“الزلگة” التي وقعت بتمارة تجسد العمى

موضوع تسمية بعض أزقة وشوارع تمارة بأسماء متشددين خليجيين ليس قضية عابرة، أو موضوعا بسيطا لكي نعتبر أنه انتهى بعد أن أسقطت اللوحات الحاملة للأسماء المرفوضة.

القضية فضحتها الصحافة الوطنية ومواقع التواصل الاجتماعي، وحضيت بمتابعة واسعة، وجرى طرحها ضمن أسئلة برلمانية، وبرزت خلال الأسبوع المنصرم في النقاش والاهتمام العموميين والشعبيين، وهي تحيل على ضحالة المدبر العمومي لما يكون بلا وضوح أفق وبعد نظر، وببساطة عندما تنقصه”لفهامة”ويغيب عنه النضج السياسي.

صحيح أن اختيار تسميات الشوارع والأزقة صلاحية موكولة للمجالس المنتخبة، ولكن ممارسة هذه الصلاحية يجب أن تندرج ضمن رؤية عامة تستحضر الفضاء والمعمار والتاريخ والثقافة، وأيضا المضمون البيداغوجي والثقافي المأمول.

ولكل هذا، هناك أمام البلديات أسماء من الطبيعة مثل الوديان والزهور والنباتات والجبال، وهناك أسماء مدن ومناطق، وأيضا أسماء شخصيات مغربية من ميادين مختلفة تستحق التخليد والتكريم..

وفِي هذا الإطار يمكن أحيانا إختيار أسماء شخصيات أجنبية أو بلدان أو مدن، وذلك على سبيل رد التحية والشكر مقابل خدمة لصالح المغرب مثلا،  أو في إطار توأمة  أو للاحتفاء برموز كونية خدمت الإنسانية برمتها.

وإذا انطلقنا من كل ما سلف، فمن هم إذن هؤلاء الذين فرضتهم بلدية تمارة على وجه المدينة وعلى وجوهنا كلنا؟ وماذا قدموا أصلا لتمارة أو للمغرب أو للبشرية كي يستحقون هذا التكريم الأبدي المثبت على جدران المدينة؟

هم دعاة دين، وبعضهم من رموز التشدد والتطرف، وأحدهم برلماني عادي في بلده، ومن ضمنهم هناك كذلك من هو متابع في بلده بتهم الإرهاب والتكفير ، وهناك كذلك منهم من يرفض الديمقراطية ويكفر من ينهجها أو يعمل ضمن مقتضياتها.

الحزب الذي يترأس بلدية تمارة دافع عن نفسه أمام هذه”الزلگة”بالقول إن هذا القرار يعود لحوالي أربعة عشر سنة من قبل، وأنه اتخذ بإجماع كل مكونات المجلس، ولا يتحمل هو وحده وزر ما حدث، كما أن رئيس المجلس المحلي لم يتردد في الدفاع عن تخليد أسماء مشايخ التكفير في شوارع تمارة…

وبغض النظر عمن يتحمل المسؤولية من الأحزاب الممثلة، أو دور سلطات الوصاية التي يفترض أن عيونها لا تنام داخل المدينة وعلى صعيد العمالة، وكيف أنها لم تر هذه الفضيحة طيلة سنوات، فإن المثير حقا للإنتباه هو هذا الحرص الغريب لإخوان رئيس بلدية تمارة في مناطق مختلفة على المسارعة لإدراج تسميات وعناوين لأزقة وشوارع تستمد معناها ومبناها من الفكر الوهابي والعقلية البدائية المشرقية والخليجية، بالإضافة إلى إحالات أخرى على تركيا…

لماذا في تمارة إذن تعلق هذه الأسماء السعودية والخليجية بالذات؟، ولماذا أيضا في بعض مناطق سلا تتم تسمية شوارع وأزقة بمدن سعودية؟، ولماذا بمجرد الوصول إلى تدبير مدن وبلديات يكون هذا الفعل الغريب من ضمن القرارات الأولى؟

إن تسمية الشوارع والأزقة ومختلف الفضاءات أمر لا يخلو من مضمون ثقافي وبيداغوجي، والقانون ينص على وضع ورقة تعريفية حول الشخص أو الواقعة أو المكان، وبالتالي جعل الناس يدركون من هو الاسم، وسياق اختياره وتخليده هنا والآن.

ولهذا فإن للمغرب كثير  أشياء ووقائع وأحداث لا زالت لم تنفذ بعد، وهو أيضا يزخر بعديد شخصيات ورموز ونوابغ تستحق التعريف بها وتكريمها والاحتفاء بها، وذلك بدل رموز تكفيرية نستوردها من… الخلاء والخواء.

إن ما حدث في تمارة يجب أن يفتح العيون حول واقع الحال أيضا في بلديات وجماعات ومناطق أخرى على الصعيد الوطني، ونحن هنا لسنا بصدد أي تهويل لما وقع، ولكن نعتبر الخطوة وما قد يكون حكمها من خلفيات هي عمى حقيقي، وسلوك تغيب عنه السياسة، ويفتقر  إلى العقل، وإلى بعد النظر.

إن ما اقترفته بلدية تمارة هو فعل يطمس هويتنا المغربية، وهو تطبيع مع رموز مشرقية رجعية ومتطرفة، وسعي للاحتفاء بفكرها المتشدد، والذي لا علاقة له لا بثقافة المغاربة ولا بتدينهم.

إن الفعل، وبغض النظر عن سنة ارتكابه أو هوية من أتخذ القرار بشأنه أول مرة، هو خطأ وكفى، ويجب، بالتالي، ترتيب ما يلزم تبعا لذلك.

محتات الرقاص

Related posts

Top