السنة الأمازيغية

بحلول الثالث عشر من يناير، يحل رأس السنة الأمازيغية الجديدة، والتي توافق هذا العام 2969.

“إيض ن إيناير” أو “إيض ن أوسكاس” أو تسميات أخرى تعرف بها المناسبة في مناطق بلدان شمال إفريقيا، كلها تحيل على بداية التقويم الأمازيغي، وعلى الاحتفال بالعام الأمازيغي الجديد.

المناسبة باعتبارها ممارسة ثقافية وأنتروبولوجية، ورغم غياب أي إقرار رسمي، فهي بقيت متداولة ويجري الاحتفال بها داخل العائلات في عدد من مناطق وجهات بلادنا، كما لدى شعوب شمال إفريقيا الأخرى، وذلك منذ قرون، ويتم التعبير عن ذلك بمأكولات تقليدية تعد لهذا اليوم، وبأشكال فنية واحتفالية متعددة، كما أن منظمات المجتمع المدني وجمعيات الحركة الثقافية الأمازيغية وبعض القوى السياسية حرصت، من جهتها، في السنوات الأخيرة، على الاحتفال بالمناسبة وإبراز دلالاتها الحضارية والثقافية والتاريخية.

هذا العام استمرت ذات الفعاليات والمبادرات المشار إليها، وتعززت بنداءات وحملات ترافعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووقفات في الشارع، واحتفاليات في قاعات عمومية ببعض المدن، بما في ذلك الرباط والدار البيضاء…، وتقوت هذه الدينامية بتنامي المطالبة المجتمعية بإقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا رسميا في بلادنا ويوم عطلة.

إن المطلب الرمزي المذكور يتصل أيضا بمطلب سياسي آخر يتعلق بتفعيل التنصيص الدستوري على رسمية الأمازيغية في بلادنا، وإصدار القانون التنظيمي المجسد لذلك، وإحداث الآليات والهياكل والمنظومات المختلفة التي تستطيع التعبير العملي عن المضمون المتقدم الذي جاء به دستور 2011 على هذا المستوى.

هذه الخطوة تمثل التعبير عن إرادة البلاد لإعطاء معنى لمقتضيات الدستور، وغيابها لا يجد له تفسيرا سوى  الإمعان في فرملة المسار الإصلاحي العام في بلادنا، وأيضا عدم إكمال مصالحات المغرب مع ذاته.

تخليد رأس السنة الأمازيغية هو أكبر من طقس شكلي، ولكنه هو الإحالة على قوة الحضور الأمازيغي في هذه الأرض الطيبة وفِي كامل شمال إفريقيا، ومن أكبر وأهم وأنبل دروسه ودلالاته أنه يرتبط بالأرض ويحتفي بها وبما تنتجه من خيرات وثروات مادية، ويجسد معنى… الوطن.

كم هو راهني هذا الارتباط، وكم نحن كلنا في حاجة إلى هذه الإحالة على أرضنا، وإلى هذا الارتباط بوطننا والتعبئة من أجله والانتصار له ولقضاياه ومصالحه العليا.

إن تخليد السنة الأمازيغية الجديدة اليوم هو مناسبة لتجديد الترافع والمطالبة بضرورة الانكباب على هذا الورش الوطني المركزي وتسريع وتيرة إنجاز التشريعات والآليات المؤسساتية اللازمة، والتي لا زالت مجمدة إلى اليوم، كما أن المناسبة تفرض توجيه التحية والعرفان لكل الفعاليات والمناضلات والمناضلين في مختلف المواقع، والذين تمسكوا طيلة عقود بالاحتفال فعليا، وبرفع المطالب والنضال العملي من أجلها.

هؤلاء، جمعيات وأشخاصا وباحثين وفنانين وأحزابا سياسية، يعرفهم الجميع، ولا مجال اليوم لأي التباس.

هم تحدثوا عن الأمازيغية وترافعوا من أجلها، لغة وثقافة وهوية وحقوقا، لما حاربها الكثيرون، ومنعوا حتى الكلام عنها أو بها في مجالسهم وأدبياتهم…

ورغم سهولة الكلام اليوم، فإن خطاب الصراخ والشعبوية لن يستطيع مسح الماضي أو استبدال الأدوار.

اليوم المطلب بات مجتمعيا، وتفرضه دينامية المسارات الإصلاحية التي أسس لها المغرب منذ إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وخطاب أجدير، وبعد التنصيص الدستوري في 2011، ومن ثم يتطلع شعبنا لمبادرة قوية تضع نهاية لحالة الجمود بالنسبة للقانون التنظيمي وما يرتبط به، ولتمتين حضور  الأمازيغية في القضاء والإدارة والإعلام والتعليم ومختلف مؤسسات وقطاعات البلاد.

إلى العمل، لقد طال الانتظار.

عام جديد لشعبنا يحمل كثير انتصارات ومكاسب وخطوات تقدم.

< محتات‭ ‬الرقاص

Related posts

Top