السينما المغربية ورهان الفيلم العاطفي

تتعدد الأنواع في السينما المغربية بحيث نجد أنها تشمل كلاً من الفيلم الاجتماعي والفيلم السياسي والفيلم الموسيقي، وحتّى الفيلم الكوميدي. وهي إلى هذا وذاك، تُؤسس بنيتها على وجهتي نظر مختلفتين تتكاملان حيناً لتختلفا حيناً آخر. وهما وجهتان سينمائيتان، أولاهما تسعى للانتصار للفيلم السينمائي البسيط من حيث تركيبته السينمائية، في حين أنّ الثانية منهما تسعى لتقديم الفيلم السينمائي المركّب البنية، حيث يحضر عنصر التجريب السينمائي والرؤية الإخراجية الخاصة. وبالإضافة إلى هذه الأنواع الفيلمية التي راهنت عليها السينما المغربية في مسارها المتشعب الاتجاهات والمختلف التيارات، نجد أنّ هذه الأخيرة عادت أيضاً إلى الفيلم المغربي العاطفي الذي سبق لها أن قدمته في فترة من فترات عُمرها الفني مع كل من فيلمي «دموع الندم» وهو فيلم سينمائي من بطولة الراحل محمد الحياني ومن إخراج المبدع حسن المفتي، و «الصمت اتجاه ممنوع « وهو من إنتاج سنة 1973 للمخرج عبد الله المصباحي، ومن بطولة المطرب المغربي عبد الهادي بلخياط وعائشة سجيد وعبد القادر البدوي إضافة إلى إيمان المصباحي. وهذا الفيلم تبنى النموذج المصري لأفلام الميلودراما الموسيقية. مثلما هو الأمر بالنسبة للفيلم السينمائي الأول.
وإذا كان هذا النوع من الأفلام السينمائية لم يواصل الحضور في نماذج سينمائية مغربية أخرى مشابهة، وتسير بالتالي وفق هذا التوجه الفني الميلودرامي الموسيقي، فإنّ السينما المغربية عادت إلى رحاب هذا النوع، لكن بشكل مختلف تماماً، وإن ظلت مخلصة للجانب العاطفي الرومانسي فيه، وذلك بغية الوصول إلى الجمهور العريض من جهة وتحقيق تميز فني معين تختلف الآراء النقدية حتماً في تحديد أهميته الفنية، ومدى تأثيره في مسار السينما المغربية التي شهدت تقدماً كمياً ونوعياً في السنوات الأخيرة. ومن بين هذه الأفلام العاطفية نجد فيلم «رهان» للمخرج محمد الكغاط.
إنّ ما يجعل فيلم «رهان» مختلفاً عن الأفلام السينمائية المغربية العاطفية هو كونه صيغ بطريقة كوميدية تجمع بين الرغبة في خلق المرح البسيط، وفي الوصول إلى تحقيق المتعة الفنية. وهذا الفيلم بني على قصة عاطفية بسيطة ومَرحة تتلخص في كون صديقين شابين هما مروان وفؤاد، تراهنا على من يستطيع الإيقاع بفنانة سينمائية مشهورة اسمها ياسمين، في حبه والعشاء معها بشكل انفرادي رومانسي، وذلك بطريقة إنسانية تجعلها لا تشعر بذلك. وطبعاً وفق خطة محكمة تعتمد على استثارة الشفقة تجاه هذا الشاب مروان (جسد دوره الممثل مراد الزاوي)، وجعل النجمة السينمائية (جسدت دورها بشكل فني رائع الممثلة أسماء الخمليشي)، تُشفق عليه وتوافق على تلبية طلبه. لقد قرر الشاب بالفعل خوض غمار هذا الرهان المثير، وذلك بالتظاهر بالإصابة بمرض خطير وبكون أيامه قد أصبحت معدودة، زاعماً بالتالي أنه لا يريد أن يفارق الدنيا من دون أن يحظى بعشاء رومانسي مع النجمة السينمائية التي يعلمها أنه مولع بمشاهدة أفلامها وفائق الإعجاب بها. وككل الحكايات العاطفية التي تعتمد على البساطة في الحبكة وعلى خلق جو الكوميديا في مواقفها، سينجح الشاب في تحقيق مراده، تارة بمفرده وتارة أخرى بمُساعدة صديقه فؤاد (جسد دوره الممثل ربيع القاطي) الذي لا يلبث هو الآخر أن يقع في حب صديقة النجمة السينمائية، ومديرة أعمالها المكلفة بتسيير شؤونها الفنية (قامت بأداء دورها الممثلة إيمان المشرفي).
إنّ السينما المغربية وهي تَخُوض رهان هذا النوع من الأفلام السينمائية، تكون راهنت في الدرجة الأولى على اندفاع الجمهور، ودفعه بالتالي للمشاهدة ومُتابعة هذا النوع من الأفلام السينمائية بشكل كبير. ذلك أنّ هذا النوع الذي يظل بسيطاً في تركيبته الفنية سواء من حيث قصة الفيلم أو المشاهد المتوالية فيه والمؤسسة لعوالمه، قد أُنتج من أجل هذا الغرض، أي غرض الوصول إلى أكبر عدد من الجمهور وبالتالي تحقيق قدر كبير من النجاح الجماهيري. وهو أمر أصبح مطلوباً ومرغوباً فيه في ظل تعدّد سينمائي مغربي يجمع بين الأفلام السينمائية التجريبية القوية مثلما هو الحال مع أفلام هشام العسري وأفلام سينمائية ذات بعد رؤيوي قوي يجمع بين الذاتي والموضوعي، بين التوثيقي والتخييلي في بوتقة سينمائية متكاملة كما هو الشأن بالنسبة لأفلام حكيم بلعباس. وبين أفلام سينمائية أخرى تقوم بتقديم فضاءات متنوعة حيثُ يعيش الناس البسطاء والعلاقات الإنسانية المختلفة والمتعددة القائمة بينهم، وذلك وفق منظور فني عميق مثلما يفعل المخرج داود أولاد السيد في أفلامه السينمائية، وبين أفلام سينمائية ذات طابع اجتماعي تعالج الواقع المغربي من وجهة نظر معينة، وتسعى لعملية تقديمه سينمائياً كما نجد في أغلب الأفلام السينمائية المغربية.
من ثمة، فعملية اختيار النوع الفيلمي السينمائي والسير فيه، عملية فنية تتحكم فيها رؤية المخرج وبعد نظره السينمائي الفني. ومع هذا يظل المطلوب منه تقديم فيلم سينمائي جدير بانتمائه إلى هذا الفن الصعب، فن السينما. وهو أمر يركز النقد السينمائي الانطباعي منه والتحليلي على عملية توضيحه وتقديم وجهات نظر بصدده، سواء على مستوى المتابعات والمقالات التي ينتجها أو على مستوى البحوث والدراسات التي يقدمها.

نور الدين محقق*

Related posts

Top