السكون والجمود إلى الحركة والفعالية، موفرة بذلك، مدخولا قارا لها من الصناعة التقليدية أو صناعة بعض مستلزمات التزيين الطبيعية، كـ”الحناء”، و”ماء الورد”، وباقي المستحضرات المعدة من منتجات محلية بالمنطقة.

تكسير الصورة النمطية

وفي جولة قامت بها بيان اليوم، بالمدينة، لاحظت عن كثب ان هناك قلة قليلة من النسوة الزاكوريات ممن تجرأن على خوض غمار الخروج إلى الميدان، وتكسير الصورة النمطية عن المرأة بالمنطقة، حيث أصبحت يلتقين المشتركين في التعاونيات والزبائن والزوار من كلا الجنسين؛ المرأة والرجل، ويعقدن اجتماعات مع المساهمين من جمعيات دولية ومحلية، وإن كان هذا الخروج مازال “محتشما بعض الشيء”، مقارنة بالحركية التي تشهدها بعض المدن الداخلية للمملكة، حيث أصبحت المرأة تلعب أدوارا طلائعية في مختلف المجالات.
ورغم الثورة التي قامت بها بعض النسوة من زاكورة، فإن تمثيليتها تبقى نسبية في بعض الميادين الأخرى، خاصة تلك التي تتطلب تكوينا أكاديميا ومهنيا، كالاشتغال في الفنادق، والمؤسسات البنكية، والشركات الخاصة بالسياحة، حيث تضطر هذه المؤسسات إلى توظيف نساء وشابات من مدن أخرى، قصد تسيير الفنادق أو الاشتغال في المؤسسات البنكية، والوكالات السياحية..
وعزت إحدى النسوة المشتغلات في الحقل الجمعوي، رفضت ذكر اسمها للجريدة، سبب غياب المرأة في هذه المجالات، “إلى الهدر المدرسي، وغياب مؤسسات التعليم، والتكوين المهني، والجامعات، والمعاهد التطبيقية، إذ ترفض الأسر الزاكورية، السماح لفتياتهن بالذهاب نحو مدن أخرى كالراشيدية ومراكش، من أجل إتمام مشوارهن الدراسي”.
وزادت المتحدثة ذاتها للجريدة، أن كل هذه الأسباب “تساهم بشكل كبير في الحد من طموح المرأة الزاكورية، وتكسر حلمها الذي تناضل من أجله نساء أخريات بالمنطقة، بعد وعيهن بأن النساء لا يقتصر دورهن فقط على العناية بشؤون البيت، بل أيضا، على تولي مناصب داخل مؤسسات عامة وخاصة، والمساهمة في تنمية المنطقة، انطلاقا مما راكمنه من تجارب أثناء التكوين الأكاديمي والمهني”.
تكسير هذه التقاليد والأعراف التي تشيء المرأة وتجعل منها وسيلة لا فاعلا، بدأت تظهر تجلياته، وإن كانت طفيفة نوعا ما، حيث أن الزائر لزاكورة سيلاحظ إحداث مؤسسات تعليمية جديدة، للدراسة والتكوين المهني، بالإضافة إلى المبادرة إلى تقديم دراجات هوائية لفائدة بعض التلميذات، ثم توفير النقل المدرسي لأخريات، يبعدن كثيرا عن مركز زاكورة.

لباس تقلدي محافظ

ومن جهة أخرى، لا زالت المرأة الزاكورية متشبثة بلباسها التقليدي المحافظ، رافضة تغييره إلى ما هو عصري وحداثي، بالإضافة إلى اختيار ألوان داكنة غير جذابة ومثيرة للانتباه، وهو ما أكدته لبيان اليوم العديد من النسوة الزاكوريات.
والطفلات الصغيرات، والشابات، هن الأخريات، يسرن على هذا الدرب، حيث ارتداء ما يعرف بـ”الملحفة”، والمحافظة على نفس الزي الجنوبي، الذي يشترط فيه بالدرجة الأولى أن يكون طويلا يغطي كل أجزاء الجسد، ولو كان الأمر متعلقا بالقيام بنشاط عضلي يتطلب الكثير من الحركة، والتنقل مسافات طويلة، بين القصر والواحة.
اختلاط النساء بالرجال، من بين الخطوط الحمراء بزاكورة، حيث تنزوي النسوة أثناء المهرجانات والمنتديات في أماكن خاصة بهن، مبتعدات عن الرجال، الذين يرفضون أن تكون نساؤهم أو بناتهم في هذه اللقاءات، حاضرات أو فاعلات ومنظمات، ويضطر المنظمون إلى الاستعانة بشابات من مدن أخرى، متخصصات في مجال الفندقة، ومكونات في مجال التنظيم، والاستقبال، لتقديم الخدمات لفائدة المشاركين والحاضرين، وهو ما أكده لبيان اليوم، منظمو المنتدى الدولي للواحات بزاكورة.
ومن بين ما سيثير الزائر لزاكورة، هو غياب ثقافة مرافقة الزوج لزوجته في الطريق، باعتبار هذا الأمر “عيبا” حسب منظور الساكنة المحلية، لذا تضطر النسوة المتزوجات حديثا إلى الاستعانة بخدمات الحماة أو الحمو لمرافقتها قصد قضاء أغراضها الشخصية، أو الاستفادة من بعض الخدمات كالتطبيب مثلا.
وعن السؤال الذي سيتبادر إلى ذهن السائح الأجنبي للمنطقة عن سبب غياب المرأة من الشارع في النهار، سيرد عليه أبناء المنطقة، بأن المناخ الطبيعي للأقاليم الجنوبية لا يساعد النسوة إلى الخروج للشارع، مبررين ذلك بأن المرأة تخرج بالليل فقط قصد التنزه وقضاء وقت رفقة الجيران أو أفراد العائلة القادمين من مدن أخرى.

> زاكورة : يوسف الخيدر

Related posts

Top