الشاعر والمناضل إبراهيم أخياط في ذمة الله

أقيمت، بعد عصر أول أمس الأربعاء (7 فبراير)، صلاة جنازة إبراهيم أخياط، أحد رواد الحركة الثقافية الأمازيغية، الذي وافته المنية، صباح نفس يوم الأربعاء، في إحدى المصحات الخاصة بالرباط، بعد صراع طويل مع المرض.
وكان في مقدمة مشيعي الراحل أخياط، رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ونبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ومحمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والناشط الأمازيغي أحمد عصيد وأحمد الدغرني، والفنانة فاطمة تباعمرانت، ومحمد مماد مدير القناة الأمازيغية، والعديد من وجوه مكونات الحركة الثقافية الأمازيغية.
ويعد أخياط من مؤسسي الجمعية المغربية للتبادل الثقافي سنة 1967، وهو كذلك أحد الفاعلين الثقافيين والسياسيين الذين ساهموا في اعتماد الأمازيغية لغة رسمية في دستور المغرب عام 2011.
ولد الراحل في منطقة أيت باها بالقرب من أكادير، وانتقل في سن مبكرة إلى العاصمة حيث تابع دراسته من التعليم الابتدائي إلى التعليم الجامعي، ليعود مرة أخرى إلى مدينته ويؤسّس “جمعية الجامعة الصيفية” سنة 1979 ويرأس لجنتها التنظيمية حتى عام 1991، والتي كان لها دورها في إطلاق النقاشات العمومية حول المسألة الأمازيغية ببلادنا..
وقد آل الراحل منذ عقود على عاتقه مسؤولية الدفاع عن الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، وتمكن من خلال “الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي” من إنتاج خطاب ثقافي وطني مقنع يقوم على الدفاع عن الهوية الوطنية القائمة على التعدد.
كان الراحل إبراهيم أخياط وراء إحداث أول مجموعة موسيقية أمازيغية “أوسمان” سنة 1974 وكان يؤطر اشتغالاتها الفنية فيما تقدمه من أغان مستلهمة من التراث المغربي الأمازيغي لكن في قوالب حديثة، مؤمنا بدور الثقافة والإبداع في تثبيت الهوية الوطنية المتعددة، حيث اهتم بتوثيق الأغنية والموسيقى والزخرفة والأزياء، وكان مديراً عاماً لمجلة “أمود” الأمازيغية الصادر عددها الأول في أبريل 1990، وكذلك مدير جريدة “تامونت” التي صدرت عام 1994.
أصدر مجموعته الشعرية الأولى بعنوان “تابرات” باللغة الأمازيغية عام 1992، إلى جانب مجموعة من الدراسات السياسية والتاريخية، من بينها: “لماذا الأمازيغية؟” (1994)، و”رجالات العمل الأمازيغي: الراحلون منهم” (2004)، و”الأمازيغية هويتنا الوطنية” (2007)، و”النهضة الأمازيغية كما عشت ميلادها وتطوّرها” (2012) والذي اشتمل على سيرته الذاتية على مدى عقود.
كان من أشد المدافعين عن تدريس الأمازيغية بحرف تيفيناغ (أبجديتها الأصلية)، مع الانفتاح على أدبياتها المكتوبة بالعربية واللاتينية، من دون أن توضع في إطار ثنائيات أيديولوجية وديماغوجية مع لغات وثقافات أخرى من شأنها أن تواصل تهميشها، وهو الذي رفض تدويل قضية الأمازيغ حين كان الخيار مطروحاً بقوة في تسعينيات القرن الماضي.
وبرحيل الأستاذ والمفكر والباحث والمناضل، إبراهيم أخياط، تفقد الساحة الثقافية الوطنية، والحركة الثقافية الأمازيغية أحد آبائها المؤسسين في المغرب وفي شمال إفريقيا، عن سن يناهز 78 سنة.
إنها خسارة كبيرة لمناضل ومثقف وجمعوي، عمل على مدى نصف قرن، من أجل النهوض بالأمازيغية باعتبارها رصيدا لجميع المغاربة الشيء الذي أهله ليكون أحد الرواد الأوائل الذين بصموا مسلسل رد الاعتبار للأمازيغية لغة وثقافة وهوية. وحظي الراحل أخياط طيلة حياته بتقدير واحترام الفاعلين في حقول السياسة والثقافة والمجتمع المدني، ليس فقط من طرف الذين يتقاسم معهم نفس القناعات بل حتى الذين يخالفونه الرأي، بفضل الخصال التي تحلى بها علاوة على تملكه لأساليب التواصل والإقناع والانفتاح على الجميع.
وانطلاقا من الرصيد المعرفي والنضالي الذي تركه الأستاذ أخياط والذي يمتد على مدى زهاء خمسين سنة، لا يمكن الحديث عن الحركة الأمازيغية دون ذكر اسمه وذلك بالنظر إلى مساهماته الغنية والمتنوعة في مجال رد الاعتبار للأمازيغية معتمدا في ذلك على خطاب عقلاني منفتح يقوم على الاحترام والانصات والذي توج ببلوغ الأمازيغية وضعية الترسيم في دستور المغرب.
ووصف عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الدكتور الباحث أحمد بوكوس، الراحل إبراهيم أخياط بـ “المؤسس الحقيقي” للحركة الأمازيغية بالنظر إلى درجة انخراطه في أنشطتها المختلفة بتفان تام منذ مبادرته بتأسيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي سنة 1967 وإطلاق الجمعية الصيفية في أكادير سنة 1979 وتوقيع “ميثاق أكادير” سنة 1991.
كما أبرز بوكوس الخصال التي يتمتع بها الأستاذ أخياط منها على الخصوص الحوار البناء والانفتاح على مختلف الفعاليات الأمازيغية بكل تلويناتها على امتداد المملكة بكل من سوس والأطلس المتوسط ومنطقة الريف.
من جانبه أكد رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات أحمد عصيد أن الأستاذ أخياط يعد من “المؤسسين الكبار” للحركة الأمازيغية ويتميز بـ “خصال الفاعل المدني الناجح” والقدرة على التأطير والإقناع.
كما استطاع الأستاذ أخياط من خلال العمل الذي قام به طيلة عقود من الزمن، يضيف عصيد، طبع مرحلة كبيرة من الحركة الأمازيغية ببصماته وكذا خلق مكانة متميزة للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي ضمن النسيج الجمعوي المغربي.
أما الصافي مومن علي أحد مؤسسي الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي فوصف بدوره الأستاذ أخياط “بالصخرة الصلبة” التي قامت عليها الحركة الأمازيغية، مشيرا إلى أن أخياط قدم تضحيات جساما من أجل رد الاعتبار للأمازيغية إذ ساهم بأعماله ومواقفه في بلوغ الأمازيغية وضع الترسيم في دستور 2011.

بيان اليوم

Related posts

Top